خلال السنوات الست الماضية، تمكنت جمعيات الهلال والصليب الأحمر الدوليين من الوصول الي ما يربو علي 131 مليون ونصف مليون إنسان حول العالم، والتعامل معهم بإجراءات وطرق ذكية تستهدف الحد من مخاطر الكوارث التي واجهها أو يتوقع أن يواجها مستقبلا، بما ينقذ الأرواح ويساهم في تقيل حجم المخاطر ومستوي الضرر الذي قد تسببه الأزمة، وفي غضون هذه السنوات بلغ نشاط الجمعيات ذروته في العام 2020، الذي أمكن خلاله الوصول الي نحو 40 مليون إنسان، وإفادتهم في مجال الحد من مخاطر الكوارث علي نحو أو آخر.
ظهرت سياسة “الحد من مخاطر الكوارث” كتطوير وتحسين للعديد من السياسات القائمة علي الساحة في مجال الإغاثة والعمل التطوعي الإنساني عالميا، والتي كان معظمها يركز علي الاستعداد للكوارث، مثل السياسة التي كان يعمل بها الاتحاد الدولية للجمعيات غير الحكومية منذ العام 1999، وسياسات الاستجابة لحالات الطوارئ التي ظهرت في العام 1997، وسياسة إعادة التأهيل بعد الطوارئ التي ظهرت في العام 1999، وسياسة ربط الإغاثة بالتأهيل والتنمية التي ظهرت في العام 2001.
طبقا للتعريف الذي وضعه الاتحاد فإن سياسة ” الحد من مخاطر الكوارث” تغطي النهج المتبع حاليا في التعامل مع جميع أنواع الكوارث، في جميع السياقات، بما في ذلك الحالات الهشة والمطولة وحالات الصراع، في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. وهو يشجع النهج المتكامل بحيث يتم النظر في جميع مراحل استمرارية إدارة مخاطر الكوارث معًا بطريقة متماسكة، وتنطلق هذه السياسة من فكرة أساسية، وهي أن الحد من مخاطر الكوارث بطريقة ذكية ينقذ الأرواح عن طريق الحد من حجم المخاطر التي يواجها الناس ومستوى الضرر الذي قد تسببه الأزمة، ويمكن أن يساعد المجتمعات على الاستعداد بفعالية للمخاطر الطبيعية والتعامل معها.
من أجل معرفة حصاد هذه السياسة، أو مدي ما حققته علي أرض الواقع، تتبع مركز جسور البيانات الأولية الخاصة بأنشطة الجمعيات المنضوية تحت الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدوليين، خلال فترة تطبيق هذه السياسة من العام 2016 وحتي العام 2021، وذلك وفق عدد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم من قبل الهلال والصليب الأحمر الدوليين، وتبين أن جهود الجمعيات التابعة للهلال والصليب الأحمر الدوليين اسفرت عن الوصول بهذه السياسة الي ما يربو علي 28 مليونا و400 الف شخص في العام 2016، وهو العام الأول في البيانات المتوفرة عن فترة تنفيذ هذه السياسة، وفي العام التالي هبط الرقم بمعدل يزيد علي النصف أو تحديدا 56%، بعدما تراجع الي 12 مليونا و590 الف شخص، لتحدث انتعاشه ملحوظة في العام التالي 2018، وتتمكن الجمعيات من توسيع قاعدة المستفيدين بأعمالها، حيث حدث نمو سنوي مقداره 76% في عدد من وصلت اليهم سياسات وخدمات الحد من مخاطر الكوارث، وذلك مقارنة بالعام 2017.
