%60 هو متوسط ما يستحوذ عليه القطاع غير الرسمي أو الموازي عالمياً من المشروعات المُتوسطة والصغيرة ومُتناهية الصِغر في 106 دولة فقط توفر لها بيانات في تقرير الفجوة المالية للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الصادر عن البنك الدولي في 2017 (أحدث بيانات). الاقتصاد الموازي هو الاقتصاد غير الرسمي المنزوي عن الإجراءات الحكومية، المتنصّل عن القيد بالسجل التجاري أو الصناعي أو الخدمي حسب نشاطه، غير الخاضع للمنظومة الضريبية للدولة، ويُطلَق عليه كذلك الاقتصاد الرمادي أو اقتصاد الظلّ أو اقتصاد الرقم المطموس. لا يُعد هذا النوع من الاقتصاد غير مشروع في ذاته كتجارة البشر أو زراعة المخدرات أو التعامل في الآثار، وإنما يتّسم نشاطه بالمشروعية إلا أنه يظلّ خارج عن سيطرة الدولة ليُسهم في زيادة العبء على خدماتها كالكهرباء، والماء، والطاقة، وغيرها، دون تحمّل الضريبة العادلة مُقابل استعمالها أو استغلالها، فضلاً عن التزايد المضطّرد في عجز الموازنة العامّة للدولة وزيادة الانفاق العام بما يُجاوز الإيرادات الضريبية.
لا تقف سلبيات الاقتصاد الموازي عند هذا الحدّ، وإنما تتعداه لتطمس الأعداد الحقيقة للقوى العاملة في الدولة، ومعدلات البطالة، وحجم التضخم الفعلي، فضبابية الأرقام في هذه القطاعات يُربك حسابات الدولة ويؤثر بالتبعية على قراراتها. هذا لا يمحي بطبيعة الحال دور الاقتصاد الموازي في خلق فرص عمل والحدّ من البطالة نوعاً ما، إلا أن تداعياته السلبية تُجاوز إيجابياته، وتُعرقل مسارات الدولة عن بلوغ أهدافها نحو التنمية المستدامة.
اتسمت ظاهرة الاقتصاد الموازي بالعولمة إلا أن مقدارها تفاوت بين منطقة جغرافية وأخرى، فكانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب الدافئ لتستحوذ المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغير غير الرسمية على نسبة %31 مقابل %69 مشروعات رسمية، أما النسبة الأقل كانت من نصيب منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ لتستحوذ المشروعات غير الرسمية على %17 فقط من مجموع المشروعات لديها الذي بلغ عددها 147 ملايين و672 آلاف و852 مشروعاً، وهو الأكثر على الإطلاق حيث تجاوز مجموع المناطق الجغرافية الأخرى بنحو أكثر من 25 ملايين مشروعاً. وتذيلت القائمة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ليستحوذ القطاع الاقتصادي غير الرسمي على ما نسبته %77 وهي نسبة تدعو إلى إعادة النظر في منهجية إدماج هذه المشروعات في الاقتصاد الرسمي الذي بلغ نسبته %17 فقط! (الجدول رقم1).
أما على نطاق الدول العربية، تُظهر البيانات أن نسبة المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر غير الرسمية في الأردن هي %21 في عام 2017، وهي النسبة الأفضل من بين الدول العربية التسعة التي حصرها تقرير الفجوة المالية للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الصادر عن البنك الدولي(جدول رقم 2)، تلتها في الترتيب في العام ذاته اليمن بنسبة %37، أما لبنان وتونس والمغرب ومصر تجاوزت فيهم نسبة المشروعات غير الرسمية حاجز %40، إلا أن النسبة الأكبر كانت من نصيب تونس والتي بلغت المشروعات غير الرسمية فيها %55 مُقابل %45 للمشروعات الرسمية، ثم المغرب ومصر التي كانت نسبة تلك المشروعات في كل منهما %49، وبخصوص الوضع في مصر فقد زادت نسبة المشروعات غير الرسمية ما نسبته %4 بين عامي 2017 بحسب بيانات البنك الدولي، إلى %53 في 2018 بحسب بيانات التعبئة والاحصاء.
ويُمكن تحليل الوضع في مصر حتى نقترب أكثر من ظاهرة استحواذ المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر غير الرسمية على اقتصاد الدولة، فمن بين 3.743 ملايين منشأة تدير نشاطاً اقتصادياً، يستحوذ القطاع العام/أعمال العام على 1536 منشأة فقط بنسبة %0.04، بينما يستحوذ القطاع الخاص على 3.741 ملايين منشأة بنسبة %99.96. يدخل في الاقتصاد الرسمي منها 1.758 مليون منشأة، بينما يدخل الباقي في الاقتصاد الموازي بما مجموعه 1.984 مليون وحدة منتجة غير رسمية، ليكون نصيب القطاع الخاص الموازي %53 مقابل %47 للرسمي في مصر، بحسب التعداد الاقتصادي الخامس الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2018 (أحدث بيانات).
تتوزع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر غير الرسمية بحسب نوع النشاط الاقتصادي في مصر إلى 6 فئات وهي: تجارة الجملة والتجزئة والتي ضمّت النسبة الأكبر من إجمالي المشروعات غير الرسمية وهي %59.4، ثانيا: الصناعات التحويلية وتستحوذ على %14.1، ثالثا: أنشطة الخدمات الأخرى بنسبة %11.2، ثم خدمات الغذاء والإقامة بنسبة %5.2، والزراعة وصيد الأسماك بنسبة %4.9، وباقي الأنشطة الأخرى كالتشييد والبناء والأنشطة العلمية والتقنية وغيرها %5.1.
أما على صعيد محافظات مصر كان لمحافظة القاهرة النصيب الأكبر في نسبة مشروعات القطاع غير الرسمي بمقدار %13.2، تلتها محافظة الجيزة بنسبة %11.9، ثم القليوبية بنسبة %8.5 وهي المحافظات كثيفة السكان، بينما المحافظات المصرية السبعة قليلة الكثافة السكانية لم تتخطّ نسبة مشروعات القطاع غير الرسمي فيها حاجز %0.6 وهم جنوب وشمال سينا، الوادي الجديد، البحر الأحمر، بورسعيد، السويس، مطروح. (الشكل رقم 1)
في نهاية المطاف لا يمكن بحال رصد أعداد المشروعات دون الكبيرة غير الرسمية بشكل قاطع وحاسم، لكونها متجددة يومياً وبشكل مضّطرد وبخاصّة متناهية الصغر منها، إلا أن المؤشرات السابقة تدفعنا إلى ضرورة اتخاذ ما هو مناسب من تدابير لدمج القطاع غير الرسمي او الاقتصاد الموازي إلى الاقتصاد الرسمي للدولة، لاسيما من خلال توسيع التعاملات المالية عن طريق البنوك بواسطة الشمول المالي، رقمنة إجراءات استخراج التراخيص والقيد في السجلات التجارية كتبني منظومة الشباك الواحد بحيث ينهي العميل كافة إجراءات مشروعه من خلال موظف واحد فقط، توفير امتيازات لمن يتحول إلى القطاع الرسمي وليس القصاص منه كمنحه حد معين من الائتمان، بساطة المنظومة الضريبية وسهولة الدفع عن بعد من خلال التطبيقات الالكترونية، علّ تلك التدابير تؤتي ثمارها وتُحِد من تضخم الاقتصاد الموازي.