6 دول عربية ضِمن أعلى 20 دولة في مؤشر مُساعدة الغرباء عالمياً

أظهرت بيانات تقرير العطاء العالمي الصادر عن مؤسسة Charities Aid Foundation (CAF) أن 5 دول عربية قد جاءت ضمن قائمة الدول العشرين الأعلى عالميًا في مؤشر مساعدة الغرباء خلال الفترة من 2010 إلى 2024. فقد سجلت ليبيا متوسطًا بلغ نحو 77% من المواطنين الذين قدموا المساعدة للغرباء، لتحتل المركز الأول عربيًا والثاني عالميًا بعد ليبيريا. وجاءت سلطنة عمان في المركز الثاني عربيًا والسادس عالميًا بنسبة تقارب 72%. أما الكويت فقد حلت في المرتبة الثالثة عربيًا والثامنة عالميًا بمتوسط 71%. وفي الترتيب الرابع عربيًا جاء العراق بنسبة 69%، في حين تشاركت كل من السودان وقطر المرتبة الخامسة عربيًا بنسبة بلغت 67% لكل منهما.
تشير البيانات أن الدول ذات الدخل المتوسط أو حتى المنخفض سجلت نسبًا أعلى في هذا المؤشر مقارنة بالدول الغنية، وهو ما يعني أن مساعدة الغرباء لا يقتصر فقد على مواطني الدول ذات الدخل المرتفع، كذلك الدول الأكثر استقرارا من حيث الوضع الأمني والسياسي ليست بالضرورة هي التي يقدم مواطنوها مساعدة للغرباء، حيث رغم ما تعانيه كل من ليبيا، العراق، السودان من ظروف اقتصادية وسياسية صعبة إلا أنها جاء في الترتيب الأعلى عالمياً.
يُجسد مؤشر مساعدة الغرباء مدى التكافل الإنساني والتضامن الاجتماعي، حيث يعكس استعداد الأفراد لممارسة العطاء في صورته الأكثر تلقائية وبساطة. فبينما يرتبط التبرع بالمال أو التطوع في المؤسسات الرسمية بالقدرة الاقتصادية والتنظيم المؤسسي، فإن مساعدة الغرباء تُعبر عن قيم إنسانية أصيلة كالثقة، والرحمة، والإحساس بالآخر. ولهذا يعتبر المؤشر من أكثر الأبعاد تعبيرًا عن طبيعة النسيج الاجتماعي ومدى ترابطه.
شهدت قائمة الدول العشرين الأعلى عالميًا في مؤشر مساعدة الغرباء حضوراً لافتا للدول الأفريقية، حيث تضمنت تلك القائمة 12 دولة أفريقية وهم ليبيريا، ليبيا، سيراليون، غامبيا، كينيا، نيجيريا، الصومال، زامبيا، أوغندا، السودان، إيسواتيني والكاميرون، ويكشف هذا التواجد المكثف عن قوة الروابط الاجتماعية والتكافلية في القارة الإفريقية، حيث يشكل التضامن الإنساني جزءًا أصيلاً من الثقافة المجتمعية التي تقوم على مساعدة المحتاجين وتقديم العون للغرباء. كما يعكس هذا الوضع خصوصية التجربة الإفريقية التي، رغم ما تعانيه من تحديات اقتصادية عميقة وصراعات سياسية وأمنية، تُظهر مستويات مرتفعة من العطاء المجتمعي المباشر، الأمر الذي يميزها عن كثير من الدول ذات الاقتصادات المتقدمة التي تعتمد بدرجة أكبر على أنظمة الرعاية المؤسسية.
في المقابل تذيلت دول أوروبا الشرقية والوسطى الترتيب العالمي في مساعدة الغرباء وعلى وجه الخصوص (بولندا، التشيك، روسيا، لاتفيا، سلوفاكيا، ليتوانيا، الجبل الأسود، صربيا، كرواتيا، بيلاروسيا)، حيث تراوح متوسط نسبة المواطنين الذين قدموا مساعدة للغرباء بين 32% و40% من إجمالي مواطنيها، وربما يعود ذلك إلى الخلفية التاريخية والسياسية لتلك الدول، إذ أدى الإرث الطويل من النظم السلطوية والبيروقراطية الصارمة إلى إضعاف شبكات الثقة الاجتماعية، وزيادة النزعة الفردية، ما انعكس على انخفاض مستوى التضامن المجتمعي وتقديم المساعدة للغرباء.
ومن الملفت كذلك وجود دول آسيوية كبرى في قائمة أقل 20 دولة في العالم في مساعدة الغرباء مثل الصين التي جاءت في الترتيب 155 عالمياً من بين 166 دولة، والتي قدم ما متوسطه (37%) فقط من مواطنيها مساعدة للغرباء، وكمبوديا (26%) التي جاءت في الترتيب 165 عالمياً فقط، واليابان التي أتت في الترتيب قبل الأخير عالمياً والتي اضطلع ما متوسطه(24%) من مواطنيها بتقديم مساعدة للغرباء، ولعل هذه المجتمعات تسود قيم الاعتماد على الأسرة أو الجماعة المحلية، بينما تقل الممارسات التي تدفع الأفراد إلى مد يد العون لغير المنتمين إلى دوائرهم القريبة.
كذلك تضمنت هذه القائمة دول غربية متقدمة مثل فرنسا التي قدم (36%) فقط من مواطنيها مساعدة للغرباء لتأتي في الترتيب 157 عالمياً، ولوكسمبورغ بما متوسطه (41%)، ما يدل على أن مستوى الرفاه الاقتصادي لا يشكل شرطًا كافيًا لارتفاع معدلات العطاء الفردي. ففي هذه الدول، يميل المواطنون إلى الاعتماد على الدولة ومؤسساتها الرسمية في تقديم الحماية والرعاية الاجتماعية، مما يقلل من الحاجة إلى المبادرات الفردية لمساعدة الغرباء.

