تقدم العديد من فرق التحليل الاقتصادي الاستراتيجي نظرة متفائلة حول الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد، سواء بالنسبة لمعدل النمو السنوي في الاقتصاد العالمي ككل والذي يتوقعون أن يكون في حدود %4.1 كمتوسط عام، أو حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، الذي يتوقعون أن ينمو بمعدل يبلغ %6.4، مقابل تراجع في معدل التضخم يبلغ %0.2، مع توقعات متفائلة لعائدات الأسهم والسندات، والإبطاء من معدل البطالة.
أبرز فرق التحليل الاقتصادي الاستراتيجي التي قدمت هذه النطرة المتفائلة، قبيل العام الجديد، كانت فريق المحللين الاستراتيجيين في بنك « كريدى سويس»، الذي يعد واحد من البنوك الكبري عالميا، وفريق المحللين الاستراتيجيين مجموعة «مورجان ستانلي» الاقتصادية العملاقة، وتسند الأرقام الواردة في هذه النظرة المتفائلة، إلي نموذج التراجع والتعافي، في الأداء الاقتصادي العالمي، الذي تزامن منع وباء كورونا، واتخذ شكل حرف « V «، أو الهبوط السريع لأدني نقطة، ثم التحرك منها سريعا، وخلال فترة وجيزة، والانطلاق نحو الصعود والتعافي السريع أيضا، وصولا الي أعلي نقطة كانت قائمة عند بداية الهبوط.
بحسب هذا النموذج فإن بداية الهبوط السريع في الأداء حدثت نهاية فبراير 2020، وتسارعت وتيرتها حتي بلغت أدني نقطة لها في يوليو واغسطس، ثم ما لبث الأداء في التحسن بعدها، وبحسب التوقعات فإنه الأداء الاقتصادي سيبلغ النقطة التي كان عليها قبل الهبوط في الربع الثاني وربما في منتصف 2021، ليواصل بعده الاستقرار ثم النمو، ليكون اقتصاد 2021 متفوقا في مجمله على اقتصاد 2020.
بصورة أكثر تفصيلا، يتوقع فريق محللي «كريدي سويس» أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة %4.1 في عام 2021، حيث سيستمر الطلب في التعافي بعد الركود في عام 2020. ومع بقاء أسعار الفائدة عند مستوى الصفر أو دونه في جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية ، يفترض أن توفر أسواق الأسهم عوائد جذابة، وفي الدخل الثابت، ستكون العائدات على السندات الحكومية الأساسية هزيلة في أحسن الأحوال، بينما يوفر التعرض الائتماني فرصًا لتعزيز العوائد.
من ناحية أخري، فإن تعرض الأجور للضغط والتراجع، سيعمل على جعل التضخم ضعيفا، والمتوقع أن تكون معدلات التضخم العالمية في حدود %2.3 خلال عام 2021، وهو أقل من المستوي الذي كان سائدا قبل اندلاع الوباء، والذي سجل %2.5، ما يعني أن الانخفاض المتوقع في التضخم عالميا سيكون في حدود %0.2 في المتوسط، وإن كانت الأمور ستختلف بالطبع من مكان لآخر، ففي الولايات المتحدة، يتوقع أن يكون التضخم بنسبة %2، مقابل %1 في منطقة اليورو، و%2.5 في الصين، وتعني أرقام التضخم المنخفضة هذه أن البنوك المركزية لن تكون في عجلة من أمرها لرفع أسعار الفائدة، وستستمر في تطبيق أسعار فائدة تصل إلي الصفر أو ما دون الصفر في بعض الفترات من العام.
تشير توقعات فريق «كريدي سويس» إلي أن الأمور لن تكون وردية على طول الخط، إذ من المرجح أن يتضخم عجز الميزانية والدين العام. وقد يؤدي ذلم إلي حالة من عدم استقرار المالية العامة، خاصة إذا كانت البنوك المركزية غير فعالة أو غير نشطة في الاستجابة لضغوط التضخم المستقبلية، أو إذا بدأت في السماح للمخاوف بشأن خدمة الدين الحكومي بالتأثير على قراراتها بشأن أسعار الفائدة.
