تقع إنتاجية وجودة وقيمة براءات الاختراع في المنطقة العربية في مستوى متوسط أو ضعيف أو بالغ الضعف مقارنة بالأوضاع العالمية، وذلك بحسب البيانات الواردة في المؤشرات العشرة الموضوعة من قبل البنك الدولي والمنظمة الدولية للملكية الفكرية “الوايبو” لقياس حالة براءات الاختراع حول العام، فمن حيث الترتيب على المؤشرات العشرة، هناك سنوات عديدة غابت فيها المنطقة العربية عن الترتيب كلية، وسنوات أخرى كانت في منتصف القائمة أو أقل بكثير، ومن حيث الدرجات كان الحد الأقصي للمتوسط العام للدرجات المحققة بالمنطقة العربية 15 درجة من مائة درجة، وذلك لمرة واحدة في سنة واحدة، وتدهور إلي درجة واحدة أو يزيد قليلا أو درجة الصفر من مائة في العديد من السنوات، والأمر نفسه بالنسبة لقيمة براءات الاختراع التي جاءت متدنية بصورة واضحة.
قام مركز “جسور” بتصنيف وفهرسة وتحليل البيانات الواردة عن براءات الاختراع التي تمت بالمنطقة العربية بقاعدة بيانات المؤشر العالمي للإبداع التابعة للبنك الدولي، خلال الفترة من 2013 الي 2021، وهي بيانات موزعة علي عشرة مؤشرات فرعية، هي طلبات براءات الاختراع الخاضعة لمعاهدة التعاون بشأن البراءات حسب المنشأ، والبراءات الصادرة طبقا للمعاهدة، والبراءات الصادرة عموما، وعدد طلبات براءات الاختراع المقدمة من المقيمين بالمنطقة طبقا للمعاهدة، وطلبات البراءات المقدمة لمكاتب البراءات الوطنية، وعدد طلبات الاختراع القائمة بالمكتب، وطلبات البراءات حسب المنشأ، ومجموعات أو أسر البراءات مقوّمة بالمليار دولار من الناتج المحلي، ومجموعات براءات الاختراع من فئة واحدة المقدمة في ثلاثة مكاتب علي الأقل، وعدد البراءات من فئة واحدة المقدمة في مكتبين علي الأقل، وتقيس البيانات الخاصة بالمؤشرات العشرة حالة براءات الاختراع في المنطقة عبر ثلاثة مسارات، الأول الترتيب بالنسبة لدول العالم، وهو ترتيب تصاعدي يعني أن المركز الأقل يعكس وضعية أفضل والعكس، والمسار الثاني الدرجة التي حصلت عليها المنطقة داخل كل مؤشر، وهي درجة من مائة، والثالث القيمة التي تمثلها براءة الاختراع في كل مؤشر علي حدة.
ولاختصار التحليل وعرض صورة كلية مبسطة للمنطقة العربية، تم التعامل مع بيانات الدول العربية الواردة بقاعدة البيانات بآلية المتوسط الحسابي، أي جمع درجات الدول العربية مجتمعة، وقسمتها علي عدد الدول الوارد بالقاعدة للحصول على المتوسط العام للمنطقة، ثم مقارنته بالأوضاع في العالم ككل.
في المسار الأول الخاص بالترتيب بين دول ومناطق العالم، يعرض الجدول رقم (1) المتوسط العام للمراكز التي يُفترض أن تشغلها المنطقة العربية في المؤشرات العشرة خلال السنوات التسع المشار إليها، ما يعني أن المنطقة العربية كان يفترض أن تظهر فى 90 مركزاً، وبالنظر إلي هذا الجدول يتضح أن المنطقة العربية ظهرت في 27 مركزاً فقط، وغابت عن 63 مركزاً، وهذا يعني أن المنطقة لم تظهر لها براءات اختراع في المؤشرات والسنوات لعدد 63 مرة، ومن ثم لم تظهر في الترتيب العالمي.
وعند النظر الي المراكز الـ 27 التي حققتها المنطقة العربية في السنوات والمؤشرات المختلفة، يلاحظ أن هذه المراكز كانت محصورة بين المركز 56 والمركز 92، بين أعداد الدول المشمولة في القائمة، والتي تراوح عددها بين 126 و245.
