تشير بيانات جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر المنتشرة في جميع أنحاء العالم إلى أنها كانت ولازالت في حالة ازدياد مستمر ومضطرد، حيث تضاعفت أعدادها ما يقرُب من 5 مرات في 13 عاماً بين 2009 و 2021، ليتجاوز 4030 جمعية في العام الأخير من فترة الرصد، بعد أن كان عددها 882 جمعية فقط في عام 2009.
تُقدّر نسبة الزيادة في عدد جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر بـ 480%، وإن كانت هذه القفزة لم تحدث في سنة واحدة وإنما على مدار الـ13 عاماً، إذ أُضيف عدد كبير من الجمعيات سنويا بشكل مُتتابع، ولم تكن تلك الزيادة بوتيرة واحدة أو بنسب متساوية سنوياً، ففي عام 2010 بلغ إجمالي عدد الجمعيات 1848 قبل أن تصفي بعض هذه الجمعيات أعمالها في عام 2011 ليتخارج ما يقرب من 693 جمعية ويهبط إجماليها إلى 1155 جمعية فقط، ثم تضخم عدد الجمعيات ليحقق أكبر قفزة له في فترة الرصد ويبلغ 3969 جمعية في عام 2012، ثم ظلّت في استقرار نسبي مع زيادات طفيفة سنوية حتى عام 2021 الذي بلغ فيه عدد الجمعيات في 191 دولة 4032 جمعية بحسب بيانات الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (FDRS). كما هو موضح بالشكل رقم (1).
لا شك أن زيادة أعداد جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر أمراً محموداً، لما تضطّلع به من دور حيوي في تقديم المساعدة الإنسانية والرعاية الصحية والإغاثة في حالات الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والأعاصير والجفاف، إذ تساعد في توزيع المواد الغذائية والمياه والأدوية وتقديم الرعاية الطبية للمصابين على مستوى العالم، فضلًا عن توفير الرعاية الصحية الأساسية والخدمات الطبية للمحتاجين وبخاصة في المناطق النائية بما في ذلك العناية الطبية الأولية، والتطعيمات، ورعاية الأمومة والطفولة، والرعاية النفسية. وغيرها من وسائل المساعدة والتي يكون الناس في اشد الحاجة إليها في أوقات الكوارث الطبيعية.
وعلى مستوى المناطق الجغرافية تركّزت جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة أوروبا وآسيا الوسطى بمجموع 12663 جمعية، تلتها في الترتيب أفريقيا بمجموع 10731 جمعية، لتستحوذ هاتين المنطقتين على ما يجاوز 53% من مجموع جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في العالم، وحلّت في الترتيب الثالث منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمجموع 8442 جمعية، ورابعًا جاءت منطقة الأمريكتين بمجموع 8085 جمعية، وتذيلت الترتيب بفارق كبير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي لم تستحوذ سوى على 3927 جمعية فقط لا غير.
يُلاحظ من خلال استقراء البيانات أعلاه أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أقل عدد من جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على الرغم مما تمُر به هذه المنطقة من صراعات واضطرابات وقلاقل فضلاً عن الكوارث الطبيعية كالزلازل والأعاصير، ولعلّ أصرخ مثال على ذلك ما شهدته ليبيا من إعصار “دانيال” مطلع سبتمبر 2023 الذي خلّف قرابة 3753 قتيلاً في درنة التي غمرتها المياه عن بكرة أبيها ولازالت أعداد القتلى في ازدياد حتى كتابة هذه السطور، كذلك زلزال المغرب الذي أودى بحياة أكثر من 2900 إنساناً، وألحق أضراراً لنحو 59674 منزلاً في 2930 قرية، يسكنها 2.8 مليون نسمة، وتجدُر الإشارة إلى أن هناك دولاً عربية أخرى عُرضة للنشاط الزلزالي، منها اليمن وجيبوتي والصومال في منطقة خليج عدن، وهي منطقة نشاط زلزال (أقل درجة من المغرب). كذلك تُعد مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والأردن، بمنطقة حزام الزلازل. وهو أدعى أن تتّسع أعداد ونشاطات جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نظراً لحجم الاحتياجات الإنسانية فيها.
بيد أن هناك علاقة طردية بين فعالية ونجاعة جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر وأعداد المتطوعين فيها، حيث أن زيادة أعداد المتطوعين يؤدي بالتبعية إلى زيادة قُدرة الجمعيات على تقديم الخدمات الإنسانية بشكل أكثر فعالية. وتُشير البيانات إلى أن عدد المتطوعين تضخّم بالتزامن مع زيادة أعداد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عالمياً، ليبلُغ عددهم أكثر من 319 مليون متطوعاً في عام 2021 بينما لم يكُن يتجاوز عددهم 55 مليون متطوعاً في عام 2009 أي بزيادة مقدارها 600% تقريباً في 13 عاماً، والمتطوعون هُم وقود العمل الإنساني الذي يقدمه جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر لما يُقدمونه من خدمات ومُساعدات وتضحية بأوقاتهم لصالح هذه الجمعيات وبشكل مجاني. في المُقابل يوفر التطوّع في جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر فرصة لتعلم مهارات جديدة وتطوير شخصيات المتطوعين.
وعلى مستوى المناطق الجغرافية استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على أكبر نسبة من المتطوعين في جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر بما نسبته 58.4% من إجمالي المتطوعين في العالم، ويرجع ذلك إلى تمتعها بأعلى كثافة سكانية في العالم، حيث يعيش فيها أكثر من 4.5 مليار نسمة، فضلاً عما تواجهه من التحديات الإنسانية، مثل الكوارث الطبيعية والنزوح والأمراض وهذا يخلق حاجة كبيرة للخدمات الإنسانية. استحوذت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على ما نسبته 12.7% من إجمالي المتطوعين لتحل في الترتيب الثاني، وتلتها في الترتيب منطقة أوروبا وآسيا الوسطى 12.4% ثم منطقة أفريقيا 11.3%، واستحوذت منطقة الأمريكتين على أقل نسبة من المتطوعين عالميا بما نسبته 4.9% فقط. كما هو موضح بالشكل رقم (2).
يتضح مما سبق أن هناك مجموعة من العوامل تؤثر بلا شك في تركيز جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر في منطقة جغرافية معينة دون سواها، لعلّ من أهم تلك العوامل مدى الاستجابة الحكومية حيث قد تعتمد الحكومات على جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الوطنية لتنفيذ وتنسيق العمل الإنساني، مما يؤدي إلى زيادة عددها في تلك المناطق. كذلك حجم الدعم المُقدم من تلك الحكومات في بعض الأحيان، تتلقى بعض الجمعيات دعمًا ماليًا كبيرًا من الحكومات أو المنظمات الدولية أو الجهات الخاصة، مما يسمح لها بتوسيع نطاق عملها وتأسيس فروع جديدة في مناطق جغرافية معينة. تُساهم كذلك الثقافة المجتمعية في زيادة أعداد جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر في منطقة جغرافية دون الأخرى وبخاصة تلك التي تعتبر أن العمل الإنساني والتطوع قيمة مجتمعية مهمة ومشروعًا اجتماعيًا، مما يدفع إلى تأسيس المزيد من الجمعيات.