كان للوباء العالمي تأثير عميق على النشاط الاقتصادي، حيث انخفض الناتج العالمي بنسبة 3.3% في 2020، وتسببت إجراءات احتواء الوباء في انخفاض الطلب الكلي وعجز سلاسل التوريد (صندوق النقد الدولي، 2021). وشهدت بعض القطاعات طلبًا متزايدًا مثل قطاع أدوات الحماية الشخصية، والإلكترونيات الاستهلاكية، والدرّاجات، وخدمات التوصيل للمنازل. وقد انعكس تأثير الوباء على المؤشرات الرئيسية للاستثمارات العالمية في العلوم والابتكار كالآتي:
1- المقالات العلمية
نمى نشر المقالات العلمية في جميع أنحاء العالم بنسبة %7.6 في 2020، وهو أقل من معدل النمو لعام 2019، ولكنه أسرع من متوسط معدل النمو لمدة 10 سنوات. كما شهدت الدول الخمس الأولى للإنتاج العلمي ،الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والهند، نموًا أقل في عام 2020 مقارنة بعام 2019، مع الأخذ في الاعتبار أن معدلات النمو لعام 2019 كانت مرتفعة بشكل استثنائي. ولم تتغير المجالات الخمسة الأولى للنشر العلمي في عام 2020 عنها في عام 2019 وهي؛ علوم المواد متعددة التخصصات، العلوم البيئية، الهندسة الكهربائية والإلكترونية، الكيمياء متعددة التخصصات، الفيزياء التطبيقية. وقد بدا تأثير الوباء واضحاً على المجالات العلمية الأسرع نموًا، مثل الصحة، خاصة مجال الصحة العامة والبيئية والمهنية، التي سجلت نموًا قياسيًا عام 2020 بلغ %19.1. وساهمت المجالات الأخرى غير المرتبطة بالوباء مثل أبحاث السرطان، في النمو السريع للإنتاج العلمي المتعلق بالصحة. وبشكل عام، سجلت العلوم البيئية نمواً سريعاً بنسبة %21.2 عام 2020، متجاوزة الهندسة الكهربائية والإلكترونية كثاني أكثر مجالات النشر نشاطًا، بينما كانت المنشورات العلمية المتعلقة بالعلوم البيئية منذ عشرين عامًا أقل من %1.8، مقارنة بحوالي %5.1 في 2020. أما الذكاء الاصطناعي فظهر عام 2020 كمجال آخر من تلك المجالات التي حققت نمواً قوياً.
2- نفقات البحث والتطوير
على مدى العقود الماضية، نمت معدلات الاستثمارات في البحث والتطوير بصفة استثنائية أسرع من الناتج الاقتصادي، ووصلت إلى أعلى مستوى لها قبل ظهور الوباء بلغ %8.5 عام 2019. في حين نمى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة %2.4 فقط ذلك العام. وحققت نفقات البحث والتطوير نمواً مرتفعاً عامي 2017 و2018، كما شهدت سنوات ما قبل الجائحة زيادات واضحة في كثافة البحث والتطوير في الاقتصاد العالمي على الإطلاق. وكانت أكبر خمس اقتصادات إنفاقًا على البحث والتطوير عام 2019 هي؛ الولايات المتحدة (+10.9%)، الصين (+11.1%)، اليابان (−0.4%)، ألمانيا (+2.3%) وكوريا الجنوبية (+4.8%). كما نمى الإنفاق على البحث والتطوير في قطاع الأعمال – وهو أكبر مكون من إجمالي البحث والتطوير العالمي- بنسبة %7.2 عام 2019، مقابل %4.6 في 2018. أما أداء الإنفاق على البحث والتطوير في 2020 لا توجد له بيانات بعد. وقد كانت نفقات البحث والتطوير في الماضي تسير بالتوازي مع الناتج المحلي الإجمالي، تباطأت بشكل ملحوظ خلال فترات الانكماش الاقتصادي أوائل التسعينيات وبدايات ونهايات عام 2000 (الشكل 1).
يعتبر انخفاض الإيرادات ونقص التدفق النقدي، وتدابير خفض التكاليف، وانخفاض الإيرادات الضريبية، وزيادة تجنب المخاطرة بعضًا من الوسائط الرئيسية التي تؤدي الى انخفاض الإنتاج وبالتالي خفض استثمارات البحث والتطوير. وبالقياس فإنه من المتوقع أن يتضرر نمو الإنفاق على البحث والتطوير لعام 2020 بسبب الوباء لينخفض بنسبة تصل إلى %2.8. ومع ذلك، هناك أسباب تدعو للتفاؤل بأن نفقات البحث والتطوير ستكون أكثر مرونة لأسباب عدّة، أولها: طبيعة الأزمة نفسها، حيث كان تأثيرها متفاوتًا عبر الصناعات وكان الابتكار في صلب مكافحة الوباء. ثانيًا: لا تشير بيانات البحث والتطوير المحدودة المتاحة لعام 2020 إلى حدوث انخفاضات واضحة، بل استمرت مخصصات الميزانية الحكومية للاقتصادات التي تنفق على البحث والتطوير وكشفت عن نمواً في ميزانيتها.
