الصورة النمطية السائدة لدى الكثيرين أنه باندلاع الحروب، يقل المعروض والمتداول من السلع والبضائع، وبالتالي ترتفع الأسعار بما يقود في النهاية الي ارتفاع القيمة، لكن بيانات منظمة التجارة تكشف شيئاً مختلفاً، فهي توضح ان النمو السنوي في قيمة الصادرات والواردات السلعية عالمياً خلال السنتين الاخيريتين 2022 و2023 اللتين شهدتها اندلاع الحرب الأوكرانية وحرب غزة وحرب السودان وبدء الحوثيين ضرب السفن التجارية في البحر الأحمر، قد تراجع 31% بالنسبة للصادرات السلعية و32.1% بالنسبة للواردات السلعية، ما يعني أن المعروض والمتداول من السلع قد تراجعت قيمته الاجمالية، حتى وإن ارتفعت أسعاره.
كانت هذه إحدى النتائج التي تم الوصول إليها بعد مراجعة الأرقام الواردة بقاعدة بيانات منظمة التجارة الدولية حول معدل النمو السنوي صعوداً وهبوطاً في “مؤشرات سلسلة قيمة الصادرات والواردات السلعية” حول العالم ككل، وفي كل قارة من قاراته على حدة، خلال الـ 18 عاماً الماضية، أو تحديدا في الفترة من 2005 إلى 2023، ومن بين النتائج الأخرى التي أمكن استخلاصها من الأرقام ما يلي:
قيمة الصادرات السلعية
بلغ متوسط عام النمو السنوي في قيمة الصادرات السلعية عالميا خلال هذه الفترة 105.9%، وجاء هذا المتوسط من حركة تذبذب وتغير سنوي تضمنت ثلاث نقاط قصوى للهبوط، ونقطتان تمثلان اعلى ذروتين للارتفاع، وحدثت نقاط الهبوط القصوى في أعوام 2009 و2015 و2021، حينما تراجع معدل النمو في هذه السنوات الي 76.9 و87.5 و92.1 علي التوالي ، فيما وقعت نقاطتا الذروة في عامي 2010 و 2020 حينما ارتفع النمو الي 121.3 و126.4 علي التوالي. وما بين نقاط الهبوط والارتفاع القصوى، كان هناك سنوات شهدت ميلا للارتفاع الهادئ كما هو الحال في سنوات 2005 الى 2008، التي ارتفع فيها النمو من 113.9 الي 115.8، كما كانت هناك سنوات شهدت ميلا للارتفاع الحاد، وحدث ذلك في أعقاب السنوات التي تمثل النقاط القصوى للهبوط، كما هو الحال في القفزة التي وقعت في العام 2010، التي قفز فيها المعدل الى 121.3، انطلاقا من 76.9 كانت مسجلة في العام الذي سبقه 2009، وقد تكرر هذا النمط من الارتفاع الحاد في عام 2016 الذي اعقب نقطة الهبوط القصوى الثانية في 2015، وفي عام 2021 الذي اعقب نقطة الهبوط القصوى الثانية في عام 2020.
لم يكن هناك اختلاف كبير في النمط الذي اتخذته معدلات النمو في كل قارة علي حدة، فنقاط الارتفاع القصوى التي تمثل الذروة، ونقاط الهبوط القصوى، وقعت جميعها في السنوات نفسها التي ظهرت علي المستوي العالم، وإن كان بينها اختلافات طفيفة في الدرجة، ويمكن تلمس هذه الاختلافات في المتوسط العام لمعدل النمو في كل قارة على حدة، فقارة آسيا سجلت معدل نمو قدره 107.2، وافريقيا 107.1 وامريكا الجنوبية ومعها أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي 106.8، وامريكا الشمالية 105.4 وأوروبا 104.6، ومنطقة الشرق الأوسط 109.4.
