83.4 مليار دولار حجم استثمارات الصين في الطاقة البديلة مُقابل 55.5 مليار دولار قيمة ما تستثمره الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن الصين وأمريكا استحوذتا على %63.3 من إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة البديلة والذي بلغ 219.2 مليار دولار في 2019 بحسب تقرير إحصاءات الطاقة المتجددة 2020 (IRENA).
الطاقة البديلة في أبسط تعاريفها، هي الطاقة المستمدة من المصادر الطبيعية، والتي تشكل البديل عن استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي اللذان يُعدّان أولى حلقات التسبب في التوتوات المناخية المعاصرة ،والتي سوف تزداد ضراوة في المستقبل القريب، من خلال انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تضر الغلاف الجوي وتُضِّخم من ظاهرة الاحتباس الحراري. وبخاصة بعد عام الإغلاق بسبب جائحة كورونا الذي دفع الدول الصناعية الكبرى إلى تكثيف الاعتماد على الفحم في التصنيع للقدرة على تلبية حاجات السوق العالمي. غير أن أمريكا والصين تستحوذان على أكثر من 2/3 استهلاك العالم من الفحم بنسبة %69 بينما تشترك دول العالم جميعها في %31 فقط، وتُعد الصين باعتبارها «مصنع العالم» أكبر مُصدر لانبعاثات الكربون عالمياً بسبب توليد الكهرباء التي تعتمد على %70 من انتجاها على الفحم وبالأخص في مجال التصنيع، إذ تستهلك الصين ما مقداره 3.8 مليار طن فحم سنوياً وهو ما يعادل %51 من استهلاك الفحم عالمياً في المقابل تستهلك أمريكا %17.2 بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) لتأتي في المرتبة الثانية عالمياً.
بيد أن المنافسة اشتدت بين الصين وأمريكا للحدّ من الانبعاثات الكربونية والوصول إلى «الحياد الكربوني» وهو التوازن بين كمية الانباعاثات الكربونية التي يُستهدف الحد منها من خلال مصادر الطاقة البديلة، وكمية امتصاص الكربون من خلال التشجير وزيادة الرقعة الزراعية وغيرها. وقد قطعت الصين على نفسها وعداً بالوصول إلى الحياد الكربوني في2060 بينما ستصل إليه الولايات المتحدة الأمريكية في 2050. في سبيل تحقيق ذلك تتبارى الدولتان في تعظيم مخرجات الطاقة البديلة، إلا أن الصين دائماً تأتي في المرتبة الأولي من حيث إنتاج هذا النوع من الطاقة، فإجمالي ما تنتجه الصين من الكهرباء النظيفة مليار و611 ملايين و381 آلاف جيجا وات وهو ما يعادل 3 مرات ما تنتجه الولايات المتحدة الأمريكية الذي بلغ إنتاجها 489 ملايين و607 آلاف جيجاوات في عام 2019 بحسب قاعدة بيانات الطاقة المتجددة 2020(IRENA).ورغم تزعُّم الصين انتاج الكهرباء النظيفة عالمياً إلا أن ما تنتجه من الكهرباء يمثل %30 فقط من إجمالي ما تستهلكه وبالتالي تزال في حاجة لاستخدام الفحم لإنتاج %60 من استهلاكها الإجمالي. بينما يمثل كل إنتاج أمريكا من الكهرباء النظيفة المعتمدة على الطاقة البديلة %12 فقط مما تستهلكه وتعتمد في الباقي وهو نسبة %88 على البترول والغاز الطبيعي بنسبة %69 والطاقة النووية بنسبة %9 والفحم بنسبة %10.
