خلال السنوات الأخيرة، فقد نموذج الترجمة التقليدي ـــ القائم كلية على المترجمين البشريين ـــ مكانته كلاعب مُهيمن ورئيس في صناعة الترجمة، بعدما تمكن نموذج الترجمة الآلية بمختلف أشكالها ومستوياتها، من فرض وجوده بقوة وسرعة وعلى نطاق واسع، وشكّل لنفسه سوقا بلغ حجمها 650 مليون دولار العام الماضي 2020، يتوقع أن تقفز الي 983 مليون دولار العام المقبل 2022، ثم إلي 3 مليارات دولار بحلول عام 2027.
أبسط تعريف للترجمة الآلية هي ترجمة لنص من اللغة المصدر إلى اللغة المستهدفة باستخدام أو بمساعدة أدوات وتقنيات الحاسب أو الأجهزة الالكترونية وبرمجياتها ونظمها، سواء على الأجهزة مباشرة أو عبر الإنترنت.
لا تتخذ الترجمة الآلية شكلا أو نمطا واحدا، فمن حيث المستوي، هناك الترجمة شبه الآلية، والتي يقوم فيها المترجم بالاستعانة ببرمجيات ونظم تسرع من عملية الترجمة، وتقلل الجهد المبذول فيها من قبل المترجم، ويطلق عليها أدوات الترجمة بمساعدة الحاسب، وهناك الترجمة الآلية الكاملة، التي تقوم فيها الأدوات التقنية بالترجمة دون تدخل بشري.
ومن حيث الأنماط التقنية المستخدمة، هناك الترجمة الآلية الإحصائية والترجمة الآلية القائمة على القواعد، والترجمة الآلية العصبية، والترجمة الآلية الهجينة، ومن حيث المكان، هناك الترجمة الآلية القائمة على البرمجيات في مقر العمل، والترجمة الآلية السحابية، التي تتم عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة، ومن حيث التخصص هناك الترجمة الآلية لأعمال التجارة الالكترونية، والالكترونيات والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والسيارات وغيرها.
ووفقا للبيانات الأولية الخاصة بواقع الترجمة الآلية حاليا، والواردة بالملف الإحصائي الخاص بصناعة الترجمة عالميا والذي أعدته وتحدثه دوريا شركة ريدوكون المتخصصة في بحوث صناعة الترجمة https://redokun.com، فمن المتوقع أن يصل حجم سوق الترجمة الآلية العالمية إلى 983.3 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2022 ، حيث أظهرت التحليلات أن هذه السوق ستنمو بمعدل سنوي مركب بنسبة %14.6 خلال الفترة من 2019 الي 2022، وإذا ما استمر النمو عند هذا المستوي فسوف يبلغ حجم السوق 3 مليارات دولار في عام 2027، وعلى المستوي القطاعي، سوف تبلغ سوق الترجمة الآلية 140 مليون دولار في صناعة السيارات بحلول عام 2022، ومن حيث التقنيات والأدوات المستخدمة، ستكون الترجمة الآلية الإحصائية مسئولة عن %65.5 من إجمالي إيرادات سوق الترجمة الآلية، ومن حيث الفعالية والأداء تبين أن أفضل جهة تقوم بالترجمة الآلية من حيث التشابه مع الترجمة البشرية هي ترجمة الأدوات والتقنيات التي تستخدمها خدمة ترجمة شركة أمازون، ومن حيث التغيير الذي ستحدثه في آليات وديناميكيات صناعة الترجمة عموما، فإن أجور المبرمجين البشريين ستنخفض بما يتراوح بين %50 و%70 من أسعار الخدمات التقليدية العادية، لخدمات ما بعد التحرير.
ومن حيث جودة الترجمة، تبين أن أفضل جودة للترجمة الآلية تتحقق في المحتوى المتعلق ببرمجيات الحاسب والخدمات القانونية والاتصالات، والمحتوي الذي يعصب الحصول عليه بشكل صحيح من الترجمة الآلية، يكون في مجال الخدمات المهنية والتجارية والمبيعات والتسويق، وبالنسبة لترجمات جوجل الآلية ـ الأوسع انتشارا على الإطلاق ـ وجد أن أعلى مستوي دقة يتحقق عند النقل من اللغة الاسبانية حيث تصل الدقة الي %94، تليها لغة التاجالوج %90 ثم اللغة الكورية %82، كما تبين أن الترجمة البشرية لنفس النص أطول من الترجمة الآلية.
