في مقابل الازدياد المتواصل لمضار ومخاطر أزمة تغير المناخ يوما بعد آخر وما تكتنفه من موجات قلق علي مستقبل البشر وكوكب الارض، تنشط حركة البحوث والإبداع والابتكار والتطوير الساعية لحلول وآليات بديلة لمكافحة الأزمة على الأمد البعيد بصورة لافتة في أماكن شتى بالعالم، وتركز هذه الحركة بالأساس علي إحداث تغيير جوهري بطيء وممتد بجميع عناصر البنية التحتية المتعلقة بتوليد وتخزين ونقل وتوزيع الطاقة، لتصبح بنية تحتية “منخفضة الانبعاثات” إلى المستوي الذي لا يضيف للغلاف الجوي أحمال جديدة مؤثرة من الغازات الضارة بالمناخ، ويسهم كذلك في امتصاص قدر مؤثر من الاحجام الهائلة للانبعاثات الضارة التي تم ضخها بالغلاف الجوي خلال نصف القرن الأخير، ويقدر الحجم المستهدف امتصاصه من ثاني أكسيد الكربون حتى عام 2070 بنحو 10 مليون طن سنويا، بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، وفي هذا السياق يتوقع ايضا أن تصبح البنية التحتية منخفضة الانبعاثات واقعا معاشا مؤثرا وقابلا للملاحظة والقياس بحلول 2050، وساعتها سيبلغ متوسط الإنفاق السنوي علي هذه البنية نحو6.5 تريليون دولار وفقا لتوقعات مجموعة https://mck.co/3rbPNUn المتعلقة بتكنولوجيا المناخ الجديدة والمستحدثة، فيما ترى تقديرات أخرى أن هناك حاجة الى زيادة السعة العالمية لتخزين الطاقة طويلة الأمد التي تدعم استخدام الطاقة المتجددة بمعدل 400 مرة لمساعدة قطاع الطاقة على تحقيق “الانبعاثات المنخفضة” بحلول 2040.
تضع حركة الابتكار والبحث والتطوير في قطاع الطاقة النظيفة منخفضة الانبعاثات نصب اعينها الحقيقة العلمية القائلة بأن تقنيات المناخ تعتمد علي بعضها البعض، وهذا ما يدفع البحوث للمضي في اتجاهات شتي متنوعة المسارات ومتكاملة الأهداف في النهاية، وبحسب ما أمكن تجميعه من مصادر مختلفة في هذا السياق، فإن حركة البحوث والابداع تتضمن استخدام الميثانول الأخضر الذي يُعتبر الوقود الأكثر تقدمًا تقنيًا لتشغيل السفن فيما يسمي بـ»الشحن الأخضر»، وأحد أشكاله الميثانول الإلكتروني الذي يُصنَع بجمع الهيدروجين الأخضر وثاني أكسيد الكربون الحيوي.
ومن جهته أشار «منتدى الاقتصاد العالمي» الى دور «الكربون الأزرق» أو «أحواض الكربون»، مثل الغابات أو المحيطات، في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وبالتالي تقليل الأضرار التي تسببها الانبعاثات في تغير المناخ. وقد تم بالفعل إنشاء أكبر مصنع في العالم في إيسلندا ويسمى «Orca» مخصص لامتصاص 4000 طن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون من الجو، وتخزينه في قيعان الأرض ليتحول الى صخور، كما أشارت دراسة مؤسسة “Earth” .
وهناك بحوث مستمرة في مجال بطاريات الليثيوم التي تقوم بتشغيل المركبات الكهربائية تتمتع بقابليتها لإعادة الشحن وكثافة طاقة عالية لتشغيل السيارات لمسافات طويلة، لكن التحدي فى هذه البطاريات أنها تتطلب استخراج مواد خام، خاصةً الليثيوم والكوبالت، باستخدام كميات كبيرة من الطاقة والمياه، علاوة على بيئة العمل غير الآمنة لعمال المناجم، ومن بينهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات.
يشمل التطوير والإبداع ايضا تصميم البنايات الخضراء أصبح يعتمد على الألواح الشمسية واسعة الانتشار حالياً كمصدر للطاقة المولدة للكهرباء والتدفئة وكذلك المياه الدافئة، بالإضافة الى النوافذ العازلة التي تحافظ على الحرارة داخل المنازل وبالتالي التقليل من فواتير الطاقة الباهظة.