لم تختلف نظرة فريق مورجان ستانلي في صورتها العامة، وإن كان يتبني النموذج « V « بصورة أوضح وأوسع، واستنادا إليه، يتوقع الفريق أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة %6.3 كمتوسط عام خلال عام 2021، عكس معظم التحليلات والتوقعات الأخرى، التي تري أن النمو سيبلغ %5.4 كحد أقصي، وبصورة تفصيلية، يتوقع المحللون أن يبلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة %5.9 خلال 2021، وفي أوروبا ، من المتوقع أن يستأنف النمو مع إعادة فتح الاقتصادات ليبلغ %5، ومع الدعم المستمر للسياسات، يجب أن يتحول الانتعاش الأولي إلى انتعاش قوي، أحد الاستثناءات الملحوظة هو المملكة المتحدة ، حيث يمكن أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى إبطاء وتيرة التعافي، وفي الأسواق النامية والناشئة، يتوقع أن يصل النمو في الناتج المحلي الإجمالي إلي %7.4 كمتوسط عام، ويرتفع في الهند إلي %9.8، أما الصين ـ وهي أول دولة فرضت إغلاقًا لفيروس كوفيد- 19 ـ فاستعادت قوتها سريعًا مع عودة الاستهلاك، ويتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة %9 في عام 2021 ، قبل أن يتراجع نحو %5.4 في عام 2022.
في مجال أسواق المال، والأسهم والسندات، يتوقع المحللون الاستراتيجيون في مورجان ستانلي نموًا في الأرباح خلال 2021 بنسبة %25 إلى %30 عبر أسواق الأسهم الرئيسية وانخفاضات كبيرة في الرافعة المالية للشركات، وهي عوامل رئيسية في دعوتهم إلى زيادة ثقل الأسهم والائتمان مقابل السندات الحكومية والنقد ، جنبًا إلى جنب مع ضعف الدولار الأمريكي.
ويراهن فريق مورجان ستانلي على دقة توقعاته، ويستند في ذلك إلى عدة عوامل، في مقدمتها النمو العالمي المتزامن، الذي تنتعش فيه الأسواق الناشئة والنامية، بصورة متزامنة مع انتعاش الأسواق المتقدمة، وهي حالة يقول فريق مورجان ستانلي أنها حدثت اثنتي عشرة مرة على مدار الأربعين عامًا الماضية، آخرها في عام 2017، ويتوقع الفريق أن الطريق ممهد لحدوث مزامنة من هذا القبيل ستحدث في الربع الثاني من 2021، ومن المرجح أن تدفع الأسواق الناشئة نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
من جانبهم قدم محللو مؤسسة « فان جارد» لبحوث واستشارات أسواق المال، تحليلا خاصا بحالة أسواق المال في 2021، انتهي إلي أن عائدات الأسهم العالمية ستكون في حدود %5 الي %7 خلال العام الجديد، وربما تمتد هذه النسبة كمتوسط عام خلال العقد المقبل بأكمله، ومن المتوقع أن تستمر الأسهم العالمية في التفوق على معظم الاستثمارات الأخرى ومعدل التضخم.
لكن الصورة تبدو اكثر تحفظا في أسواق الأسهم الأمريكية، حيث ستتراوح العائدات بين %3.5 و%6، وهو معدل أقل من المعدل العالمي، وإن كان يتوقع أيضا أن تحقق أجزاء من سوق الأسهم الأمريكية، بما في ذلك القطاعات الموجهة نحو القيمة ، عوائد أعلى إلى حد ما بعد فترة ممتدة من الأداء الضعيف بشكل كبيرن وبالنسبة للأسهم غير الأمريكية ، قد يرى المستثمرون عوائد أقوى، في نطاق يتراوح بين 7 -9% ، بسبب تقييمات الأسهم الأكثر منطقية.
وفيما يتعلق بأسعار الفائدة، فيتوقع محللو « فان جارد» أن تظل منخفضة على مستوى العالم، على الرغم من التوقعات البناءة لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي والتضخم مع تقدم عام 2021، كما تتوقع « فان جارد « أن تحقق محافظ السندات، من جميع الأنواع وآجال الاستحقاق ، عوائد قريبة من مستويات عوائدها الحالية. مع بداية عام 2021.