عند النظر إلى التوزيع الجغرافي لوفيات الحروب عبر الثلاثين عاما الأخيرة، يتبين للوهلة الأولى إلي أن 52% من وفيات الحروب تقع في افريقيا تحديدا جنوب الصحراء الكبرى، و20 % منها بمنطقة الشرق الأوسط، و17 % بمناطق اقل نموا بآسيا واوقيانوسيا، وحاصل جمع هذه الأرقام يقول أن 89% من الوفيات تتركز في هذه المناطق الأقل نموا واكثر فقرا، أي أن الوفيات تزداد كثافة وتركزا في المناطق النامية والأقل نموا والأكثر فقرا، وتخف كثافتها وتركزها بالمناطق المتقدمة والأكثر نموا والأكثر غنى، أو ما يعني بعبارة أخرى أن الأغنياء والأكثر تقدما يصنعون أو يشاركون في صنع الحروب أو في احسن الأحوال يتفرجون عليها، بينما يكتوي بنارها الفقراء والأكثر تخلفا وأقل نموا.
اعتمد جسور في رصد التوزيع الجغرافي لوفيات الحروب علي قاعدة مشروع ” العالم بالبيانات أو our world in data، التي يبدو أن بياناتها تختلف اختلافا واضحا عن بيانات قاعدة بيانات الوفيات بمنظمة الصحة العالمية، ربما لاختلاف منهجيات التجميع والرصد والتحليل، وتقدر بيانات ورلد داتا أن وفيات الحروب خلال الأعوام الـ 33 الأخيرة، الممتدة من 1989 الى 2022 قد تجاوز قليلا الـ 3 ملايين انسان، على مستوي المناطق الجغرافية الخمس وهي بالترتيب التنازلي أفريقيا، الشرق الأوسط، آسيا وأوقيانوسيا، أوروبا، أمريكا، وبلغت الوفيات ذروتها عام 1994 الذي شهد وحده ما يقرب من 823 ألف قتيل، أي حوالي 25٪ من إجمالي وفيات الحروب خلال الفترة المشار إليها، فيما شكلت افريقيا اشد المناطق كثافة وتركزا لوفيات الحروب، حيث زاد نصيبها من الوفيات علي نصف وفيات الحروب في العالم اجمع.
تشير البيانات التفصيلية إلي أن أفريقيا تأتي على رأس القائمة، بوفيات بلغت و730 ألف و359 إنسان، أي 52٪ من إجمالي الخمس قارات ، من بينهم 791 ألف و155 قتيل عام 1994 فقط، وهو ما يعادل 45٪ تقريباً من إجمالي القتلى في قارة أفريقيا من 1989 الى 2022، وحوالي 96٪ من إجمالي ضحايا حروب العالم عام 1994. أما عام 2022 وهو الثاني من حيث عدد الضحايا على مستوى قارة إفريقيا فقد سجل 125 ألف و600 قتيل وقد شهد العديد من الصراعات السياسية الداخلية والاحتجاجات المسلحة متمثلة في الصراعات المستمرة وأعمال العنف في الكونغو الديموقراطية وتشاد وبوركينا فاسو و النيجر و مالي و نيجيريا. وبشكل عام اتسمت القارة بأنها أرض الصراعات التي لا تنتهي والمستمرة على مدار السنوات، فإن الأرقام تشير أن الصراعات منذ تسعينيات القرن الماضي طويلة ومتأججة دائما سواء الحرب الأهلية الرواندية التي استمرت من 1990 الي1993 ومثيلتها في جيبوتي من 1991 الى 1994 وفي بوروندي من 1993 الى 2005، وحركات التمرد في اثيوبيا من 1995 ، وحروب الكونغو منذ 1996 المستمرتان حتى وقتنا هذا، والحرب الأهلية في ساحل العاج من 2002 حتي 2007، وجميعها علي سبيل المثال لا الحصر.
