وقع 677 حادث انقطاع انترنت متعمد ومخطط له من جانب الحكومات خلال السنوات السبع من 2018 الي 2024، وبسبب قرارات القطع تحملت شعوب هذه الدول خسائر قدرها 11.4 مليار دولار، واللافت أن أسباب القطع المتعمد لم تتوقف عند الصراعات السياسية والاضطرابات الجماهيرية كما هو متوقع أو يتبادر للذهن للوهلة الأولى، بل كان من بينها سببّ آخر هو خوف الحكومات من استخدام الانترنت في أعمال الغش الجماعي وتسريب الامتحانات أثناء وغيرها من الانتهاكات الدراسية خاصة في المرحلة الإعدادية والثانوية، وهو أمر ظهر علي نحو خاص في خمس دول ، وسبب خسائر بلغت 385 مليون دولار أمريكي خلال آخر 5 سنوات، وكانت أبرزها خسائر العراق التي بلغت 2.3 مليون دولار لتكلفة الساعة الواحدة.
اعتمد تحليل مركز “جسور” لوقائع القطع المتعمد على البيانات الأولية لموقع pulse. Internet society.org – التي تغطي الفترة بين 28 مارس 2018 و19 أغسطس 2024، والتي شملت 57 دولة و677 حالة حجب لخدمات الانترنت لفترات كان أقصرها ساعة واحدة وأطولها 1383 يوماً، وتبين من التحليل أن عمليات إغلاق الإنترنت المُتعمَدة قد تستمر لبضع ساعات في بعض الدول أو لأشهر عديدة في دول أخرى حتي ينتفي السبب. وقد تنطوي بعض عمليات الإغلاق على حجب جزئي لخدمات معينة مثل وسائل التواصل الاجتماعي، أو تقييد الاتصال بالانترنت عبر الهاتف المحمول، بينما قد تُفرض عمليات إغلاق كلي للإنترنت في منطقة جغرافية محددة. لكن الأهم هو الخسائر المالية التي تتكبدها الشعوب نتيجة حجب الإنترنت، وهى تعدت في فترة الرصد 11.4 مليار دولار خلال السبع سنوات، وسجلت الهند على مستوى العالم 313 حالة بواقع نصف الحالات تقريباً بالفترة، وهي الأولى من حيث أكثر حالات تعليق لخدمات الانترنت في بعض الأقاليم مثل البنغال، وجامو وكشمير بسبب الصراعات السياسية، والأكثر تكلفة للساعة الواحدة وقدرت بحوالي 4 مليون دولار ، تليها العراق 90 حالة، ثم سوريا والسودان (62 و33 حالة على التوالي)، بينما تكبدت روسيا خسائر قدرها 4.8 مليار دولار منذ حربها مع أوكرانيا في 26/2/2022 وحتى تاريخه جراء حجب مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك و إنستجرام، ومواقع وسائل الإعلام الإخبارية الأجنبية الذي تعدى 900 يوما، بيد أن هذا الرقم غير دقيق حيث أن نصف الحالات تقريباً لم يُرصد لها خسائر مالية، وخاصة حالات الإغلاق بالهند، أى ان هذه الخسائر غالياً ما تُناهز الضعف.
