8 جهات قدمت أكثر من 21 تريليون دولار قروضا لدول العالم حتى نهاية 2020

عند محاولة التعرف على الجهات والأطراف الدائنة على مدار فترة الرصد الممتدة من 1970 إلي 2020، سنجد أن الديون الخارجية العالمية التي تجاوزت قيمتها  أكثر من 21 تريليون و298 مليار دولار في العام 2020، قد قدمتها ثماني جهات دائنة، هم (البنك الدولي، المؤسسة الدولية للتنمية، البنوك التجارية، الدائنون الرسميون، دائنوا القطاع الخاص، صندوق النقد الدولي، مؤسسة التمويل الدولية، دائنو سندات)، لتكون هذه القيمة هي الأكبر على الإطلاق مقارنة بالعقود الستة المُنصرمة، حيث لم يتجاوز حجمها 10 تريليونات دولار بنهاية 2010. وفي عام 2000 بلغ إجماليها 6 تريليونات و174 مليار دولار. في المقابل لم تكن القروض بهذا الحجم الكبير في العقود الثلاثة التي سبقتها، والتي كان مقدارها 195 مليار دولار فقط في عام 1970، غير أنها نمت إلى تريليون و610 مليار دولار بنهاية عام 1980، ثم تجاوز حجمها 4 تريليونات دولار بنهاية عام 1990.

وما بين عامي 2010 و 2020، زاد حجم القروض من الجهات الثمانية المذكورة بأكثر من الضعف، وهي ليست المرة الوحيدة التي يتضاعف فيها حجم القروض وإنما زادت بأكثر من مرتين ونصف في العقد الثاني من الفترة الزمنية محل الرصد أي ما بين 1980 و1990، إلا أن أكبر زيادة تحققت في قيمة القروض التي تمنحها هذه المؤسسات كانت في العقد الأول حيث نَمَت بأكثر من 8 مرات في 10 سنوات فقط. كما هو موضح بالجدول رقم(1)، ما ينهض دليلا على أن حجم القروض لم ينكمش أبداً في ستين عاماً مُتصلة، بل ظلّ يضطرد إيجابياً باستمرار من عام لآخر ومن عقد لآخر، وهو مؤشر خطير نحو تفاقم مضطرد في حجم الدين الخارجي للدول يبعث على القلق.

ولعلّ التساؤل الجدير بالطرح هو؛ ما هي نسبة القروض التي ساهمت بها كل مؤسسة أو جهة من الجهات الثمانية؟ وهل تغيرت النسبة التي ساهمت بها هذه الجهات عبر الستين سنة محل الرصد؟

في الإجابة على التساؤل الأول، جاء الدائنون الرسميون في المرتبة الأولي بين الجهات الثمانية المانحة للقروض عالمياُ، إذ بلغ متوسط ما منحوه نحو 35.6 % من إجمالي القروض في الستين عاماً محل الرصد، ويرجع استحواذ هؤلاء الدائنون على نسبة المساهمة الأكبر من القروض الممنوحة إلى مرونة النظام القانوني لهم، والذي يعتمد على مجموعة من المبادئ العامة التي تعطي لهم انسيابية ومرونة كبيرة في مساعدة الدول المدينة حسب احتياجاتها باتفاقيات مستقلة وبضمانات مغايرة وبشروط قابلة للتنفيذ وليست تعجيزية، من ثم لا يوجد في نظامهم القانوني قواعد أو تشريعات صارمة متشددة كما في صندوق النقد الدولي على سبيل المثال. وتُلقّب هذه المجموعة من الدائنين بنادي باريس الذي أصبح مكوناً من 20 دولة هي أكبر اقتصادات العالم بعد انضمام إسرائيل له في 2014.

 ساهم الدائنون من القطاع الخاص بما متوسطه 32.04 % من إجمالي القروض الممنوحة من الجهات الثمانية في الفترة الزمنية ذاتها، ليحتلوا بذلك المرتبة الثانية من حيث حجم القروض الممنوحة حسب المؤسسة بعد الدائنين الرسميين، وبحسب الأمم المتحدة فالدائنين من القطاع الخاص هم الذين لا يندرجون في عداد الحكومات ولا هيئات القطاع العام. وهم يشملون حائزو السندات من القطاع الخاص، وبنوك القطاع الخاص، والمؤسسات المالية الخاصة الأخرى، والصناعيين والمصدرين وغيرهم من موردي السلع ممن يكون لهم مطالبات مالية.

