وصول آلاف الشركات المتعددة الجنسية إلى مستويات غير مسبوقة، من حيث الحجم ومجال الحركة والانتشار الجغرافي وتنوع النشاط والتأثير والنفوذ، لا يعني سيطرتها المطلقة علي هياكل الاقتصاد العالمي ومفاصله كافة، لأن النشاط الاقتصادي شديد المحلية، المتناهي الصغر والصغير والمتوسط الذي يقف علي الطرف النقيض منها فكرا وأداء من وجوه عدة، لا يزال ينازعها القوة والتأثير والحركة والتنوع، وآية ذلك أن هناك ما يزيد علي 351 مليون شركة متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة الحجم، منتشرة في أكثر من 176 دولة، يوجد بها ما يزيد علي 705 مليون فرصة عمل، ويرتبط بها نحو %10 من إجمالي عدد السكان بهذه الدول، وتحقق قيمة مضافة تشكل %24 من الناتج الإجمالي العالمي كمتوسط عام، وترتفع مساهمتها لتتخطي ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي في عشرات الدول.
وفقا لتحليل قام به مركز جسور لأحدث البيانات الأولية بقاعدة بيانات مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي
حول مشاركة الشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في الاقتصاد العالمي، فإن هناك ثلاثة مظاهر يمكن من خلالها تقدير قوة وصلابة المشاركة التي تقدمها هذه الشركات عالمياً، الأول هو عدد الشركات، والقاعدة البشرية المرتبطة بها، والثاني هو مقدار القيمة المضافة التي تحققها هذه الشركات مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، والثالث أعداد فرص العمل التي توفرها هذه الشركات مقارنة بعدد السكان.
في هذا التحليل، جري أولا الحصول على النتائج الاجمالية السابقة من جميع البيانات المتاحة دون استثناء، وعند تحليل كل مظهر من مظاهر التحليل على حدة، جري استبعاد الدول ذات البيانات غير المكتملة، لتفادي الوصول لنتائج غير دقيقة، وتم الإبقاء فقط على الدول التي تتوفر عنها بيانات في كل معيار من معايير التحليل.
في المظهر الأول، تبين من التحليل أن هناك 140 دولة من 176 تتوفر بشأنها بيانات مكتملة، وكشفت البيانات عن أنه يوجد بها 2 مليون و310 الفا و525 شركة متوسطة، و 14 مليونا و424 الفا و642 شركة صغيرة، و277 مليون و243 الفا و991 من شركة متناهية الصغر، بإجمالي عام 323 مليون و592 الفا و509 شركة، وعند مقارنة هذه الأرقام بعدد السكان في هذه الدول، تبين أن المتوسط العام لنصيب كل ألف من السكان من هذه الشركات مجتمعة، هو 40.3 شركة لكل ألف شخص، ويتفاوت هذا الرقم بين النوعيات الثلاث من الشركات، فهو 33 شركة متناهية الصغر لكل ألف، و4 شركات صغيرة لكل الف وشركة واحدة متوسطة لكل ألف.
وعند ترتيب الدول تصاعديا بحسب اجمالي عدد الشركات لديها، احتلت الهند المرتبة الأولي عالميا من حيث العدد الإجمالي للشركات بواقع 63 مليونا و338 الف شركة، تليها اندونيسيا بواقع 62 مليون و922 الفا و617 شركة، ومن حيث توزيع الشركات علي كل ألف من السكان، يختلف الامر وتتفوق اندونيسيا علي الهند بسبب تفاوت عدد السكان في البلدين، حيث يبلغ نصيب كل الف من السكان الي 238.4 شركة في اندونيسيا، ويتوقف عند 48.4 شركة في الألف بالهند، ويوضح الجدول رقم (1) اكبر عشرون دولة حول العالم من حيث العدد الفعلي للشركات وعدد الشركات لكل الف من السكان.
