ساد الاعتقاد في فترات تاريخية عديدة بأن تعاطى المخدرات ثم الإدمان عليها هي كارثة ذكورية بالأساس، أي يقبل عليها كثير من الرجال وقليل من الإناث، لكن بيانات التقرير الأخير حول تعاطى وإدمان المخدرات عالمياً يكشف بوضوح أن الأمر لم يعد كذلك، وأصبح التعاطي والإدمان كارثة يقبل عليها الطرفان معاً، بفجوة طفيفة، تضيق وتتسع من عام لآخر، حيث ينتشر التعاطي بين نحو 18% من الذكور مقابل 13% من الإناث عالمياً، بفارق يبلغ 5% كمتوسط عام خلال الفترة من 2016 الي 2021، التي بلغت فيها هذه الفجوة ذروتها في عام 2017 حينما كانت 9.1%، وهبطت لأدني مستوي لها في العام 2019 حينما بلغت 5.9%، وعلي الرغم من هذه الفجوة في نسب الانتشار، إلا أن الطرفين يشتركان في الميل إلى تعاطي نوعين من المخدرات أكثر من غيرهما وهما “القنب” ومشتقاته كالحشيش والماريجوانا وزيت القنب، و”المهدئات والمنومات” بأنواعها، وإن كانت المهدئات والمنومات تنتشر بين الإناث أكثر من الذكور.
عند تتبع البيانات الخاصة بمستويات الانتشار بين الذكور والإناث علي نحو تفصيلي، يتبين أن متوسط انتشار تعاطي أهم 9 أنواع من المخدرات عالمياً بلغ ما نسبته 18.3% للذكور مُقابل 12.8% للإناث من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا خلال الفترة من 2016 إلى 2021، وفق أحدث بيانات لمكتب المخدرات والجريمة بالأمم المتحدة(UNODC).
تفاوتت نِسَب تعاطي المخدرات بين الذكور والإناث في كل سنة من سنوات الرصد الستة، ففي عام 2016 انتشر التعاطي بين 23.1% للذكور عالمياً مقابل 16.5% للإناث، وهو العام الذي يُعد الأكثر انتشاراً في تعاطي المخدرات بالنسبة للذكور مُقارنة بالأعوام الخمسة الأخرى، ثم تراجعت نسب التعاطي تدريجياً بوتيره بطيئة في الأعوام الثلاثة اللاحقة لتسجل في 2017 ما نسبته 22.9% للذكور مقابل 13.8% للإناث، وفي 2018 انتشر التعاطي بين الذكور بنسبة أقل وهي 21.6% أما الإناث كانت 14.3%، ثم وصلت نسبة التعاطي لأدنى مستوى لها في 2019 لتبلغ 19.3% للذكور مقابل 13.4% للإناث، قبل أن تقفز مجدداً في 2020 مُسلجة 23% للذكور مقابل 16.6% للإناث وهي النسبة الأعلى انتشارا في تعاطي المخدرات بين الإناث في فترة الرصد.
هبطت نسبة انتشار التعاطي مجدداً في العام الأخير من أعوام الرصد وهو 2021 لتصل إلى 15.6% للذكور مقابل 8.7% للإناث، علماً بأن هذا الانخفاض الحاد في نسب التعاطي في العام الأخير كان مقروناً بعدم رصد بيانات لنوعين من المخدرات وهما (الافيونات الصطناعية أو شبه الاصطناعية – المنشطات الطبية). كما هو موضح بالجدول رقم(1).
يُلاحظ بناء على البيانات أعلاه أن نِسب انتشار تعاطي المخدرات تراجعت بين الذكور والإناث معاً نحو 4 مرات مُقابل صعود واحد فقط في عام 2020، ولعلّ هذا الصعود يرجع إلى تزامنه مع جائحة كورونا التي تسببت في زيادة التوتر والضغوط النفسية على الأفراد نظراً للتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية ما قد يلجأ معه البعض إلى المخدرات كوسيلة للتعامل مع هذه الضغوط والقلق، والخروج من هذا الواقع الصعب. يُضاف إلى ذلك العزلة الاجتماعية التي فرضتها إجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي خلال الجائحة ما قد يدفع البعض ويحثّ همتهم نحو تجربة المخدرات كوسيلة للتسلية أو ملء الفراغ من ناحية، أو زيادة الوقت المُخصص للتجربة والتعاطي من ناحية أخرى. كذلك قد يستخدم المتعاطون المخدرات ملاذاً للهروب من الواقع القاسي أو للتعامل مع صعوبات مالية تسببت فيها جائحة كورونا لاسيما فقدان الوظائف والتضخم وتدهور الدخل بالنسبة للأفراد.