تُظهر نتائج مؤشر مساعدة الغرباء خصوصية واضحة للدول العربية، حيث يعكس ارتفاع نسب العطاء الفردي رسوخ البعد الثقافي والديني في تشكيل السلوك الاجتماعي، فالقيم الإسلامية والعربية التقليدية التي تركز على الإيثار والكرم وإغاثة المحتاج، تجعل من مساعدة الغريب واجبًا أخلاقيًا أكثر منه خيارًا شخصيًا، كما أن البنية الاجتماعية القائمة على شبكات القرابة والعلاقات القبلية تسهم في توسيع نطاق الثقة الاجتماعية بما يتجاوز دائرة الأسرة إلى نطاق المجتمع الأوسع، وهو ما يفسر حضور عدة دول عربية ضمن قائمة الأعلى عالميًا رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المنطقة.
أما في أفريقيا، فتبرز الخصوصية في كون التضامن المجتمعي يمثل عنصرًا جوهريًا للبقاء والتكيف في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وضعف في البنى المؤسسية الرسمية، فالثقافات الأفريقية التقليدية تجعل من التعاون ومساعدة الغريب آلية لتعويض قصور الدولة وتوفير الدعم المتبادل بين الأفراد. ويؤكد ذلك أن العطاء في المجتمعات الأفريقية ليس مجرد فعل إنساني طوعي، بل هو ضرورة حياتية تفرضها طبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

وبالمقارنة مع أوروبا وشرق آسيا، يتضح أن خصوصية العالمين العربي والأفريقي تكمن في أن العطاء لا يرتبط بمستوى الرفاه الاقتصادي، بل يتحدد أساسًا وفق العوامل الثقافية والاجتماعية، ففي حين تميل المجتمعات الغربية والآسيوية إلى الاعتماد على مؤسسات الدولة الرسمية، ما يقلل من معدلات المبادرات الفردية لمساعدة الغرباء، تحتفظ المجتمعات العربية والأفريقية بمعدلات مرتفعة من التضامن الأهلي، تجعلها في موقع متميز على المستوى العالمي في هذا المؤشر.