تُقدر سِعَة المياه المُحلاة عالمياً بـ 36 مليار و500 مليون م3 سنويا في 2019، أي بمعدل 100 مليون م3يومياً، تضخها 20 ألف محطة على مستوى العالم بحسب دليل الأمن المائي الأخير الصادر عن المؤسسة الدولية للتنمية ” IDA Water Security Handbook 2019-2020″. ثمّة ثلاثة محاور مهمة تدور حول هذا الموضوع، أولهاً: نصيب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هذه الكمية من المياه المحلاة عالمياً، ثانياً: الأغراض الأخرى غير الشُرب للمياة المحلاة والتي تمثل 50% منها، ثالثا: مدى تأثّر القيمة السوقية لمحطات تحلية المياة بتنامي الطلب عليها عالمياً؟
47.5% نصيب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حجم المياه المُحلاة عالمياً
تستحوذ دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على 47.5% من إجمالي المياه المحلاة التي يتم انتاجها عالمياً، تليها في الترتيب شرق آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 18.4%، وفي الترتيب الثالث جاءت أمريكا الشمالية بنسبة 11.9%، أما منطقة غرب أوروبا استحوذت على 9.2%، وتوزعت النسبة المتبقية وهي 13% على الأربع مناطق جغرافية الأخرى، ليكون نصيب أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي 5.7% ومنطقة جنوب آسيا 3.1% وشرق أوروبا وآسيا الوسطى 2.4% و1.9% من نصيب جنوب صحراء إفريقيا وهي النسبة الأقل بحسب دليل الأمن المائي 2019-2020 كما هو موضح بالشكل رقم(1).
الشكل رقم(1)
يرجع النمو في انتاج المياه المحلاة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والذي يصل إلى ضعف ما يتم انتاجه في العالم بأسره، إلى عدة عوامل أهمها أن تلك المنطقة هي الأكثر معاناة في الحصول على المياه العذبة بسبب طبيعتها الجغرافية بحسب تصنيف معهد الموارد العالمية للإجهاد المائي ومنصة (Our world in data)، وتقع 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائي منها 14 دولة تعاني شحاً حقيقياً في المياه لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، ومعدل خط الفقر المائي هو 1000 متر مكعب لكل فرد في السنة بحسب بيانات الأمم المتحدة. ولعلّ ما يؤكد ذلك امتلاك المملكة العربية السعودية لثلاث أكبر محطات تحلية مياه في العالم بالإضافة إلى 45 محطة تحلية أخرى تنتج أكثر من 4 ملايين م3يومياً وهو خُمس الإنتاج العالمي تقريباً، وتضم سلطنة عمان 56 محطة تحلية توفر جميعها حوالي 86% من مياه الشرب في البلاد و14% لأغراض أخرى غير الشرب كالصناعة والزراعة والاستخدامات المنزلية وغيرها. كذلك تستحوذ الإمارات على 266 محطة تحلية تنتج 14% من الإنتاج العالمي، كما دخلت البحرين والكويت وقطر ضمن الدول الأكثر استثمارا في مجال محطات تحلية المياه لتمتلك بذلك دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة أعلى قدرة عالمية لتحلية المياه بنسبة 81% من استهلاكها.
50% من المياه المُحلاة عالمياً تستخدم لغير أغراض الشُرب!!
دفعت ندرة مياه الشرب الطبيعية المتجددة إلى اللجوء لتحلية مياه البحار كبديل أصبح مناسباً وبالأخص من حيث التكلفة، التي باتت في المتناول بفضل التكنولوجيا الحديثة، إذ يؤدي تزايد عدد السكان في جميع أنحاء العالم إلى إجهاد مصادر المياه الطبيعية الموجودة فضلاً عن الظروف البيئية الأخرى التي تسبب الجفاف كالتلوث وإزالة الغابات وغيرها، رغم تلك الضرورة التي تعد أساساً لتحلية المياة إلا أنها لا تنصرف كافة لمياه الشرب وإنما لقطاعات أخرى بنسب متفاوتة.