وفي المرتبة الثالثة جاءت البنوك التجارية بنسبة مساهمة بلغ متوسطها 16.66 % في الستين عاماً. أما النسبة المتبقية في حجم القروض الممنوحة تشارك فيها باقي المؤسسات والجهات لا سيما المؤسسة الدولية للتنمية، ودائنو السندات، غير أن مؤسسة التمويل الدولية تذيلت القائمة بمساهمة متواضعة لم تتجاوز 0.01 % وفي العقد الأخير من فترة الرصد فقط.

وخلاف المتصور لم يكن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما أكبر مانحين للقروض، إذ تشير البيانات أن صندوق النقد الدولي قد ساهم بنسبة تتراوح بين حد أدنى هو 0.71 % وحد أقصى هو 2.57 % من إجمالي القروض التي منحتها الجهات الثمانية في العقود الستة محل الرصد، أما البنك الدولي فقد منح ما نسبته 0.96 % من إجمالي القروض في العقد الأخير وهي أقل نسبة ساهم بها في المقابل منح 2.08 % كأكبر قيمه له في العقد الأول من الفترة الزمنية ذاتها. من ثم يكون متوسط ما ساهم به صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مجتمعان هو 2.98 % في ستين عاماً.

في الإجابة على التساؤل الثاني الخاص بالتغيّر الذي حدث فى حصص أو مساهمة كل جهة دائنة عبر فترة الرصد المشار إليها، نجد أنها لم تكن تسير بوتيرة واحدة وإنما اعتراها كثير من التقلبات، فالدائنين الرسميين ساهموا في العقد الأول بأكثر من 55 % من إجمالي القروض وتقاسم الجهات السبعة الأخريات نسبة تقل عن 45 %، هذه البداية القوية لم تلبث كثيرا إذ انكمشت في العقد الثاني لتمنح قروضا بنسبة 31.6 %، إلا أن أقصى تراجع لنسبة القروض التي تمنحها هؤلاء الدائنون كانت في العقد الأخير بما مقداره 20.5 % فقط من إجمالي حصص الجهات الدائنة الثمانية.

تذبذبت كذلك حصة دائنوا القطاع الخاص عبر العقود الستة محل الرصد، فبعد أن ساهموا بما نسبة 26.8 % في عام 1970 زادت حصتهم بشكل ملحوظ بنهاية عام 1980 لتبلغ 39.9 % وهي الحصة الأكبر على الإطلاق، لحقها 3 انكماشات متتالية في الأعوام 2010،2000،1990 لتهبط تدريجيا على التوالي من 36.5 % إلى 28.9 % ثم 26.9 % قبل أن تعاود مرتفعة مرة أخرى بنهاية 2020 لتبلغ 33.6 % من إجمالي حصص هذه القروض.

أسهمت البنوك التجارية هي الأخرى بنسب لم تكن بالقليلة مقارنة بالجهات والمؤسسات المانحة الأخرى، مما يعني أنها أضحت المصدر الذي يحتل المرتبة الثالثة للدول المتلقية للقروض، إذ تراوحت الحصص التي شاركت بها ما بين 23.89 % بنهاية العقد الثاني في 1980 وهي أعلى نسبة لها عبر الستين عاماً، و11.94 % بنهاية العقد الرابع عام 2000.

اللافت للإنتباه كذلك هو التطور الملحوظ في زيادة حصص القروض التي منحها دائنو السندات في العقود الأربعة الأخيرة، فبعد أن استحوذت على 2.3 % فقط من إجمالي القروض الممنوحة من الجهات الثمانية بنهاية عام 1970، و2.2% بنهاية 1980، ظلّت في ارتفاع مضطرد لتبلغ 6.4 بنهاية 1990، ثم 17.08 % بنهاية 2000، وفي العقدين الأخيرين قفزت إلي 18.5 % ثم 28.5 % توالياً.

أخيراً بالقدر التي تساعد به الجهات الثمانية معظم دول العالم في أن ترقي بوضعها الاقتصادي من خلال القروض التي تمنحها إلا أنه حال تفاقمها فإنها تُدخِل الدول في دوامة من الديون يصعب وربما يستحيل أحياناً النجاة فيها من الغرق.