تُشير البيانات كذلك إلى أن الفجوة بين نِسبة المُتعاطين الذكور والإناث تتسع وتضيق في كل سنة على حدة، إذ شَهِد عام 2017 فجوة كبيرة بين الجنسين بلغت 9.1%، تلاها عام 2018 الذي كان الفجوة فيه بين المتعاطين من الجنسين 7.3%، في المقابل بلغ أقصى انكماش لهذه الفجوة في عام 2019 بنسبة قدرت 5.9% فقط. كما هو موضح بالشكل رقم(1)
يُلاحظ مما سبق أن الذكور أكثر عرضه لإدمان المخدرات من الإناث، حيث إن التعاطي مرحلة مبكرة تسبق الإدمان، والتي لا يزال فيها الفرد قادراً على التوقف عنه والتخلص منه بسهولة. غير أن التعاطي المتكرر والمستمر ينزلق به الفرد إلى إدمان، والذي يشير إلى الحالة التي يتعاطي فيها الأشخاص المخدرات بشكل مفرط وغير قابل للسيطرة نتيجة التوتر الشديد والتعلق العقلي والجسدي بالمخدرات.
يميل الذكور والإناث بحسب البيانات إلى تعاطي نوعين من المخدرات أكثر من غيرهما وهما “القنب” ومشتقاته كالحشيش والماريجوانا وزيت القنب، و”المهدئات والمنومات” بأنواعها. إذ بلغ متوسط انتشار تعاطي القنب ومشتقاته عالمياُ إلى ما نسبته 9.1% للذكور مقابل 4.7% للإناث من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا خلال الفترة من 2016 إلى 2021، ليستحوذ على نصيب الأسد مقارنة بكافة أنواع المخدرات الثمانية الأخرى، ولعلّ مردّ ذلك ما شهدته بلدان عدّة من تحوّل عن تجريم تعاطي أو حيازة أو المتاجرة في القنب ومشتقاته في تشريعاتها، ليصبح استخدامه ليس مقنن فقط للأغراض الطبية، وإنما للأغراض الترفيهية كذلك. هذا التغيير في التشريعات خلق سوقًا قانونيًا للمنتجات المشتقة من القنب، مما أدى إلى زيادة سهولة الوصول إليها وتوفرها من ثم زيادة انتشاره بين الذكور والإناث.
أما بخصوص المهدئات والمنومات كثاني أكثر أنواع المخدرات ذيوعاً بين المتعاطين انتشر تعاطيها بين الإناث أكثر من الذكور على خلاف المُعتاد، حيث نشط انتشارها بين الإناث بنسبة متوسطها 3.5% مقابل 2.6% فقط للذكور في سنوات الرصد الستة. وربما يرجع ذلك إلى ما قد يواجه الإناث من ضغوطًا اجتماعية أكبر، مثل التوتر الأسري، والتحمل المزدوج بين الأعمال المنزلية والعمل الوظيفي، والتواصل الاجتماعي المكثف، لذا يضطرد انتشار المهدئات والمنومات بالنسبة للإناث كلما تراكمت هذه الضغوط الاجتماعية.
على العكس من ذلك استحوذت “الافيونات الاصطناعية وشبه الاصطناعية” من ناحية و”الافيونات المشتقة من الخشاش” من ناحية أخرى، على أقل نسبة في الانتشار بين الذكور والإناث مقارنة بأنواع المخدرات الأخرى، إذ يتعاطى 0.6% من الذكور و0.4 من الإناث على النوع الأول من الأفيونات، بينما يتعاطى 0.2% من الذكور و0.1% من الإناث النوع الثاني من الأفيونات، نظراً لانحسار استخدامهما في العلاجات الطبية فقط ما يجل الوصول إليها يتسم بقدر كبير من الصعوبة بالنسبة للأفراد العاديين.
تجدُر الإشارة أخيراً إلى أن التعاطي والإدمان لا يقتصران على المخدرات فحسب وإنما تشمل كل ما يعتاده الإنسان، فهي سيكلوجية تتطلب جهد لتفسيرها والوقوف على أسبابها لإمكان معالجتها، حتى لا يكون الإنسان سجين عاداته ويصبح عبدًا لها بدلاً من أن يكون هو المتحكم فيها.