وفي مجال الزراعة والغذاء، ظهرت «الزراعة الرأسية»، في محاولة لإحلالها مكان الزراعة الأفقية القديمة، وهي التي لا تستلزم أراضي زراعية شاسعة، فقد تكون في البنايات أو المدن أو حتى حاويات الشحن، ومن ثمَ تُقلل من نفقات النقل والانبعاثات الناتجة عنها. وتوجد حالياً أكبر مزرعة مغلقة في صحراء مدينة ابوظبي الإمارتية والتي تستخدم %95 من المياه أقل من المزارع المفتوحة التقليدية. غير أن هذه المزارع الجديدة لا تحقق أرباحاً مرجوة نظراً للنفقات الباهظة للتشغيل والصيانة، وإمدادات المياه وملائمة هذا الأسلوب لعدد محدود فقط من النباتات والخضروات.
وقد تم استخدام تقنيات جديدة في الزراعة الدقيقة تقوم بحساب رطوبة التربة، وصحة المحاصيل، وكمية الأسمدة المطلوبة، ومكافحة الآفات، حتى أنها تتنبأ بمناطق الجفاف وأسبابها، وبالتالي تحافظ على خصوبة التربة ووفرة الحصاد. وفي الولايات المتحدة تتوفر تقنيات بيانات جغرافية مكانية للزراعة منذ عدة سنوات، ومؤخرًا موَلت هيئة الموارد المائية التابعة لوكالة «ناسا» برنامج لتطوير قواعد البيانات العالمية يعمل في أكثر من 45 دولة لمساعدة المناطق النامية في العالم على استخدام بيانات الأقمار الصناعية وغيرها من التقنيات الجغرافية المكانية لإدارة المخاطر المناخية، وهذه التقنية تستخدم أيضا لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والأمن المائي والحفاظ على الطبيعية وصحة المحيط.
وللاستفادة من النفايات الصلبة كوقود مستدام في مجالات كثيرة مثل الطيران، وهي النفايات المستخرجة من المنازل والشركات كمستلزمات التغليف والورق والمنسوجات وفضلات الطعام وما إلى ذلك التي تستقر في مدافن النفايات وتنتج انبعاثات الكربون، نشأت شراكات بين المؤسسات الكبرى مثل Shell وأمريكان اكسبريس وAccenture لعمل قاعدة بيانات لتتبع الطلب على الوقود المستدام وتشجيع الاستثمارات في هذا المجال.
نوع أخر من التقنيات هو تحويل الوقود الحيوي من الطحالب التي تنمو في البحر مثل العوالق النباتية والنباتات الكبيرة إلى زيوت مفاعلات حيوية ضوئية، لأنها قد تكون أقل تكلفة وتَشغَل مساحة أقل من مزارع الوقود الحيوي التقليدية، وثَبُت أنها أكثر كفاءة كمصدر للطاقة عن الإيثانول والديزل الحيوي المستخرج من محاصيل مثل القمح والذرة وفول الصويا وقصب السكر، بالإضافة الى أن الطحالب لا تتطلب مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، بل وتنمو في مياه الصرف الصحي والمياه المالحة، وبمعدلات أسرع من المحاصيل اللازمة للوقود الحيوي التقليدي، ومع ذلك فمازالت في الوقت الحالي باهظة الثمن.
تعمل فرق بحثية كذلك في مجال إعادة استخدام النفايات ومياه الصرف لتوليد الكهرباء للمساعدة في التخفيف من مشكلة النفايات والاعتماد على مصادر أخرى غير متجددة لإمداد الكهرباء، مثل حرق النفايات واستعمال الحرارة لإنتاج البخار اللازم لإشعال التوربينات الكهربائية، وتوليد الكهرباء. لكنها في الوقت نفسه تُنتج انبعاثات عالية وغازات سامة. والطريقة الأخرى هي تقطير المياه النظيفة من مياه الصرف الصحي، ثم حرق النفايات الحيوية المتبقية لتشغيل التوربينات، مما ينتج حوالي 200 جالون من الماء من كل طن من النفايات، لكن لا تزال هذه التقنية قيد البحث للتأكد من مدى ملاءمة المياه لإعادة الاستخدام.
وأخيراً، نظراً لأن %91 من جميع المواد البلاستيكية التي تم تصنيعها على الإطلاق لم يتم إعادة تدويرها، أشارت بعض الدراسات أن الطرق البلاستيكية المصنوعة من المواد البلاستيكية المستعملة أو الممزوجة بها قد تكون أكثر متانة ويمكنها تحمل التقلبات الكبيرة في درجات الحرارة وأضرار المياه والحفر. وبالفعل قامت الهند منذ ذلك الحين بتركيب أكثر من 60 ألف ميل من الطرق البلاستيكية بينما تكتسب هذه التقنية زخمًا في دول مثل بريطانيا وهولندا، ولحقتهم فيتنام، وغانا التي تسعى حتى عام 2030 لإعادة تدوير واستخدام أكبر كمية من النفايات البلاستيكية تُقدر بحوالي 1.1 مليون طن.