على الرغم من أن المشروعات المنفذة من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة في مجال الأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ بلغت 3917 مشروعاً خلال الفترة من 2003 وحتي الآن، وعلي الرغم من مئات المؤتمرات والقرارات الصادرة في شأن حماية البيئة والتصد لتغير المناخ خلال هذه الفترة، إلا أن التمويل المخصص للتنفيذ الفعلي للحفاظ على البيئية لا يتناسب على الإطلاق مع حجم الخسائر الناجمة عن المشكلات البيئية الناجمة عن تغيّر المناخ، ما يجعل الكثير مما يقال في هذا السياق يدخل في باب الطنطنة، ويدل علي ذلك أنه عند مقارنة خسائر الدخل القومي العالمي الناجمة عن الاضرار البيئية خلال الفترة المشار إليها وفقا لبيانات البنك الدولي، بالتمويل المُعلن من قبل الأمم المتحدة واستخدم فعلياً في للتصدي لهذه الأضرار، تبين أن الخسائر تفوق التمويل بنحو 51 تريليون دولار… كيف؟.
للوصول إلي هذا الرقم تتبع مركز جسور نوعين من البيانات الأولية، الأول هو البيانات الخاصة بأضرار وخسائر تغير المناخ، والثاني البيانات الخاصة بالتمويلات المرصودة للتصدي لها، وفيما يتعلق ببيانات الخسائر تم أولا تجميع وفهرسة وتحليل بيانات صندوق النقد الدولي المستخدمة في بناء السيناريوهات المتوقعة للخسائر المترتبة علي تغير المناخ من 2020 إلي 2100، التي تقدر الخسائر كنسبة مئوية من الدخل القومي الإجمالي لكل دولة من دول العالم، وفي خطوة تالية تم تجميع وتحليل بيانات البنك الدولي الخاصة بالدخل القومي الإجمالي لجميع دول العالم خلال الفترة من 2003 الي 2023، ومن خلال مضاهاة نسب الخسائر الواردة في بيانات صندوق النقد مع قيمة اجمالي الدخل القومي الواردة ببيانات البنك الدولى، امكن الوصول إلي قيمة تقديرية للخسائر بكل دولة ومنطقة والعالم ككل.
من ناحية أخرى … وعلي صعيد التمويل المخصص لمشروعات التصدي لتغير المناخ ومكافحة الاضرار الناجمة عنه، تم تجميع ورصد وتحليل البيانات الخاصة بتمويلات صناديق الانفاق علي مشروعات حماية المناخ، ومشروعات المناخ الاخضر، وتوزيعاتها علي الدول والمناطق والعالم ككل خلال الفترة نفسها 2003 الي 2023.
يعرض الجدول المرفق إحصاءات مجمعة وملخصة تمثل خلاصة المعالجات والتحليلات المشار إليها، إذ يعرض الإحصاءات وفقا لمناطق العالم وفقا لتقسيم البنك الدولي، ووفقا لبنود الانفاق والخسائر والمشروعات وخلافه، وبالنظر إلي الجدول يتبين أن الصناديق الأممية المعنية بحماية البيئة من تغيرات المناخ ومكافحة الاضرار الناجمة عن تدهورها، نفذت ما اجماليه 3917 مشروعا خلال الفترة المشار إليها، من بينها 3236 مشروعا تابعة لصناديق التصدي لتغير المناخ علي اختلاف أنواعها، و681 مشروعا في فيما يطلق عليه “مشروعات المناخ الأخضر”، وبحسب البيانات المعروضة فإن اجمالي تمويل أنشطة الصناديق ومشروعات المناخ الأخضر بلغت 42.8 مليار دولار خلال الفترة المشار إليها، بواقع 30.1 مليار لصناديق المشروعات المتنوعة، و12.6 مليار لمشروعات المناخ الأخضر.