لا يقتصر إنتاج الكهرباء النظيفة سواء في الصين أو أمريكا على مصدر واحد فقط من مصادر الطاقة البديلة، وإنما يتباين حجم الإنتاج بحسب نوع المصدر البديل، حيث تنتج الصين 224 ملايين و541 ألاف جيجا وات من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية وهو ما يعادل أكثر من ضعفي ما تنتجه أمريكا والذي بلغ 97 ملايين و478 آلاف جيجاوات، أما بالنسبة للطاقة الحيوية فالصين تنتج 82 ملايين و250 آلاف جيجا وات بينما تنتج أمريكا 63 ملايين و194 آلاف جيجا وات، أما الطاقة الحرارية فالصين نتنج من خلالها 18 ملايين و364 آلاف جيجا وات في المقابل تنتج أمريكا 14 ملايين و100 آلاف جيجا وات، أما بالنسبة للطاقة الكهرومائية فالصين لا ينافسها أحد حيث تنتج مليار و272 ملايين و540 ألاف جيجا وات، بينما تأتي أمريكا في المركز الرابع عالمياً بعد البرازيل وكندا بمعدل إنتاج بلغ 289 ملايين و799 آلاف جيجا وات في الساعه.
هذه النظرة المتفائلة والتعهدات الحماسية لكلا الدولتين لا تخلو من حذر مبعثه تداعيات أزمة كورونا على قطاع الصناعة الذي انكمش في الدولتين إذ من المرجَّح أن تستهلك محطات الطاقة الأمريكية الفحم بنسبة تزيد %16 هذا العام مقارنةً بعام 2020، لترتفع كذلك بنسبة %3 في عام 2022 بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، كما أن الصين ليس لديها خطط حاسمة قريبة المدى لتقليل الاعتماد على الفحم لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء الذي يعد أحد أهم مرتكزات الصناعة الصينية الذي وصل ناتجه إلى 3.8 تريليون دولار وهو ثلث الناتج الصناعي العالمي. ثمة تخوف آخر قد يُعرقل التزام كلتا الدولتين بالتحول إلى الطاقة البديلة وهو التكلفة الباهظة المدفوعة مُقابل هذا التحول مقارنة بباقي المصادر التقليدية قليلة التكلفة والأكثر فعالية، إلا أن هذا التخوف يتبدد مع مرور الوقت، حيث تُظهر البيانات أن تكاليف توليد الطاقة البديلة آخذة في الإنكماش، مما يزيد معه إنتاج هذا النوع من الطاقة، إذ انخفض المتوسط العالمي لتكلفة الكهرباء المولدة من طاقة الرياح البرية في 2020 بنسبة %13 عن عام 2019، كما انخفضت تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية المركزة بنسبة %16 في المدة ذاتها، ومن الرياح البحرية انخفضت تكلفة إنتاج الكهرباء بنسبة %9 ومن الطاقة الشمسية الكهرومغناطيسية بنسبة %7. هذا الانخفاض في التكلفة لم يكن وليد اللحظة وإنما كان نتيجة تطور التقنيات الحديثة وتنامي خبرات المطورين وغيرها. ويظهر حجم الانخفاض بشكل بارز إذا نظرنا له على مدار العقد الأخير فعلى سبيل المثال انخفضت تكاليف توليد الكهرباء من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية على مستوى المرافق بنسبة %85 بين عامي 2010 حتى 2020، كما انخفضت تكلفتها بنسبة %68 المولدة من الطاقة الشمسة المركزة، و%56 من طاقة الرياح البرية، و%48 من طاقة الرياح البحرية. وسيؤدي استبدال المحطات العاملة بالفحم إلى خفض تكاليف توليد الكهرباء بقيمة تصل إلى 32 مليار دولار سنوياً، بالإضافة لتلافي إطلاق نحو 3 جيجا طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً بحسب دراسة أعدتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
لا تزال هناك تخوفات مرتبطة بكيفية تخزين مصادر الطاقة البديلة، فضلاً عن عدم استقرار تلك المصادر، فالاعتماد على الشمس والرياح في توليد الكهرباء لا يتماثل بين الدول وبعضها وإنما يختلف باختلاف موقعها الجغرافي من ناحية وتوقيت الاعتماد عليها من ناحية أخرى، إلا أن التطور السريع المتلاحق في مجال الطاقة البديلة بدد معه كل هذه المخاوف لاسيما وأنه ليس هناك سوى طريق واحد لحماية المناخ من التغير وهو التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية وإحلال الطاقة البديلة محلها.