686 مليون عربي في عام ٢٠١٥ .. تساؤلات لا تنتهي

دكتور.سليمان عبد المنعم

في الوقت الذي يبلغ فيه حالياً سكان الدول العربية 374 مليون نسمة وفقاً لتقدير عام 2015 لشعبة السكان بالأمم المتحدة (إذ يبدو أن هناك تقديرات أخرى متفاوتة قليلاً) فالمتوقع أن يصل هذا العدد إلى 686 مليون نسمة بحلول العام 2050. دولة عربية مثل اليمن سيقفز عدد سكانها ثلاثة أضعاف تقريباً ليصبح 74 مليون نسمة بدلاً من 27 مليون نسمة حالياً. وسيصل عدد سكان السودان في 2050 إلى 80 مليون نسمة بدلاً من 40 مليون حالياً. وسيصل عدد سكان العراق البالغ حالياً 36 مليون نسمة إلى 84 مليون نسمة. والصومال الفقير المنهك سيبلغ عدد سكانه 27 مليون نسمة بدلاً من 11 مليون نسمة حالياً. ويتوقع أن يصل عدد سكان سوريا الجريحة إلى 35 مليون نسمة بدلاً من 19 مليون حالياً. يحار المرء كيف يمكن لدول ذات موارد محدودة أو قابلة للنضوب تحتل مواقع جيوسياسية دقيقة مثل اليمن والصومال والسودان والعراق ومصر وسوريا أن تتحمّل هذه الزيادات السكانية المستقبلية وهي التي تنوء منذ الآن وبنصف عدد سكانها المتوقع بعد ثلاثة عقود بأثقال اقتصادية ومعيشية واجتماعية شتى. ستشهد دول الخليج بدورها نسبة نمو سكاني كبير لكن عدد سكانها سيبقى الأقل وسط انفجار التجمعات السكانية العربية الأخرى. فالسعودية الأكبر في دول الخليج سيصل عدد سكانها إلى 46 مليون نسمة بحلول عام 2050 بنسبة نمو قدرها 44%. وسيناهز عدد سكان الإمارات 13 مليون نسمة بنسبة نمو تبلغ 42%.  

تبقى الحالة المصرية ذات فرادة خاصة ومثيرة لتساؤلات مقلقة ليس فقط بحكم زيادة سكانية متوقعة تصل إلى 151 مليون نسمة بنسبة نمو 64% ولكن أيضاً وعلى وجه الخصوص بالنظر إلى الانفجار السكاني الذي يتوقع أن تشهده منطقة حوض النيل ذات الارتباط الوثيق بقضية المياه وسد النهضة الأثيوبي وما سوف ينشأ عن ذلك من تحديات وجودية. هنا نكتشف أن هناك ست دول من حوض النيل ستأتي في عام 2050 ضمن قائمة الخمس وعشرين دولة الأكثر نمواً سكانياً في العالم كله أبرزها الكونغو الديموقراطية بعدد سكان متوقع يصل إلى 195 مليون نسمة في المركز التاسع عالمياً، وأثيوبيا 188 مليون نسمة في المركز العاشر ثم مصر في المركز 12 ، وأوغندا في المركز 18، وكينيا في المركز العشرين. هذا يعني بلغة الأرقام وبلا أي تنظير أنه بحلول عام 2050 سيصبح إجمالي عدد سكان دول حوض النيل 869 مليون نسمة (!) وما زالت مصر حتى اللحظة هي الأفقر من بين دول حوض النيل في نصيب الفرد سنوياً من المياه إذ لا يتجاوز 20 متر مكعب سنوياً، وهو أقل 600 مرة من نصيب الفرد في أثيوبيا، وخمسين مرة من نصيب الفرد في أوغندا. هذا المستقبل السكاني والمائي لمصر يفرضضرورات للتفكير والتخطيط والتدبير لا تقتصر فقط على الاستراتيجيات الحكومية بل تشمل أيضاً ثقافة المجتمع نفسه في عادات وتقاليد استخدامه للمياه.

قضية المياه في ظل مستقبل التضخم السكاني العربي لا تخص مصر فقط برغم جريان نهر النيل على أراضيها بقدر ما تتعلق أيضاً بكل الدول العربية، بل لن تكون المياه وحدها هي التحدي المستقبلي الوحيد إذ سيكون مطلوباً بعد ثلاثين عاماً منذ الآن توفير احتياجات سبعمائة مليون عربي من الغذاء، ومقاعد الدراسة، وأسرة المستشفيات،ووسائل النقل والمواصلات، ومستلزمات الطاقة. هذا الرقم بذاته كفيل بأن يدق كل نواقيس الاستنفار والخطر في الآذان العربية. وإذا كانت كل دولة عربية ستواجه على حدة في عام 2050 تحدياتها ومشكلاتها الخاصة فهذا لا ينفي أن العرب كأمة سيواجهون تحديات إضافية أخرى مشتركة تتعلق بوحدة جغرافيتهم السياسية في ظل المتغيرات والاضطرابات التي تسود المنطقة العربية. 

