أبرزت الأحداث الأخيرة الأثر العميق للتمييز الممنهج على المجتمع.
وقد تحتل عناوين الصحف قضايا الاحتجاجات العالمية وإزالة الآثار التاريخية والتغييرات السياسية، لكن إذا أردنا إحداث تغيير حقيقي، فإنه يجب التركيز المتزايد على التجارب والخبرات اليومية، وهذا يشمل ما يحدث في مجال الأعمال التجارية وأماكن العمل. لقد عرفنا منذ فترة طويلة الفوائد التي يقدمها التنوع، لكن الشركات لم تعد قادرة الآن على تأجيل العمل الشاق الذي يبذل لبناء ثقافة العمل المناهضة للتمييز والحفاظ عليها.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه الشركات إلى الانتقال إلى نموذج رأسمالية أصحاب المصلحة الذي يضع الأشخاص والكوكب جنبًا إلى جنب مع الأرباح، فيما يلي تفصيل لبعض جوانب التمييز الضارة بالأعمال.
1. خنق الإبداع
ثبت أن التنوع يعزز الابتكار، وبالتالي يؤثر علي الأداء المالي للشركات، كما يشير تقرير المعهد الأوروبي لإدارة التنوع، الذي يؤكد بأنه يساعد الشركات على الابتعاد عن «التفكير الأحادي المحدود» وتوجيهها نحو اكتشاف منتجات وأسواق وطرق جديدة لممارسة الأعمال التجارية.
قد تكون المكافآت المالية ضخمة. وفي المملكة المتحدة وحدها، يمكن أن تصل قيمة تمثيل BAME الكامل في الأعمال التجارية وخاصة علي مستوي المديرين، 24 مليار جنيه استرليني (30 مليار دولار). على الرغم من ذلك، قد تتوقف تماما أعمال الشركات بسبب أداءها السيئ من حيث التنوع. فقد توصل تقرير McKinsey بشأن هذا الموضوع، أن الشركات ذات الأداء السيئ من حيث التنوع كانت أرباحها أكثر عرضة للتأثر بنسبة 30٪ تقريبًا.
من الأهمية بمكان أن يشعر الموظفون، الذين ينتمون الي مجموعة غير ممثلة بالقدر الكافي، بالأمان في مكان عملهم إذا كانوا سيشاركون بشكل كامل ويجلبون أفضل أفكارهم إلى العمل. يقول الخبراء أن الموظفين «الآمنين نفسيًا» أكثر اهتمامًا بالتعلم والتفوق والتواصل مع الآخرين من أن يحافظوا علي مجرد مظهر جيد أمام آصحاب الشركات التي يعملون بها.
2. ثقافة العمل السامة
على الجانب الآخر، فإن المنظمة التي يبدو أنها تتسامح مع السلوك العنصري تخلق نقصًا في الأمان النفسي لموظفيها. وهذا يؤدي إلى الانسحاب وانخفاض الإنتاجية وزيادة معدل دوران الموظفين.
إنها مشكلة مستمرة، وفي جميع أنحاء العالم، لا تتوقف البلاغات عن قصص التمييز والتنمر. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يقول أكثر من نصف الموظفين ذو البشرة الداكنة أنهم عانوا من العنصرية في العمل. وكما قال أحدهم لـ Fortune، أن المشكلة تصبح أكثر وضوحًا كلما ارتقوا أكثر في درجات السلم الوظيفي.
هذه التحيزات تحدث أيضا خلال عملية التوظيف. إحدى الدراسات الدنماركية، المنشورة في المجلة الاقتصادية الأمريكية، وجدت أن التحيزات الشخصية تؤدي إلى اختيار الأشخاص لزملائهم من نفس العرق حتى لو كانوا أقل إنتاجية – مما يفقدهم 8 ٪ من أرباحهم في هذه العملية.
3. تغيب العاملين ومشاكلهم الصحية
عندما يعاني الموظفون من هذا النوع من التمييز في العمل، يؤثر ذلك على صحتهم البدنية والعقلية.
ووفقًا لدراسة أجراها المعهد الوطني الأمريكي للصحة، فإن التمييز العنصري والتنمر في مكان العمل يمكن أن يؤدي إلى دفع الناس إلى التدخين أو الشرب بكثرة كوسيلة للتكيف، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فيقول التقرير إن الإجهاد الناتج يمكن أن يؤدي إلى زيادة المشاكل الصحية مثل السمنة وارتفاع ضغط الدم، وكذلك الاكتئاب والقلق، وغالبًا ما يتبعها السلوكيات التي تؤثر علي الإنتاجية مثل ترك العمل مبكرًا، أو الوصول المتأخر، أو عدم إكمال العمل في الوقت المحدد.
