12.6 مليار دولار هي القيمة السوقية لـ 830 لاعباً يشاركون مع منتخباتهم البالغ عددهم 32 منتخباً، في نسخة كأس العالم قطر 2022 والتي تقام للمرة الأولي على أراضٍ عربية. كرة القدم لا تتوقف عند إمتاع عاشقيها وإثارة حماسهم، وإنما أضحى لها بعد اقتصادي يزداد أهمية يوماً بعد يوم. ثلاثة تساؤلات إذن يُجاب عليها توالياً وهم: ما هو تصنيف المنتخبات المشاركة من حيث قيمة لاعبيها السوقية، وما هي معايير تحديد القيمة السوقية للاعبي كرة القدم، وأخيراً هل هناك علاقة طردية بين حجم اقتصاد الدول والقيمة السوقية للاعبيها بحيث ترتفع الأخيرة كلما كانت الدولة مرتفعة الدخل؟
في الإجابة على التساؤل الأول، فإنه بتحليل بيانات ترانسفير ماركت “Transfermarkt” التي ترصد القيّم السوقية للاعبي العالم بصفة دورية مضطردة، يتبين أن المنتخب الإنجليزي حلّ في المرتبة الأولى من حيث القيمة السوقية للاعبيه المشاركين في نسخة كأس العالم قطر 2022 بما مجموعه 1.29 مليار دولار، تلاه المنتخب البرازيلي المقوم لاعبيه بما قيمته 1.17 مليار دولار، ثم جاء في المرتبة الثالثة المنتخب الفرنسي حامل لقب النسخة الماضية لكأس العالم 2018 بقيمة سوقية للاعبيه بلغت 1.02 مليار دولار، ليستأثر نادي المليار دولار فيما فوق على هؤلاء المنتخبات الثلاثة دون غيرهم من المنتخبات المشاركة الأخرى. كما هو موضح بالجدول رقم(1).
ثلاثة منتخبات أخرى قلّت القيمة السوقية للاعبيها عن مليار دولار وزادت على 900 مليون دولار، وهم البرتغال وألمانيا وإسبانيا، ليُصنّفوا الرابع والخامس والسادس بما مقداره 965.1 و912 و903.3 ملايين دولار على التوالي.
تذيّلت القائمة 6 دول من بينها 3 دول عربية، وهم قطر التي حلّت في المرتبة الأخيرة بقيمة سوقية للاعبيها بلغت 6.1 ملايين دولار، والسعودية التي جاءت في المرتبة الـ30 بقيمة سوقية 17.4 مليون دولار، وتونس التي وقعت في الترتيب الـ 27 بقيمة سوقية بلغت 58.8 مليون دولار، غير أن أعلى دولة عربية من حيث القيمة السوقية للاعبيها هي المغرب التي جاءت في المرتبة الـ 17 بقيمة سوقية قدرها 248.3 مليون دولار.
وقارياً استحوذت أوروبا على نصيب الأسد من حيث عدد المنتخبات المشاركة وعددها 13 منتخبا بحسب قواعد الفيفا، كذلك من حيث القيمة السوقية لهم والتي بلغت 8.1 مليارات دولار، لحقتها قارة أمريكا الجنوبية إذ شاركت بـ 4 منتخبات فقط بقيمة سوقية قدرها ملياران و450 مليون دولا، ورغم مشاركة القارة الأفريقية بمجموع 5 منتخبات إلا أن القيمة السوقية لهم لم تتجاوز مليار دولار أي أقل من قارة أمريكا الجنوبية بمرة ونصف، وفي الترتيب قبل الأخير حلت قارة أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي بقيمة سوقية لمنتخباتها الأربعة المشاركة بلغت 669 ملايين دولار، وجاءت قارة آسيا متذيلة الترتيب بما قيمته 425 ملايين دولار لمجموع منتخباتها الخمسة المشاركة. كما هو موضح بالجدول رقم(2).