وفيما يتعلق بموقف المترجمين المحترفين من أدوات الترجمة الآلية، تبين أن %88 من المترجمين المحترفين المتفرغين يستخدمون على الأقل أداة واحدة من أدوات الترجمة بمساعدة الحاسب، و%76 منهم يستخدمون أكثر من أداة، ومجالات الترجمة التي تستخدم فيها هذه الأدوات بأكثر من غيرها هي التقنية والهندسة بنسبة %34، والأعمال التجارية %15، والتسويق %12، أما المترجمون الذين لا يستخدمون برامج للترجمة بمساعدة الحاسب فيتركزون بالأساس في مجالات القانون وبراءات الاختراع %22، والفن والأدب %14، وفي كل الأحوال يري المبرمجون الذين يستخدمون أدوات الترجمة بمساعدة الحاسب أن هذه الأدوات تعزز انتاجيتهم بنسبة %30 على الأقل، وأن أهم ميزه يبحثون عنها هي سهولة الاستخدام، وفيما يتعلق بالتكاليف، قال المترجمون أن استخدام البرنامج المناسب للمساعدة في الترجمة يمكن أن يخفض تكاليف الترجمة بنسبة 90.
ومن حيث أدوات الترجمة المستخدمة، تعد خدمات الترجمة التي تقدمها شركة جوجل، من أبرز خدمات الترجمة الآلية وأوسعها انتشاراً على الإطلاق، سواء الخدمة المقدمة عبر الانترنت ويمكن تشغيلها من الحاسبات المكتبية والمحمولة واللوحية، او خدمة الترجمة من خلال تطبيق «ترجمة» الذي يعمل على الهواتف المحمولة والحاسبات اللوحية بالأساس، وفي هذا السياق أعلنت جوجل عبر مدونتها الرسمية أن عدد من قاموا بتنزيل وتثبيت وتشغيل تطبيق «ترجمة» قد تجاوز مليار شخص خلال مارس الماضي، كما أن عمليات وطلبات الترجمة التي يقوم بها التطبيق قد تجاوزت المليار طلب يوميا، وقد بلغ تطبيق ترجمة هذه المرحلة المتقدمة في أعداد المستخدمين وعمليات الترجمة اليومية خلال 11 عاما فقط، حيث طرح لأول مرة في يناير 2021، وبلغ عدد مستخدميه أكثر من 100 مليون في يناير 2014، ثم تجاوز العدد 300 مليون في نوفمبر 2015، ثم قفز إلي أكثر من 750 مليون في يونيو 2019، ثم إلي أكثر من 850 مليون في فبراير 2020، ليكسر حاجز المليار من حيث عدد المستخدمين وعدد طلبات الترجمة اليومية في مارس 2021.
وتتفق العديد من الدراسات المتخصصة في متابعة حالة الأسواق العالمية، ومن بينها دراسة مؤسسة جلوبال ماركت انسايت Global Market Insights، على أن الترجمة الآلية آخذه في الانتشار بمعدلات متسارعة، تغير من هيكلية وآليات صناعة الترجمة وديناميكيتها على نطاق واسع، وتقف ستة عوامل وراء هذه الظاهرة، الأول الطلب السريع والمتزايد على توطين استراتيجيات التسويق والمحتوى بين الشركات، والثاني تزايد الحاجة إلى خدمات الترجمة الآلية لتسهيل الاتصال بين المنظمات التجارية، والثالث قلة تكلفة الترجمة الآلية عالية السرعة، مع فعاليتها المقبولة، والرابع النتائج الواعدة والمبهرة في كثير من الأحيان للتوسع في الاعتماد على الترجمة المستندة للذكاء الاصطناعي، خاصة بأمريكا الشمالية وأوروبا، والخامس الفعالية الفائقة والسرعة والسهولة التي قدمتها خدمات الترجمة الآلية السحابية، والسادس الانتشار السريع للأجهزة الذكية المحمولة باليد، المزودة بقدرات تمكنها من تشغيل تطبيقات الترجمة القوية، وبصفة خاصة الهواتف الذكية والحاسبات اللوحية.
وترسم البيانات نظرة متفائلة لمستقبل الترجمة الآلية خلال السنوات المقبلة، فعلي سبيل المثال يتوقع أن تشهد سوق الترجمة الآلية العصبية في الولايات المتحدة نموا سنويا مركبا قدره %20 حتي عام 2027، ومن المتوقع أن يسجل قطاع الترجمة الآلية القائمة على السحابة في الصين معدل نمو يزيد على %33 خلال الفترة من 2021 إلى 2027، ويتوقع أيضا أن تشهد سوق الترجمة الآلية للتجارة الالكترونية ببريطانيا نموا يزيد على %27 حتي عام 2027، حيث يجبر النمو المتسارع في قطاع التجارة الإلكترونية الشركات على الاستثمار في برامج الترجمة الآلية المتقدمة لتحسين تجربة التسوق للعملاء وزيادة المبيعات، كما يتوقع زيادة مماثلة في الترجمة الآلية بقطاع السيارات في أوروبا، حيث تستثمر شركات السيارات الكبرى مثل فولكس فاجن وبي ام دبليو ومرسيدس في تكنولوجيا الترجمة الآلية للوصول الي أسواق أوسع، حيث تمكن هذه التقنية الشركات من ترجمة المستندات الفنية واتصالات الشركات ومواد التدريب بالفيديو إلى اللغة الأم. بسرعة وكفاءة وتكلفة منخفضة، وبجودة تتيح الاستغناء عن البشر.