18 مليار و250 مليون م3 سنويا من المياه المحلاه لا تستخدم لأغراض الشرب وتمثل نسبة 50% من إجمالي المياه المحلاة التي يتم انتاجها عالمياً، وإنما تستخدم لأغراض أخرى كالصناعة والطاقة والري الزراعي وغيرها، يستحوذ قطاع الصناعة منفرداً على 34% تقريباً من تلك الكمية وتستحوذ القطاعات الأخرى على 16% منها كما هو موضح بالشكل رقم(2).
تستهلك منتجات معينة كميات كبيرة من المياه لاسيما المنتجات الورقية التي تستهلك في المتوسط 324 لترا من المياه النقية لإنتاج كيلو جرام واحد من الورق. كذلك الصناعات الحديدية تعد هي الأخرى مستهلك شرِه للمياه، حيث يتطلب إنتاج كيلوجرام واحد من الصلب استخدام 95 لتراً من المياه. لا تقل صناعة الإلكترونيات والمشروبات الغازية أهمية عن الصناعات السابقة والتي تحتاج بطبيعتها لمعدلات مياه كبيرة، حيث يُستخدم 500 لتر من الماء لإنتاج عبوة 2 لتر من المشروبات الغازية!
وإذا كانت مياة الشرب تحتل المرتبة الأولي التي تشغل بال العالم حيث يفتقد 2.1 مليار فرد إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، ويعاني 1 من كل 10 أشخاص في العالم من شح المياه بحسب بيانات الأمم المتحدة، إلا ان المياة المستخدمة في الصناعات تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية لا سيما الأهمية الاقتصادية وهو ما يبرر استخدام 34% من انتاج المياه المحلاة للصناعات المتنوعة.
الشكل رقم(2)
9% زيادة في أسعار مُعدّات التحلية في 7 سنوات
ضآلة تكلفة المياه المُحلاة ألقت بظلالها على أسعار مُعدّات التحلية وكأن هناك تناسباً عكسياً بينهما، وصلت تكلفة المياه المحلاة إلى أدنى مستوياتها في 2019 لتتراوح بين 0.30 إلى 0.40 دولار لكل م3، هذه التكلفة أضحت قليلة مقارنة بعشرين عاما سابقة عليها والتي كانت متوسط تكلفتها 3 دولار لكل م3، إلا ان تطورات تكنولوجيا التصنيع والمعدات الآلية أدت إلى تقليل 80% من الطاقة الكهربائية المستخدمة لإنتاج المياه فانعكس ذلك على انخفاض التكلفة الإجمالية لها لتُقسّم عناصر التكلفة على النحو التالي: التكلفة الثابتة (37%)، العمالة (4%)، استبدال المصفيات(5%)، الصيانة وقطع الغيار(7%)، المواد الاستهلاكية(3%)، الطاقة الكهربائية (44%).
أدّى التزاحم على مُعدات تحلية المياه من ناحية وتطوير تكنولوجيتها من ناحية أخرى، إلى رفع قيمتها السوقية 1.09 مليار دولار في عام واحد لتصل إلى 13.93 مليار دولار في 2020 مقارنة بـ 12.8 مليار دولار في 2019، كما أنه من المتوقع أن تصل القيمة السوقية لتلك المعدات إلى 25.67 مليار دولار بحول 2027 أي في 7 سنوات فقط بحسب تقرير “سوق معدات تحلية المياه 2020”. تضخُم القيمة السوقية لمعدات تحلية المياه جاء نتيجة لعدة تخوفات منها ندرة احتياطات المياه العذبة الطبيعية، وإجهاد مصادر المياه الموجودة، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية للمياه، فضلاً عن تنامي الطلب على المياه المحلاة لاستخدامها في أغراض الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات الأخرى دون أغراض الشرب.
أخيرا إذا كانت تحلية المياه وسيلة بديلة آمنة ومجدية لتأمين المياه اللازمة التي تستخدم في قطاع الصناعات وغيرها من الأغراض الزراعة والتجارة والأعمال المنزلية، إلا أن ذلك لا يعني نقائها من المثالب التي أبرزها التأثير علي الحياة البحرية التي تتشبع بمخلفات التحلية والتي تزيد من ملوحة مياه البحار والمحيطات من ثم تقل قدرتها على الاحتفاظ بالأكسجين مما يشكل خطرًا واضحًا على الحياة البحرية.