في المظهر الثاني الخاص بالقيمة المضافة التي تحققها الشركات، توفرت بيانات مكتملة عن 49 دولة فقط من بين 176، وعند مقارنة مقدار القيمة المضافة التي تحققها الشركات بهذه الدول مقومة بعملتها المحلية، مع الناتج المحلي الإجمالي لها، تبين أن مقدار القيمة المضافة التي تحققها الشركات بنوعياتها الثلاث تبلغ %21.3 من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك كمتوسط عام، وعند النظر الي هذه النسبة في كل نوعية علي حدة، تبين أن القيمة المضافة المحققة من الشركات المتوسطة تعادل %6.2 من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، وترتفع النسبة الي %7 في حالة الشركات الصغيرة، ثم تتراجع الي %5 في حالة الشركات متناهية الصغر.
كشف التحليل عن أن أكبر مشاركة للشركات في الناتج المحلي الإجمالي محققة في دولة بربادوس، حيث تصل النسبة فيها الي %55.9 من الناتج المحلي الإجمالي، تليها سنغافورة بنسبة %47.4، ثم مالطا بنسبة %42.1، ويعرض الجدول رقم (2) قائمة أكبر عشرون دولة حول العالم من حيث نسبة القيمة المضافة المحققة من النوعيات الثلاث من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.
في المظهر الثالث الخاص بفرص العمل التي توفرها الشركات بنوعياتها الثلاث، كانت هناك 103 دولة من بين 176 توفرت بشأنها بيانات مكتملة، وتبين أن الشركات بنوعياتها الثلاث توفر 709 مليونا و579 الفا و387 فرصة عمل، من بينها 448.649 الفا و141 فرصة توفرها الشركات متناهية الصغر، و139.086 الفا و292 فرصة توفرها الشركات الصغيرة، و95 مليونا و982 الفا و378 فرصة توفرها الشركات المتوسطة، وعند مقارنة هذه الأرقام بالعدد الإجمالي لعدد السكان بهذه البلدان، تبين انه كمتوسط عام ترتبط فرص العمل التي توفرها الشركات المتناهية الصغر بحوالي %9.6 من السكان، فيما تخدم فرص العمل بالشركات الصغيرة %3 من السكان، والشركات المتوسطة 2.1، ما يعني أن فرص العمل بالنوعيات الثلاث تخدم وترتبط بنحو %15.3 من السكان.
بالطبع تتفاوت هذه النسب من دولة لأخرى كما يتضح من الجدول رقم (3) الذي يعرض نسبة فرص العمل بالشركات مقارنة بعدد السكان في أكبر 20 دولة، ويوضح أن نسبة السكان المرتبطين بفرص العمل بهذه الشركات تبلغ %44.2 في اندونيسيا وهي النسبة الأعلى عالميا على الإطلاق، التي تحتل قائمة دول العالم في هذا المعيار، تليها اليابان بنسبة %38.49، ثم نيجيريا %34.77.
ثمة ملاحظة يمكن رصدها بوضوح فيما يتعلق بمستوي الدخل لدى الدول التي تأتي علي رأس القائمة من حيث عدد الشركات والقيمة المضافة وفرص العمل، ففي حالة فرص العمل نجد أن رأس القائمة يضم دولة مرتفعة الدخل، هي اليابان، ودولة من الدخل الأدنى من المتوسط هي اندونيسيا، ودولة من الدخل الأقرب للمنخفض هي نيجيريا، وفي حالة القيمة المضافة نجد أن الدول الثلاث علي رأس القائمة مصنفة ضمن الدول مرتفعة الدخل، ومن حيث عدد الشركات نجد علي رأس القائمة كل من الهند واندونيسيا ونيجيريا والولايات المتحدة والصين، وهي دول إما مرتفعة الدخل أو بدخل ادني من المتوسط.
تؤكد هذه الملاحظة أن النشاط الاقتصادي المحلى القائم على هذه النوعية من الشركات يمثل عاملا تتزايد أهميته بوتيرة سريعة داخل الاقتصاد العالمي، عبر مشاركة تتسع مع الوقت، كماً ونوعاً، سواءً في اقتصادات الدولة النامية والآخذة في النمو، المتوسطة والمنخفضة الدخل، والمعتمدة على العمالة الكثيفة، والخبرات والمهارات المتدنية، أو في اقتصادات الدول مرتفعة الدخل، التي يعتمد اقتصادها على المهارات العالية والمعرفة الأعمق، وآليات العمل الأكثر تقدماً.