لو راجعنا الأرقام المتعلقة بالدخل القومي الإجمالي العالمي خلال الفترة نفسها ــ 2003 الي 2023 ــ سنجده يتجاوز 1042.7 تريليون دولار، ولو استخدمنا هذا الرقم كنقطة أساس، وطبقنا عليه سيناريو صندوق النقد الدولي الذي يقيس خسائر الاضرار البيئية كنسبة من الدخل القومي الإجمالي حال استمرار الأوضاع والسياسات الحالية كما هي عليه، فإن الخسائر المتوقعة حتي عام 2030 ستبلغ ما يناهز 51.7 مليار دولار، علي أساس أن أضرار تغير المناخ ستؤثر بما قيمته %5 من الدخل القومي الإجمالي العالمي.
وعند حساب الخسائر وفق سيناريو صندوق النقد الدولي الذي يقيس خسائر الاضرار البيئية كنسبة من الدخل القومي الإجمالي حال قيام كل حكومات العالم ودوله بتنفيذ التعهدات الواردة باتفاقية باريس للمناخ والبيئة، فإن الخسائر المتوقعة حتي عام 2030 ستبلغ ما يناهز 46.2 مليار دولار، علي أساس أن الأضرار البيئية ستؤثر بما قيمته%4 من الناتج القومي الإجمالي العالمي.
إذا ما قارنا بين حجم التمويل وحجم الخسائر، سنلاحظ علي الفور أن هناك فجوة ضخمة للغاية بين الطرفين لصالح حجم الخسائر، ففي السيناريو الأول الذي يفترض استمرار السياسات والاحوال كما هي عليه الآن، ستكون الخسائر أكبر من التمويل بما يناهز 51.8 تريليون دولار، وفي السيناريو الثاني الذي يفترض التزام الحكومات بتنفيذ تعهداتها باتفاقية باريس سيحدث تقليص طفيف في الفجوة، وتصبح الخسائر أكبر من التمويل بما يناهز 46.2 تريليون دولار.
يوضح الجدول أيضا أن الفجوة بين الخسائر والتمويل تتنوع وتختلف من منطقة لأخرى حول العالم، وتصل الي ذروتها في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، التي ستحتل المرتبة الأولى من حيث حجم الفجوة، وستكون الفجوة بها في اشد حالاتها اتساعا في الحالتين مقارنة ببقية المناطق، حيث ستناهز نحو18.17 تريليون دولار في السيناريو الأول و 137.6 تريليون دولار في السيناريو الثاني.
تأتي منطقة أوروبا وآسيا الوسطي، في المرتبة الثانية من حيث حجم الفجوة بين التمويل والخسائر، حيث يتوقع أن تبلغ الفجوة ما يناهز 8 تريليونات دولار في السيناريو الأول، و7 تريليونات في السيناريو الثاني.
وفي المرتبة الثالثة تأتي ثلاثة مناطق، تظهر بها ما يمكن ان نطلق عليه الفجوة المتوسطة، وهي مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وامريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وجنوب آسيا، ففي السيناريو الأول، ستبلغ 3.4 و4.6 و3.1 تريليون دولار علي التوالي، وفي السيناريو الثاني ستبلغ 2.8 و4.1 و3.1 تريليون دولار علي التوالي.
يبقي القول أن هناك بعض القيود والإجراءات الروتينية والإدارية التي تؤخر وربما تؤجل أو تعوق كلية، وضع التمويلات التي تمت الموافقة عليها للصناديق ومشروعات المناخ الأخضر موضع التنفيذ الفعلي، لأن الموافقة تعني تخصيص وايداع الأموال في حسابات الصناديق والمشروعات لدي الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة، ثم تبدأ بعد ذلك جولات تفاوض واتفاق حول المشروعات التي ستنفق فيها هذه الأموال علي نحو تفصيلي محدد، ثم جولات تخصيص وتوزيع الأموال علي الدول والحكومات، ثم دورات إجرائية داخل كل دولة لإسناد المشروعات لهيئات او جهات داخلية، وهو ما يؤثر حتما علي التشغيل الفعلي لهذه التمويلات، ومدى نجاعتها في مواجهة الاضرار البيئية علي الأرض، ما يعني أن الأمر يتطلب مزيد من التدقيق والتحليل ومراجعة تقارير متابعة التقدم في المشروعات، لتقديم قياس ادق للنتائج النهائية والواقعية لكل مشروع.
الرئيسية نشرة رقم عدد ديسمبر 2023