أما فيما يتعلق بفترة الحروب والنزاعات الجارية، والتي بدأت مع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، فيلاحظ أنه علي مستوي العالم انخفض معدل النمو من 126.5 في العام 2021 قبل الحروب، الي 95.5 في نهاية العام 2023 بعد اندلاع الحروب، ما يعني أن العالم فقد 31% من معدل النمو في قيمة الصادرات السلعية خلال فترة الحروب، وعند النظر للأمر علي مستوي القارات نجد ان المعدل انخفض في اسيا من 126.6 الي 94.1 بفارق 32.5، وفي افريقيا من 142.1 الي 90.9 بفارق 51.2، وفى أمريكا الجنوبية من 134 الى 96 بفارق 38، وفي أمريكا الشمالية من 123.5 الي 98.1 بفارق 25.4، وفى أوروبا من 122.5 الي 99.3 بفارق 23.2. وفى الشرق الأوسط من 142.8 الي 86.8 بفارق 56.
الواردات السلعية
سارت قيمة الواردات السلعية جنبا إلي جنب مع قيمة الصادرات السلعية بجميع الزوايا التي خضعت للدراسة والمراجعة، حتى أن الوضع يبدو متطابقا من حيث المسار العام، فنقاط الارتفاع القصوى في قيمة الواردات وقعت في التوقيت نفسه بالنسبة لقيمة الصادرات، وحدث الأمر نفسه فيما يتعلق بنقاط الهبوط القصوى، وحدث ذلك سواء على مستوى العالم اجمع، أو على مستوى كل قارة على حدة، وتشير البيانات إلى أن المتوسط العام للنمو السنوي في قيمة الواردات عالميا بلغ 105.8 خلال فترة الرصد، وعلى مستوى القارات بلغ متوسط عام النمو 107.4 في كل من آسيا وافريقيا، و104.8 بكل من أوروبا وامريكا الشمالية، فيما ارتفع الي 108.2 في الشرق الأوسط، وامريكا الجنوبية.
وخلال فترة الحروب والنزاعات الجارية، انخفض متوسط عام معدل نمو الواردات السلعية على مستوى العالم من 126.4 في العام 2021، الي 94.3 في العام 2023، بفارق 32.1، وعلى مستوى القارات جاءت قارة أمريكا الجنوبية في المركز الأول من حيث التراجع في معدل النمو، حيث انخفض معدل النمو في قيمة وارداتها من 140.6 في عام 2021 الي 90.4 في عام 2023، بفارق 50.2، وتلتها في ذلك قارة آسيا التي تراجعت من معدل نمو قدره 130.2 عام 2021 الي 91.6 في 2023 بفارق 38.6، ثم افريقيا من 125.6 الي 92.3 بفارق 33.3، ثم أوروبا من 124.1 الي 94.7 بفارق 29.4، وأخيرا أمريكا الشمالية من 123.1 الي 95.3 بفارق 27.8، وجميع ما سبق قيم متقاربة بشدة مع ما حدث في حالة الصادرات السلعية.
في النهاية.. لو دققنا النظر بحثا عن رقمين مركزيين في هذه البيانات يلخصان مشهد تأثير النزعات علي قيمة الصادرات والواردات السلعية عالميا، سنجدهما يتمثلان في المتوسط العام للفارق بين قيمة النمو في الصادرات والواردات السلعية في يوم اندلاع هذه الحروب الذي يوافق 24 فبراير 2022 حينما غزا الروس أوكرانيا، وبين قيمتها في نهاية 2023 الذي توقفت عنده بيانات منظمة التجارة العالمية حول قيمة الصادرات والواردات السلعية، وهما رقم 31% بالنسبة للصادرات، ور 32.1% بالنسبة للواردات، والرقمان يشيران إلى حدوث قصور محسوس طال نحو ثلث إمدادات السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والطاقة والأسمدة، وافرز هذا القصور أعباء ثقيلة علي الكثير من البلدان، خاصة الفقيرة منها.
الرئيسية نشرة رقم عدد يونيو 2024