في العام التالي 2019 حدثت انتكاسة جديدة في حصاد ونتائج سياسة الحد من مخاطر الكوارث، حيث تراجع عدد من وصلتهم انشطة هذه السياسة عالميا الي نحو 18 مليون شخص عالميا، بتراجع مقداره نحو 18% عن العام 2018، أما العام 2020 فكان هو عام الذروة والأعلى علي الإطلاق من حيث حجم الانشطة والأعمال الجارية عالميا، وهو ما ترتب عليه قفزة كبري مفاجئة في أعداد من تم الوصول اليهم، يدل علي ذلك أن معدل النمو السنوي في هذه الأعداد بلغ 39% مقارنة بالعام 2019، ومن حيث الارقام ارتفع الرقم الي ما يربو على 34 مليون و800 الف شخص حول العالم، بيد أن هذا النجاح والانتشار الكبير لم يدم كثيرا، حيث حدثت انتكاسة ثالثة وحادة في العام 2021، هبطت بالأعداد الي ما يناهز الـ 15 مليونا و400 الف شخص، بمعدل نمو سلبي بلغ سالب 56% مقارنة بالعام 2020.
جغرافيا .. كشفت البيانات أن جهود سياسة الحد من مخاطر الكوارث تركزت بالأساس في إفريقيا خلال السنوات الست محل الرصد، التي حظيت بأكثر من ثلث هذه الجهود عالميا، وكان نصيبها من أعداد المستفيدين يزيد علي 47 مليونا و400 الف شخص، يشكلون نسبة قدرها 36.1% من الإجمالي العالمي، فيما جاءت منطقة آسيا والمحيط الهادي في المركز الثاني بنصيب 20.1%، وما يربو قليلا على 26 مليون و300 الف شخص، وفي المركز الثالث جاءت منطقة أوروبا وآسيا الوسطي بحصة قدرها 18.6%، ونحو 24 مليون و500 الف شخص، ووفي المرتبة الرابعة جاءت منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بحصة قدرها 13.5%، ونحو 17 مليون و800 الف شخص، وفي المرتبة الاخيرة جاءت منطقة الأميركيتين بحصة 11.7% وما يربو قليلا علي 15 مليونا و300 الف شخص.
تشير البيانات إلي أن إفريقيا كانت هي المنطقة التي شهدت اكبر حالة تذبذب وعدم استقرار في المعدل السنوي لعدد المستفيدين خلال فترة الرصد، ففي العام 2016 كان عدد من وصلت اليهم خدمات الهلال والصليب الأحمر الدوليين تقدر بما يناهز 7 ملايين شخص، وفي العام التالي هبطت هذه الاعداد الي ما دون الثلاثة ملايين، ثم تحرك الرقم تحركا طفيفا في العام 2018 ليتجاوز الثلاثة ملايين بقليل، وبعدها قفز الرقم قفزتين متتاليتين كبيرتين، كانت الاولي في العام 2019 حينما ارتفع العدد بما يزيد علي الضعف ويبلغ نحو 8 ملايين و300 الف شخص، والثانية في العام 2020 حينما قفز قفزته الأكبر علي الإطلاق وكسر حاجز الـ 20 مليون و600 الف شخص، قبل ان يهوي بصورة صارخة في العام 2021، ويصل إلي ما دون نقطة البداية في العام 2016 بنحو مليون شخص، ويصبح 5 و400 الف شخص تقريبا.
يتبين من الإحصاءات السابقة أن حصاد تطبيق هذه السياسية متذبذب وغير مستقر الي حد بعيد، سواء في مساره الزمني أو انتشاره الجغرافي، مما يدفع الي القول بأنها سياسة في مراحل نضجها الأولى ولم تحقق بعد مستوى الاستقرار المأمول لها، علي الرغم كونها تمثل تطويرا مهما في سياسات الإغاثة والتعامل مع الكوارث، والمرجح أن هذه الوضعية لها ارتباط بطبيعة الكوارث الطبيعية التي حدثت او توقع حدوثها خلال هذه السنوات، وحجم التمويل والاجراءات التنظيمية واللوجستية للعمل علي الأرض.
الرئيسية نشرة رقم عدد سبتمبر 2023