بحلول العام 2020، بلغ عدد كبار السن في العالم ـ 60 عاما فأكثر ـ مليارا و49 مليونا و748 الف شخص، يشكلون ما مقداره 13% من إجمالي سكان العالم، وهى أرقام تتجاوز كثيرا ما كان قائما قبل سبعين عاما، أو تحديدا في العام 1950، الذي بلغ فيه عدد هذه الفئة العمرية 202 مليونا و158 الفا، كان يشكلون ساعتها قرابة 8% من سكان العام، وبالتالي فإن عدد كبار السن عالميا زاد أربعة اضعاف خلال هذه الفترة، ونسبتهم من سكان العالم ارتفعت بمقدار 41%، ما يعني تلقائيا أن بعدا جديدا قد أضيف إلى الأبعاد المتعددة للقضية السكانية عالميا، وهو اتجاه البشرية نحو الشيخوخة والتقدم في العمر، بمعدلات تنمو بوتيرة متصلة، وتتصاعد من عقد لآخر بصورة تلقي بأعباء إضافية على عاتق المجتمعات المختلفة، بعض هذه الأعباء يتعلق بالرعاية الصحية وسبل العيش، وبعضها الآخر يتعلق بالتوظيف ومستوى وفرص العمل والإنتاج.
للوقوف على أبعاد ظاهرة «تقدم العالم في العمر» كأحد أوجه القضية السكانية، تعامل مركز جسور بالرصد والتحليل مع البيانات الأولية الخاصة بالإحصاءات السكانية الصادرة عن دائرة السكان، بإدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية التابعة لإدارة السكان بالأمم المتحدة https://www.un.org/development/desa/pd، وهي بيانات تغطي الفترة من 1950 وحتي 2020 على مستوى العالم، وبناء على المراجعة والرصد أمكن استخلاص بعض المؤشرات التي توضح العديد من أبعاد الظاهرة، كما هو موضح بالجدول المرفق.
جرى التحليل على مستوى بيانات العالم أجمع، ثم تحليل آخر وفق تقسيم الأمم المتحدة لجدول العالم، المستند الي معيار التقدم في النمو، الذي يقسم العالم لثلاثة مجموعات، المناطق المتقدمة الأكثر نموا، وتشمل أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا واليابان، والمناطق النامية الأقل نموا، وتشمل جميع مناطق إفريقيا وآسيا (باستثناء اليابان) وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بالإضافة إلى ميلانيزيا وميكرونيزيا وبولينيزيا، والدول الأقل نموا على الإطلاق، وتضم 47 بلدا، 32 في أفريقيا جنوب الصحراء ، 2 في شمال أفريقيا وغرب آسيا ، 4 في وسط وجنوب آسيا ، 4 في شرق وجنوب شرق آسيا ، 1 في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ، 4 في أوقيانوسيا، ومن خلال تحليل الأرقام أمكن رصد ثلاث ملاحظات على ظاهرة التقدم في العمر:
الأولى: أن الظاهرة تتقدم وتتوسع بشكل مضطرد منذ عام 1950، فخلال الفترة من 1950 وحتي 1965، ارتفع عدد كبار السن فوق 60 سنة من 202 مليونا ليربو قليلا على 265 مليون، وتذبذبت نسبتها من إجمالي سكان العالم بين %7.97 و%7.94، لكن منذ بداية السبعينيات حدث تسارع أكبر بالأعداد ومعدل النمو معا، ليصل العدد الي 382 مليونا، وترتفع النسبة الي %8.22 من إجمالي عدد السكان، ثم تضخمت الظاهرة بوتيرة اسرع خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبحلول عام 2000 كانت الاعداد قد قفزت الي 610 ملايين شخص، وهو رقم يكاد يمثل عُشر سكان العالم في ذلك الوقت، أو %9.94 على وجه التحديد.
الثانية: أنها تسارعت خلال العقدين الاخيرين بصورة لافتة، وشهدت خلال الفترة من 2000 الي 2020، أسرع معدلات نموها واتساعها على الإطلاق خلال السبعين عاما الماضية، حيث قفزت الاعداد الي 763ملايين في 2021 ثم 901 مليون في عام 2015 ثم كسرت حاجز المليار بحلول العام 2020، وبالتزامن مع ذلك قفزت النسبة من إجمالي سكان العالم الي %10.98 ثم %12.22 ثم %13.47 في أعوام 2010 و2015 و2020 على التوالي.