بينما المنطقة الثانية في الترتيب وهي منطقة الشرق الأوسط، فإنها لم تتعدى نصف أعداد القتلى في أفريقيا، حيث بلغت 653 ألف 621 شخص أي حوالي 20% من إجمالي المتوفين على مستوى المناطق الجغرافية وهي المنطقة التي شهدت على مدار أعوام -ومازالت- العديد من الاضطرابات السياسية والصراعات الإقليمية والثورات المحلية خاصة خلال العشرين سنة الماضية مثل العراق وسوريا واليمن وفلسطين والسودان وليبيا والصومال. لكن عام 2012 بشكل عام كان الفارق من حيث بداية الصعود الحاد لقتلى الحروب في المنطقة، فقد قفزت الأرقام الى 58 ألف شخص في حين كانت 7.8 ألف قتيل عام 2011 أي بزيادة قدرها 13%، تقريباً، واستمرت الزيادة في الارتفاع الحاد حتى وصلت لقمتها عام 2014، ثم عاودت الهبوط الضئيل عام 2015 وبلغت 80 ألف قتيل وتدرج الانخفاض حتي وصل للأعداد المألوفة في المنطقة وهي 6 الاف عام 2022.
وقد كان أبرز عدد للضحايا في العراق عام 2010 والذي قدر بنحو 100 ألف قتيل، و2023، بالإضافة الى 160 ألف أخرون بين عامي 2013 و2017. وتراوح عدد الضحايا في سوريا بين 700 ألف و900 ألف ما بين عامي 2011 و2017، بينما قتل خلال عام 2014 فقط نحو 76 ألف شخص. أما في اليمن فقد قُتِل حوالي 150 ألف شخص بين عامي2015-2019، بإجمالي 377 ألف شخص من عام 2011 حتى عام 2021. بينما تشير الكثير من البيانات أن الحرب الأهلية في السودان أسفرت عن حوالي 2 مليون شخص بين عامي 1983 و2005. في حين أن حرب الخليج 1990-1991 خلفت ما بين 40 ألف الى 57 ألف قتيل.
جاءت بعدها منطقة آسيا وأوقيانوسيا التي سُجِل عدد المتوفون بها 571 ألف و516 قتيل بنسبة 17% من الإجمالي، حيث تأججت الحروب والصراعات الأثنية والعرقية خاصةً تلك التي يعيشها شعب “بورما”-ميانمار حتي اليوم، والتي قُدر عدد الوفيات فيها بنحو 6000 قتيل في عام واحد منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2021، بالإضافة الى الصراع التاريخي بين باكستان والهند، وحرب الاستقلال السلوفانية عام 1991، وجورجيا 1991-1993، وحرب الاستقلال الكرواتية ما بين 1991-1994، والصراعات الداخلية المتواصلة في أفغانستان.
أما قارتي أوروبا وأمريكا فإن أعداد قتلاها كان متقارباً وبلغ 209 ألف و600 قتيل للأولى و168 ألف تقريباً للثانية بنسب 6% و7% من الإجمالي العالمي، غير أن الفارق بينهما وما بين منطقة آسيا وأوقيانوسيا يقل بأكثر من النصف، والخمس مقارنةً بالشرق الأوسط وأقل من 10% مقارنةً بإفريقيا. غير أنه لولا الحرب الروسية الأوكرانية لما كانت أعداد الضحايا عام 2022 في أوروبا حوالي 83 ألف قتيل، وهو العدد الأكثر بروزا ما بين جميع السنوات، حيث لم يتعدى عدد ضحايا الصراع 31 ألف عام 1992، مروراً بحوالي 20 ألف قتيل عام 1995 وما يقرب من 8 الاف عامي 1999 و2020 لكل منهما.
وبوجه عام، حتى وإن تباينت نسب الارتفاع والهبوط في عدد ضحايا القتال في العالم، فإن الصراعات لا تنتهي ومن ثم تنبؤ دائما عن المزيد من القتلى نتيجة الخلافات سواءً الأهلية أو الدولية.
الرئيسية نشرة رقم عدد نوفمبر 2023