ولو أخذنا المراكز التي حققتها المنطقة خلال العام 2021 كمثال، نجدها غائبة في سبعة معايير، وظهرت في ثلاثة، والمراكز الثلاثة المحققة كانت في المنطقة المتوسطة، وهي المعيار الثاني الخاص ببراءات اختراع معاهدة التعاون بشأن البراءات، الذي احتلت فيه المركز 56 من اجمالي 132 مركزا، والمعيارين الآخرين في المنطقة الضعيفة اللذان احتلت فيهما المركزين 85 و79 علي التوالي، والأرقام علي هذا النحو تعني أنه من حيث ترتيب الدول وفق انتاج براءات الاختراع، فإن المنطقة العربية لم تظهر بالتصنيف معظم الوقت ( 63 مرة غياب، و27 مرة حضور)، وعند حضورها كانت إما في المنطقة المتوسطة أو الضعيفة أو بالغة الضعف.
عند الانتقال الي المسار الثاني الخاص بالدرجات التي حصلت عليها براءات الاختراع المنتجة بالمنطقة العربية في المعايير العشرة خلال السنوات التسع، نجد أن الجدول رقم (2) يعرض فقط الدرجات الخاصة بالمراكز الـ 27 التي شغلتها المنطقة العربية في الجدول السابق، ما يعني أن المنطقة لم تظهر لها أي درجة بأي قيمة 63 مرة، وظهرت لها درجات عددها 27 مرة، تراوحت قيمتها بين صفر و15 درجة من مائة درجة، وأن متوسط عام الدرجات التي حققتها المنطقة علي صعيد انتاج براءات الاختراع في المؤشرات العشرة خلال السنوات التسع هو ثلاث درجات من مائة درجة.
تضيف هذه الأرقام دلالة أو نتيجة جديدة، وهي أن الحضور المتوسط أو الضعيف أو بالغ الضعف الذي ظهر في مسار الترتيب ينطوي ،أياً كان مستواه، علي درجات تقييم شديدة التدنّي، فالدرجات المحققة أقصاها 15 درجة من مائة درجة، وأدناها صفر أو لا درجات أصلا.
ولو نظرنا الي الدرجات المحققة خلال العام الأخير 2021، سنجدها درجتين من مائة في المعيار الثاني، وأربع درجات من مائة في الثالث، ودرجة من مائة في المعيار الثامن، وهو وضع أسوأ من مثيله في العام الأول لفترة الرصد 2013، حيث كانت الدرجات ثلاث درجات من مائة درجة في المعيار الرابع، وثلاثة درجات من مائة درجة في المعيار السادس، وأربع درجات من مائة درجة في المعيار التاسع، وعند مقارنة السنتين معا، نجد أن معدل الحضور متساوي، لكنه أكثر تدنيا في العام 2021 عنه في العام 2013.
يقيس المسار الثالث قيمة براءات الاختراع، وفق قاعدة “PPP$ GDP” أو قياس البيانات من خلال تعادل القوة الشرائية للناتج المحلي الإجمالي بالمليار دولار، ويعرض الجدول رقم (3) نتائج تطبيق البنك الدولي لهذه القاعدة على البراءات العربية خلال الفترة من 2013 الي 2021، ويتضح من الجدول أن قيمة البراءات في المنطقة العربية تبدو متدنية للغاية مقارنة بالحد الأقصى المحقق عالميا، إذ تتراوح قيمتها وفق المعايير العشرة بين صفر و0.66، في حين يتراوح الحد الأقصى لقيمة البراءات عالميا بين 6.8 و101.1، يضاف لذلك بالطبع أن قيمة البراءات العربية تظهر 27 مرة فقط، وتختفي 63 مرة كما هو الحال في كل من الترتيب بين قائمة الدول عالميا، والدرجة المحققة من مائة.
ومن اللافت للنظر في هذا الجدول أن طلبات البراءات المقدمة لمكاتب البراءات الوطنية العربية يصل عددها الي الصفر في ثماني سنوات من التسع محل الرصد والتحليل، حيث لم يظهر بالمؤشرات براءات لها قيمة بالمكاتب الوطنية إلا في عام 2015 فقط، الذي سجلت فيه مستوي قيمة قدره 0.44 وفق القاعدة المشار إليها، في حين أن الحد الأقصى للقيمة المحقق عالميا في ذلك العام بلغ 101.1.
نخلص من الأرقام الخاصة بالمسارات الثلاثة إلي أن حالة براءات الاختراع في العالم العربي أقرب إلى الجدب والتصحر شبه التام، وفقا للمعايير العشرة المذكورة طوال فترة السنوات التسع، فهي قليلة الحضور، متدنية الدرجة، منخفضة القيمة، قياسا بما يجري عالميا، ما يعني أن المنطقة تعيش وضعية تدق ناقوس خطر كبير، لكونها وضعية لا تتناسب مطلقا مع متطلبات العصر الحالي والمستقبلي، وما يكتنفه من تحديات جمّة، لا يمكن مواجهتها بفعالية من دون جهد كبير منظم دؤوب، يتعاظم مع الوقت في مجال الابداع والابتكار وإنتاج براءات الاختراع.