كما أن أنواع التمييز الغير معلنة لها أثرها أيضًا، مثل تخطي ترقية شخص ما بشكل غير عادل أو دفعه إلى التقاعد المبكر. وفي جميع الأحوال، عندما ينتشر التمييز، تنخفض الثقة والمعنويات داخل الشركات.
وتؤدي العنصرية الهيكلية أيضًا إلى انخفاض أجور ذوي البشرة الداكنة، وخاصة النساء منهم. حيث يحصل ذوي البشرة الداكنة على أجور أقل في الولايات المتحدة على سبيل المثال – الرجال بنسبة 13 ٪ أقل، والنساء بنسبة 21 ٪ أقل. كما يؤدي عدم المساواة في الأجور إلى الفقر ومحدودية الوصول إلى الرعاية الصحية. في الولايات المتحدة، يبلغ معدل الفقر بين النساء الأمريكيات من أصل أفريقي ضعف معدل النساء البيض في جميع الولايات باستثناء ولاية واحدة.
4. سوء العلاقات العامة، وفقدان الدخل والتقاضي
كل هذا يؤثر على كيفية رؤية الأشخاص للأعمال خارج المؤسسة. فإن الموظفين من بين أكبر المدافعين المحتملين للشركة، لكن عندما لا يكون العمال سعداء لا يخفي الأمر علي أحد.
مما قد يؤدي إلى خسارة في الأرباح، حيث يتجنب الأفراد والشركات المنتمين للشبكة الشخصية للموظفين الغير سعداء التعامل مع هذه الشركة. ويمكن أن يضر بمجهودات التوظيف أيضًا، ومن المرجح أن يتوجه الباحثون عن عمل في الشركة لمكان آخر إذا اكتشفوا أنها لا تدعم قيمهم. وتظهر الدراسات الحديثة بالفعل أن 70٪ من الباحثين عن عمل يريدون الآن العمل في شركة تعزز التنوع والاندماج.
أضف إلى كل هذا حقيقة أن التمييز العنصري في العديد من البلدان مخالف للقانون، وقد نجد شركة غارقة في قضية بارزة، عليها دفع تعويضات كبيرة. غير أن هذه هي التكلفة المالية فقط – ناهينا عن الضرر الأكبر الدي يمس سمعتها التجارية.
5. الانخراط في أعمال تجارية مع شركات تناهض العنصرية
هذه هي المحصلة النهائية التي تؤثر على النتائج النهائية أيضا للأعمال: 64٪ من المستهلكين على مستوى العالم سيشترون أو يقاطعون علامة تجارية بناءً على موقفها من قضية اجتماعية أو سياسية، وفقًا لتقرير «إيدلمان» Edelman
حيث كشف استطلاع حديث أجراه «إيدلمان» بعد وفاة «جورج فلويد» George Floyd في الولايات المتحدة، أن الأمريكيين يتوقعون أن تلعب العلامات التجارية دورًا رئيسيًا في معالجة العنصرية الممنهجة: حيث قال 60 ٪ أنهم سيشترون أو يقاطعون علامة تجارية بناءً على رد فعلها وموقفها من احتجاجات «فلويد». وارتفع هذا الرقم إلى 70٪ للفئة العمرية بين 18-34.
التزام طويل الامد
إن الشركات لديها التزام أخلاقي لمعالجة هذه القضية، بالطبع. ولكن عندما يؤخذ في الاعتبار أيضا تداعيات عدم اتخاذ المؤسسات لأي موقف، يكون من الجلي أنه لا يمكن تجاهل ضرورة اتباع نهج مناهض للعنصرية من قبل الشركات التجارية.
الخبر السار هو أنه عندما تكون الجهود السابقة قد فشلت، فإن التركيز المتجدد والابتكارات في هذا المجال – بما في ذلك التكنولوجيا – يعطي سببًا للتفاؤل بإمكانية حدوث تغيير ذي مغزى.
وسيتطلب هذا من الشركات أن تكون نشطة في معاداة العنصرية وأن تلتزم ببذل الجهد على المدى الطويل، وهو جهد غير ضائع غالبا. إن إحراز تقدم نحو مكان عمل أكثر تنوعًا وشمولًا وإنصافًا يفيد الجميع في النهاية – بغض النظر عن العرق.
14 يوليو 2020
أدوا باجاليني Adwoa Baggallini
رئيسة المشاركة والتنوع والإدماج، المنتدى الاقتصادي العالمي
https://www.weforum.org/agenda/2020/07/racism-bad-for-business-equality-diversity/