حصدت الحروب عابرة الوطنية من ناحية والأهلية من ناحية أخرى أرواح الكثير من البشر بغض النظر عن أعمارهم، كهولاً كانوا أم شباباً أم أطفال خُدّج، إذ لم تُفرق نيران الحروب العمياء بين رُضّع يستنشقون أنفاسهم الأولى في الحياه، وبين شباب يأملون في مستقبل مُفعم بالحيوية والانطلاق، وبين كبار سن أقصى طموحهم أن يحيوا في سلام وآمان.
وبالنظر إلى أعداد وفيات الحروب الواردة في قاعدة وفيات منظمة الصحة العالمية، يتبين أن المنظمة الأممية قسمت الوفيات بحسب الشرائح العمرية إلى 19 شريحة، كل منها عبارة عن 5 سنوات متتالية بداية من الشريحة الثانية وهي من 5 إلى 9 أعوام، ثم من 10 إلى 14 عاماً وهكذا حتى الشريحة الأخيرة التي احتوت على عدد الوفيات اللذين يزيد عمرهم على 85 عاماً، أما الشريحة الأولي فقد رصدت من لقوا حتفهم في عام ميلادهم الأول حتى 4 أعوام.
رصدت البيانات عدد الوفيات لكل فئة عمرية على حدة في العقود الخمسة الأخيرة بين عامي 1950 وحتى 2021. ويلاحظ أن الوفيات وقعت في كل الشراء العمرية كافة دون استثناء، إذ لا تفرق آلة الحرب بين فئة عمرية وأخرى غير أنه اعداد الوفيات تفاوتت وتباينت بينهم من حيث الكم.
استحوذت الفئة العمرية بين عامي 20 إلى 24 على أكبر عدد وفيات بسبب الحروب والنزاعات المسلحة مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، إذ بلغ عددهم 36 ألفاً و152 متوفياً، وانخفضت أعداد هذه الوفيات قليلا في الفئة العمرية بين 25 و29 عاماً لتُسجل 28 ألفاً و564 متوفياً، ثم جاءت الفئة العمرية بين سن 30 و 34 في الترتيب الثالث من حيث عدد وفيات الحروب لتسجل 20 ألفا و660 متوفياً. في المقابل فإن أقل عدد وفيات حصدته الحروب تمثل في شريحتين لكبار السن وهما أولا الشريحة التي تتراوح بين 80 إلى 84 عاماً، ثانيا الشريحة التي يزيد العمر فيها على 85 عاماً.
المُلفت للانتباه أن الشرائح العمرية التي تُمثل فئة الأطفال كانت أعداد وفياتهم ليست بالقليلة مقارنة ببعض الشرائح العمرية الأخرى لاسيما الشباب وكبار السن، إذ يتبدى من خلال البيانات على سبيل المثال أن إجمالي وفيات الأطفال بين سن 1 إلى 4 سنوات بلغت 9 آلاف و492 طفلا متوفياً في فترة الرصد، بينما كانت وفيات الشباب في الشريحة العمرية بين 45 و49 أقل بما مقداره 104 متوفياً، كذلك تجاوزت شريحة الأطفال ذاتها عدد وفيات بعض فئات كبار السن لاسيما الشريحة العمرية بين 55 إلى 59 سنة التي بلغت 7 آلاف و736 متوفياً.
يدعو هذا التفاوت إلى التساؤل، إذ يفترض منطقيا ان فئتي الشباب وكبار السن المشار اليهما لا يزال لديهم القدرة على المشاركة وحمل السلاح في الحروب قادة كانوا أو جنوداً، بينما الأطفال الرُضّع والخُدّج الذين لم تتجاوز أعمارهم 4 سنوات ليسوا أهلاً لأي شئ سوى لتلقي حقهم في الرعاية والأمومة.
وإذا قسمنا الشرائح العمرية إلى ثلاث فئات فقط، وهم أولا أطفال من سن عام ميلادي واحد حتى 18 سنة، ثم الشباب من سن 19 عام حتى 50 عاماً، وأخيراً كبار السن من 51 عاماً حتى ما بعد الـ85 عاماً، نجد أن السواد الأعظم من المتوفين بسبب الحروب كانوا من فئة الشباب الذين بلغ عددهم 120الفاً و860 متوفياً، ثم فئة الأطفال الذي يقدر عددهم بـ 46 ألفاً و290 متوفي، وأخيرا فئة كبار السن اللذين بلغ عددهم 43 الفا و466 متوفياً، أي أن نسبة فئة الشباب تُمثل 42.5% مقابل 57.5% لكل من فئتي الاطفال وكبار السن من إجمالي الوفيات الذين حصدت أرواحهم الحروب في الفترة التي امتدت من عام 1950 حتى 2021.
تجدر الإشارة إلى أن أعداد الوفيات بسبب الحروب تفاقمت بشكل مضطرد حال غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022 والتي قدرت بـ 280 ألف متوفياً من الجانبين، كذلك بلغ عدد الوفيات في الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة بفلسطين ما يزيد على 13 ألف متوفي في 55 يوماً فقط منهم 3826 طفلاً بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
بيد أن الحرب العالمية الثانية لم تكُ هي نهاية مطاف النزاعات المسلحة حتى بعد إنشاء منظمة الامم المتحدة المعنية بحفظ الأمن والسلم الدوليين حسب ما ورد في الميثاق المنشئ لها، ليظل العالم مكانًا مضطربًا لا يفهم أحيانا سوى لغة البطش والتنكيل الأعمى الذي لا يفرق بين طفل وعجوز فيبيد في طريفة كافة الشرائح العمرية دون تمييز.
عجز المجتمع الدولي بكل مواثيقه ومؤسساته في 5 عقود متتالية ان يكون حائط الصد وصمام الأمان لحماية الفئات الأكثر ضعفاً من ويلات الحروب ليسقط منهم الكثير والكثير مع عدم وجود مبرر أو جدوى أو ضرورة حربية تقتضي إهدار حياة هاتين الفئتين على وجه الخصوص، وما أرقام الوفيات الناجمة عن الحروب إلا وسيلة كاشفة عن ضرورة مراجعة المجتمع الدولي لموقفه حتى يكون أكثر حرصا على تطبيقها واتخاذ كافة السبل لحماية تلك الفئات أثناء الحروب التي لا يكون لأغلبها ناقة ولا جمل سواء في اندلاعها او استمرارها.
الرئيسية نشرة رقم عدد نوفمبر 2023