والسبب الأول للحجب والأكثر شيوعاً هو الاضطرابات والصراعات الداخلية والخارجية، فإنه يتم بصفة رسمية، تُعلِن عنه الجهات الحكومية في البلاد مُسبقاً بالمواعيد والمناطق السكنية بحسب تواجد الأحداث، وغالباً ما يُفرَض ضمن حزمة من الإجراءات المُشددة الأخرى مثل حظر التجول وخلافه. تقدمته أثيوبيا التي وصل إجمالي فترات الانقطاع بها 1383 يوماً في حالة واحدة بدأت في 11/4/2020 وتستمر حتى تاريخه وكانت في إقليم “تيغراي” الذي أُعيق عن إيصال المساعدات له، وقطع اتصال السكان ببعضهم البعض، وتدمير الاقتصاد المحلي، علاوة على تقدير خسائر الشركات المحلية بـ 145.8 مليون دولار في عام 2021 فقط بسبب انقطاع التيار الكهربائي في الإقليم. تلتها ميانمار التي تعيش منذ 1300 يوم بدون أنترنت خسرت خلالها أكثر من 255 مليون دولار، ثم روسيا، ثم إيران التي خسرت 906.7 مليون دولار خلال 698 يوماً من 20/9/2022 حتي تاريخه نتيجة انقطاعات شديدة في شبكة الهاتف المحمول صاحبها زيادة مستويات الرقابة على الإنترنت، ومنع تطبيقات واتساب، وإنستجرام، ولينكد إن، وسكايب، ومتجر جوجل بلاي، ومتجر تطبيقات أبل. بينما خسرت الهند في 8 ايام فقط 778 مليون دولار في فبراير 2023، ما يعني أنها كانت تتكلف عن كل ساعة أكثر من 4 مليون دولار جراء تعليق خدمات الإنترنت في منطقة جامو وكشمير. هذا بخلاف باكستان، بنجلاديش، سريلانكا، اندونيسيا، اليمن، تركيا، الأردن، كوبا، فنزويلا، الاكوادور، بيلاروسيا، السنغال، غينيا، تشاد وهي الدول التي تكررت فيها حالات الانقطاع سواءاً جزئيا أو كلياً أكثر من مرتين خلال الفترة.
أما السبب الثاني فإنه يتكرر فقط مع مواسم الامتحانات المدرسية الثانوية والإعدادية وخاصةً الثانوية العامة لمنع/ أو الحد من الانتهاكات التي قد تحدث في اللجان ومنع الغش وتسرب أسئلة الامتحانات، بلغ إجمالي 160 حالة من إجمالي فترة الرصد. وقد لجأت خمس دول عربية الى هذا الإجراء وهي العراق واحتلت 40% من إجمالى الحالات بعدد 64 حالة آخر سنتين فقط، خسرت خلالها ما يقرب من 290 مليون دولار، بمعدل 2.3 مليون دولار خسارة في الساعة الواحدة عام 2024 و1.2 مليون دولار عام 2023، تراوحت فترات الانقطاع بها بين ساعتين واربع ساعات وأطول فترة كانت 7 أيام في فبراير 2023. وكانت حصة سوريا 28% من إجمالي الحالات، بعدد 44 حالة خلال آخر 4 سنوات تراوحت ما بين ساعتين الى يوم، ما عدا 22 يوم عام 2021، وسجلت خسائرها الإجمالية 29.3 مليون دولار. جاءت بعدها السودان بنسبة 14% من إجمالي الحالات- أى 23 حالة خلال 2021 و2022 في فترات تراوحت ما بين ساعتين و3 ساعات،خسرت ما قدره 28 مليون دولار. وبالرغم من أن نسبة الجزائر 7% من إجمالي القائمة بعدد 11 حالة فقطإلا انها خسرت في الساعة ما بين 807 الف الى 1.7 مليون عام 2024، و901 الف في الساعة سنة 2023، والملفت أن حالة الانقطاع الوحيد لها في سبتمبر 2020 خسرت فيها 4 مليون في الساعة. ويبدو أن موريتانيا لم تنتهج هذا الإجراء إلا في يومين خلال اغسطس الحالى لمدة اربع و 11 ساعة. والوحيدة من دول العالم التي تلجأ لهذا القرار هي الهند و نسبتها10% من إجمالي الحالات بعدد 16 حالة، غير أن خسائرها غير مُعلنة.
وبغض النظر عن طول أو شدة الإغلاق، فإن حجب الإنترنت عن المواطنين له عواقب وخيمة حيث يتسبب في انقطاع الحياة اليومية قد يؤدي في حالة استمراره الى تداعيات إنسانية جسيمة، فضلاً عن مضاعفاته الخطيرة على الإنتاجية الاقتصادية، خاصةً في عالم باتت فيه الشبكات العنكبوتية من أساسيات الحياة وليس من الرفاهيات، لا سيما وأن أكثر من يعاني هي الشركات الناشئة ومواقع التجارة الإلكترونية وشركات التوصيل والبريد السريع عبر الإنترنت وشركات السفر وجميع شركات الخدمات.
الرئيسية نشرة رقم عدد اغسطس 2024