الثالثة: أن فئة كبار السن ظلت دوما من اسرع الفئات العمرية نموا، فأرقام الجدول تشير إلي أن أنها كانت دوما أكبر من أعداد الفئة العمرية الأقل من خمس سنوات بما تراوح بين 64 و69 مليونا خلال السبعين عاما الماضية، كما كانت أعدادهم أكبر من أعداد المراهقين ومن يدخلون سوق العمل حديثا، أي في الفئة العمرية من 15 الي 24 سنة، بما تراوح بين 73 و77 مليونا خلال الفترة نفسها.
وعند النظر للظاهرة على أساس تقسيم الأمم المتحدة لمستويات النمو بمناطق العالم المختلفة، يلاحظ أن هناك اختلافا كبيرا في طبيعة الظاهرة بكل منطقة على حدة، وذلك كالتالي:
ـ تسجل الظاهرة أعلى مستويات لها في منطقة الدول المتقدمة الأكثر نموا مقارنة بمناطق العالم الأخرى، ففي عام 1950 كانت نسبة كبار السن عالميا %7.97 ، لكن في منطقة الدول المنطقة كان الرقم %11.53، وفي عام 2020 سجلت النسبة العالمية %13.47، لكن في الدول المتقدمة بلغت النسبة %25.68 من سكان هذه الدول ، وهو ما يعادل حوالى ضعف النسبة العالمية .
ـ يختلف الامر بوضوح في مناطق الدول النامية والأقل نموا، حيث يبدو الوضع فيها هادئا بصورة واضحة، فطوال السبعين سنة المشار إليها، تراوحت نسبة كبار السن من إجمالي سكان هذه المناطق بين %4.84 وهى النسبة المسجلة في عام 1960، و%5.58 وهي النسبة المسجلة في عام 2020، ما يعني أن الحد الأدنى لنسبة كبار السن في المناطق النامية يقل عن مثيله في المناطق المتقدمة بمقدار ثلاثة أضعاف، والحد الأقصى لنسبة كبار السن في المناطق النامية يقل عن مثيلة في المناطق المتقدمة بما يناهز ستة أضعاف، وبما أن الحد الأقصى في الحالتين يتحقق في عام 2020، فهذا يعني أن عدد كبار السن في المناطق المتقدمة حاليا أكبر من مثيله في الدول النامية بما يناهز ستة أضعاف.
ـ تقف أعداد ونسبة المسنين في الدول الأقل نموا على الإطلاق على طرف نقيض تماما مقارنة بالمناطق المتقدمة، وعلي مسافة قريبة نوعا ما من الأعداد والنسب في المناطق النامية، فهي عموما أقرب إلى الثبات والركود التام، حيث كانت اقل نسبة مسجلة هي %3.21 المسجلة في عام 2005، وأعلى نسبة هي %3.42 المسجلة في عام 1950، وعليه يمكن القول أن مجتمعات هذه الدول هي مجتمعات فتية وشابة الى حد كبير مقارنة بالمناطق المتقدمة.
النتيجة الاجمالية للملاحظات والاستنتاجات السابقة تتمثل في:
ـ ظاهرة التقدم في العمر في مجملها تميل للاتساع والازدياد بصورة عامة على مستوي العالم، سواء على صعيد الأعداد أو النسبة العامة من السكان، ولكن يوجد تفاوت واضح في الحجم الحالي للظاهرة وأوضاعها المستقبلية بين مناطق العالم المختلفة بحسب درجة النمو، فهي أكثر حدة واسرع اتساعا ونموا في المناطق المتقدمة ، وأقل حجما وأهدأ قليلا في نموها لدى الدول النامية الأقل نموا، وتصل إلى أدني درجاتها سواء من حيث الحجم أو سرعة النمو في الدول الأقل نموا على الإطلاق.
وفي كل الأحوال، الامر يمثل تحديا كبيرا متزايد الحجم داخل القضية السكانية، لكونه يستوجب التوسع في تقديم الدعم والرعاية لكبار السن، فضلا عن أن الارتفاع المتوقع في متوسط العمر لدى الكثير من المجتمعات والاقتصادات، يفرض تعديل نظم التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والكثير من القوانين والتشريعات، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي الخاصة بهذه الفئة العمرية الآخذة في النمو، وجميعها أشياء تفضي في النهاية إلي ضرورة تعديل وتحديث خطط التنمية البشرية في صورتها الكاملة، لكي تستوعب وتستجيب للأعباء المترتبة على ظاهرة التقدم في العمر.