السؤال هو هل يبدو مستقبل التضخم السكاني العربي حتمية سلبية نذيرة بالشؤم أم أنه يمكن أن يتحوّل من عائق إلى فرصة؟ لدينا في الواقع تجربة حية ماثلة نطالعها ليل نهار تجسدها الصين التي فعلت ما يشبه المعجزة فها هي اليوم لا تملك سوى 7% من مساحة الأراضي الزراعية في العالم وتطعم أكثر من 20% من سكان العالم وتوفر لشعبها خمسة ملايين وجبة غذاء يومياً. والصين التي منذ مائة عام ونيف لم يكن عدد الذين يعرفون حساب التفاضل والتكامل فيها لا يتجاوز عشرة أشخاص هي اليوم الدولة التي أطلقت ثلاث مرات سفينة فضاء مأهولة وأصبحت مصنع العالم كما يقُال. ما زالالعرب قادرين إذن على تحويل معضلتهم السكانية إلى فرصة برغم أن سؤال القدرة لا يكتمل بغير سؤال الإرادة. 

إذا تجاوزنا الحالة العربية فإن تقرير آفاق السكان في العالم يقدم تقديرات مفزعة تخص مستقبل النمو السكاني في المجتمعات الإسلامية. أقول مفزعة لأن أحد الأساطير التي تأسست عليها رؤية “صمويل هينينجتون” في كتابه الشهير عن صدام الحضارات تنطلق من تتبع خط النمو السكاني المتصاعد للعالم الإسلامي مقابل مثيله الغربي الآخذ في انخفاض متواصل على مدى القرنين الأخيرين. العقل الباطن الغربي المهجوس بالنمو السكاني للمجتمعات الإسلامية وهي الظاهرة التي تلامس بشدة الأعصاب السياسية والأمنية في العالم الغربي ستزداد هواجسه ومخاوفه لا سيما في ظل تقاطع النمو السكاني للمسلمين مع تيارات التطرف والإرهاب. هنا تبدو التقديرات لافتة للانتباه ومثيرة لتساؤلات كبرى اقتصادية، وسياسية، وأمنية، واستراتيجية. إذ يبلغ حالياً عددسكان المجتمعات الإسلامية مليار و610 مليون نسمة بحسب تقدير مركز    Pew research Center للأديان والحياة العامة بواشنطون في عام 2010. وبحلول عام 2050 سيقفز عدد سكان المجتمعات الإسلامية ليصل إلى 2 مليار و660 مليون نسمة أي 3 مليار تقريباً بإضافة عدد المسلمين في دول غير إسلامية (يبلغ عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوربي 16 مليون نسمة والهند 217 والصين 23 ). هذا يعني أن يمثل المسلمون أقل قليلاً من ثلث عدد سكان العالم المتوقع بعد ثلاثة عقود من الآن. هذا المشهد يعني أن حالة الإسلاموفوبيا التي تجتاح العالم مرشحة لأن تتصاعد وتتعقّد. وما لم يُبذل جهدٌ كبير ومخلص وعاقل من الجانبين المعنيين بالظاهرة أي من الجانب الإسلامي والجانب الغربي فلا أحد يعرف أي مستقبل مقلق ينتظر الجميع.

والواقع أن اختلاف نسبة النمو السكاني في العالمين العربي والإسلامي من ناحية والعالم الغربي والدول الآسيوية المتقدمة من ناحية أخرى إنما يعكس تفاوتاً في مستويات الوعي وطرائق التفكير وعقلانية التعامل مع القضية السكانية لدى كل من الطرفين. ففي الوقت الذي تعاني فيه معظم المجتمعات العربية والإسلامية من ظروف اقتصادية ومعيشية بالغة الصعوبة فإن نسب النمو السكاني آخذة في التصاعد دون أن تأبه كثيراً بهذا الواقع على نحو ما تؤكده الأرقام السابق ذكرها، وعلى العكس من ذلك فإن المجتمعات الغربية والأسيوية التي تعيش ظروفاً اقتصادية ومعيشية أفضل هي التي سينخفض فيها عدد السكان بحلول عام 2050. ومن المثير للانتباه أن قائمة الأربعين دولة الأكثر انخفاضاً في عدد السكان بعد ثلاثة عقود من الان لا تتضمن من الدول العربية سوى لبنان كما سبق الإشارة أما في المجتمعات الإسلامية فلا نكاد نجد سوى البوسنة والهرسك التي سينخفض عدد سكانها بنسبة 19% خلال الفترة نفسها.