أما بخصوص الإجابة على التساؤل الثاني والمتعلق بكيفية تسعير لاعب أو معايير تحديد القيمة السوقية له، فإن ذلك مرجعه عدة عوامل أهمّها صِغر سِن اللّاعب، وثبات مستواه مع فريقه ومنتخب بلاده كل بحسب مركزه، كذلك مُعدل ارتكابه للأخطاء، وعدد دقائق مشاركاته، والاستمرارية في العطاء والمساعدة، ويظهر هذا بجلاء إذا عقدنا المقارنة بين القيمة السوقية لـ”كليان امبابي” اللاّعب الفرنسي ذو الـ23 عاماً المقوّم بـ 160 مليون يورو والذي سجل 28 هدفاً مع منتخبه في 59 مباراة دولية، و”ليونيل ميسي” اللاعب الأرجنتيني ذو الـ35 عاماً، والحاصل على جائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم 7 مرات، المقوم بـ 50 مليون يورو فقط والذي سجل 91 هدفاً وهو أكثر بـ 3 مرات عمّا سجله نظيره الفرنسي من أهداف في 165 مباراة دولية شارك فيها الأرجنتيني في المقابل تقِل قيمته السوقية بنحو أكثر من 3 أضعاف عن الفرنسي، فالتاريخ الحافل بالبطولات للاعب ما وألقابه العالمية الفردية والجماعية لا يعد بشكل قطعي أحد العوامل والمعايير التي تُحدد القيمة السوقية له وإنما حجم عطائه المستقبلي.
أما بخصوص العلاقة بين حجم اقتصاد الدولة والقيمة السوقية للاعبيها، وهو إجابة التساؤل الثالث، فلا يُمكن الجزم بكونها علاقة طردية، وإلا ستكون أعلى قيمة سوقية حكراً للاعبي الدول مرتفعة الدخل دون سواها وهو ما يخالف الواقع، فعلى سبيل المثال تتسيّد الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاد العالم بناتج محلي إجمالي يقارب 23 تريليون دولار، نصيب الفرد الواحد منه 61 ألفاً و280 دولار في عام 2021 بحسب البنك الدولي، غير أن ذلك لم ينعكس على القيمة السوقية للاعبيها المشاركين في مونديال 2022 والتي بلغت 285.7 مليون دولا فقط لتحتل بذلك الترتيب الخامس عشر. والوضع ذاته ينطبق على كندا اذ يستحوذ الفرد الواحد فيها على ما مقداره 47 ألفا و903 دولار من الناتج المحلي الإجمالي بينما تحتل المرتبة الـ 20 في قائمة الدول المشاركة في كأس العالم من حيث القيمة السوقية للاعبيها والتي بلغت 189 ملايين دولار فقط.
في المقابل ترتفع القيمة السوقية للاعبي البرازيل المصنفة ثانياً في الترتيب إلى 1.17 مليار دولار بينما لم يتجاوز نصيب الفرد الواحد 15 ألف دولار من الناتج المحلي الإجمالي لها، وهو أقل من نصيب الفرد في الولايات المتحدة بأربع مرات. والوضع ذاته ينطبق على الأرجنتين التي تبلغ القيمة السوقية للاعبيها 664.5 ملايين دولار بينما تحل بتلك القيمة الترتيب السابع، بينما لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي فيها عن 22 ألف دولار في عام 2021. فضلاً عن ذلك فإن روسيا والصين وايطاليا وهي دول تنتمي إلى فئة البلدان كرتفعة الدخل بحسب البنك الدولي لم تتأهل لكأس العالم في المقابل تأهلت كل من صربيا والمغرب والسنغال وغانا والمكسيك وجميعها دول تصنف ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
أخيراً القيمة السوقية للاعبي كرة القدم ليست ثابتة ولا دائمة بل تتأثر بظروف كل لاعب ولا يدخل ضمن معايير تحديدها حجم اقتصاد دولة جنسيته، بل تظل مرتبطة بمدى قدرته على تنمية موهبته والالتزام بتطوير ذاته في سن مبكره حتى يكون مؤثراً جاذبا أنظار العالم تجاهه.