بالنسبة للشركات المستثمرة في البحث والتطوير، توفرت بيانات لـ 1707 من أكبر 2500 شركة مُنفقة في جميع أنحاء العالم، والتي رفعت نفقاتها بنحو %10 عام 2020، بينما أعلنت %60 من الشركات كثيفة البحث والتطوير عن زيادة نفقاتها. وفي صناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، أبلغت حوالي %62 من الشركات عن زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وترتفع هذه النسبة إلى %65 في مجال أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصناعة المعدات الكهربائية، وإلى %80 في مجال البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في حين أبلغت غالبية الشركات في صناعات أخرى عن انخفاض الاستثمار في البحث والتطوير مثل السيارات %68 والسفر والترفيه والسلع الشخصية %65 (الشكل 2).
وبشكل عام زادت جهود الشركات التي استفادت من التحولات التي أحدثها الوباء في الطلب في مجال البحث والتطوير، من بينها «Ali baba» و»Netflix» و»Nintendo» و»Nividia» والعديد من شركات الأدوية الكبيرة (الشكل 3). في المقابل، خفضت الشركات التي تعتمد نماذج أعمالها على الأنشطة الشخصية أو السفر نفقاتها مثل “Trip.com” و”Airbus” و“Boeing” و“Uber” و”Lyft” ومعظم مصنعي السيارات.
3- إيداعات البراءات الدولية
على الرغم من انخفاض الإنتاج العالمي، وصلت إيداعات البراءات الدولية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عام 2020. وزادت بنسبة %3.5، مدفوعة بالنمو السريع بشكل خاص من الصين (%16). كما شهدت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة نموًا قويًا، في حين تراجعت اليابان ومعظم الاقتصادات الأوروبية. وكانت أكثر مجالات التكنولوجيا ديناميكية عام 2020 هي التكنولوجيا الطبية والأدوية والتكنولوجيا الحيوية، وهو ما يتناقض مع السنوات السابقة حيث كانت مجالات الاتصالات الرقمية وتكنولوجيا الحاسبات والتكنولوجيا السمعية البصرية الأسرع نموًا. ترجع معظم الاختراعات الأساسية لإيداع البراءات الدولية عام 2020 إلى ما قبل الوباء، وبالتالي فإن الأداء القوي لتسجيل براءات الاختراع للتكنولوجيا الصحية لا يعكس استجابة الاختراعات للأزمة، بل يشير إلى أن الوباء قد دفع المبتكرون في قطاع الرعاية الصحية إلى الارتقاء بالإمكانيات التجارية لاختراعاتهم الحديثة.
4- صفقات رأس المال الاستثماري
نمى عدد صفقات رأس المال الاستثماري بنسبة %5.8 عام 2020، متجاوزًا متوسط معدل نمو المؤشر لمدة 10 سنوات والبالغ %3.6. أما المرونة الاستثنائية لتمويل الابتكار كانت الأكثر وضوحًا نظراً لكون صفقات رأس المال المغامر قد انخفضت في أوروبا وأمريكا الشمالية في الربع الثاني من عام 2020 عندما ارتفعت حالة عدم اليقين في الأسواق المالية بشكل عام، بينما عوّض النمو القوي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ هذا الانخفاض. وبصرف النظر عن النمو السريع لصفقات رأس المال الاستثماري في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (%26.6+)، سجلت كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أيضًا زيادات مضاعفة بلغت (%82.7+) و(%12.1+) على التوالي. وأنهت أمريكا الشمالية وأوروبا العام بانخفاض قدره %3.1 و%0.7 على التوالي. وتشير أرقام الربع الأول لعام 2021 إلى نشاط أكثر حيوية لرأس المال الاستثماري هذا العام، حيث وصلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أعلى مستوً لها على الإطلاق مع 1260 صفقة. من حيث التمويل فإن نشاط رأس المال المغامر في الربع الأول من عام 2021 في جميع المناطق يعادل بالفعل ما يقرب من نصف إجمالي التمويل في عام 2020، مما يضع وتيرة قوية لبقية العام.
المصدر: الاستثمارات في العلوم والابتكار من “مؤشر WIPO للابتكار العالمي 2021″