بمعيار العمر والتطور التاريخي، فإن مجموعة الشركات العائلية العملاقة الأكبر علي مستوى العالم حاليا، تمتد جذورها الي العام الأول من القرن السابع عشر، ومن ثم فهي حصيلة رحلة تدخل عامها الـ 415 مع حلول السنة الجديدة 2025، فقد ظهرت اول شركة من هذه المجموعة في العام 1601، حينما أنشئت شركة تاكيناكا اليابانية المملوكة لعائلة تاكيناكا، التي تعد اقدم شركة مسجلة في قائمة الشركات العائلية الأكبر حول العالم حاليا، وعمل بها 13 الف و 212 شخص، حققوا إيرادات تعادل ما قيمته 10 ملايين و947 الف دولار، وطبقا للبيانات المتاحة فإن الامر استغرق نحو نصف قرن كي تظهر ثاني شركة من النوع نفسه، حيث ظهرت شركة ميرك كيه جي ايه ايه الألمانية المملوكة لعائلة ميرك في العام 1651، وبدأت تمارس اعمالها خلال الربع الثالث من القرن لتحقق عائدات تقدر بنحو 22 مليونا و389 الف دولار، وينخرط بالعمل بها نحو 60 الفا و334 شخص، وفي القرن العشرين كان الوضع قد اصبح جد مختلف، فخلاله نشأت 627 شركة عملاقة، حققت عائدات تقدر بنحو 86 مليار و177 مليون دولار، ويعمل بها ما يربو على 24 مليون شخص.
يوضح الجدول المرفق بعض ملامح هذه الرحلة الطويلة للشركات العائلية، من خلال رصد التطور عبر ثلاثة مسارات هي الأعداد والإيراد والعاملين، ولو حاولنا تتبع المسار الأول سنجد أن الزيادة في أعداد هذه الشركات مضت وفق معدل متسارع ، تضاعف من قرن إلى آخر ، ففي القرن السابع عشر ظهرت شركتان، الأولي في العام الأول من القرن والثانية في الربع الثالث من القرن، وفي القرن الثامن عشر بلغ العدد 5 شركات، أي تضاعف الرقم بمقدار 150% ، وظهرت شركة في الربع الأول من القرن، وأخري في الربع الثالث، وثلاث في الربع الأخير، وفي القرن التاسع عشر تطور الأمر بصورة كبيرة مقارنة بالقرن الثامن عشر، ولم يخل ربع من ارباع القرن من ظهور شركات جديدة، ما يعني أن ظهور الشركات توزع علي معظم سنوات القرن، ففي الربع الأول ظهرت ثماني شركات، وفي الربع الثاني ظهرت 14 شركة، وفي الربع الثالث ظهرت 37 شركة، وفي الربع الرابع ظهرت 61 شركة، أي أن الرقم كان يتضاعف مرة كل 35 سنة، ليصل العدد الي 120 شركة خلال القرن بكامله، ما يعني أن عدد مرات التضاعف بلغ 12 مرة بنهاية القرن، مقارنة بالقرن السابق عليه.
استمر التسارع فى وتيرة ظهور الشركات العائلية العملاقة خلال القرن العشرين، ولم يخل الأمر من حدوث التضاعف بين كل ربع من القرن والذي يليه، وعلى الرغم من أن عدد مرات التضاعف كان اقل في القرن العشرين عنه في التاسع عشر، إلا أن العدد الإجمالي للشركات الذي ظهر خلال القرن العشرين كان أكبر بكثير مما ظهر خلال القرن التاسع عشر، ففي الربع الأول من القرن ظهرت 95 شركة، وهو ما يعادل نحو 11 ضعف عدد الشركات التي ظهرت خلال الفترة نفسها في القرن الـ 19، وفي الربع الثاني ظهرت 133 شركة، وهو ما يعادل ما يزيد علي 9 اضعاف الفترة نفسها من القرن الـ 19، وفي الربع الثالث ظهرت 186 شركة تعادل 5 اضعاف العدد في الربع الثالث في القرن 19، وفي الربع الأخير ظهرت 213 شركة تعادل ثلاثة اضعاف نظيرتها السابقة، وإجمالا بلغ العدد الإجمالي خلال القرن العشرين 627 شركة، تعادل ما يزيد على 5 أضعاف ما ظهر خلال القرن التاسع عشر، ليصبح الإجمالي العام المسجل حاليا في قائمة اكبر الشركات العائلية عالميا 754 شركة.
اظهر تحليل الأرقام أن التطور في الإيرادات التي حققتها الشركات العائلية العملاقة طوال عمرها الممتد لـ 414 عاما، كان به قدر ملحوظ من التشابه مع نمط التطور الذي حدث في الأعداد، فإيرادات هذه الشركات خلال القرن السابع عشر قدرتها قائمة الشركات العائلية العملاقة بنحو 33 ملياراً و337 مليونا دولار، تحقق ما يناهز ثلثها خلال الربع الأول والثلثين الباقيين في الربع الثالث، وخلال القرن الثامن عشر قفز الرقم الى ما يعادل 49 مليارا و 230 مليون دولار، بنسبة زيادة قدرها 32.2% عما تحقق خلال القرن الـ 17، وفى القرن التاسع عشر، توزع ايراد الشركات على ارباع القرن الأربعة، حيث بدأ الربع الأول بـ 62 مليار و864 مليون، وانتهي الربع الرابع بـ 673 مليار و975 مليون، ليصل اجمالي الايراد خلال القرن بأكمله الي تريليون و613 مليار و258 مليون، محققا زيادة قدرها 96.9% مقارنة بإيرادات القرن الـ 18، وهو ما يعني أيضا أن إيرادات القرن الـ 19 تعادل نحو 32 ضعف القرن الـ 18.
في القرن العشرين ارتفعت الإيرادات الي 1 تريليون 217 مليار و 858 مليونا خلال الربع الأول، وفي الربع الرابع تحققت زيادة جديدة وبلغ الايراد 2 تريليون و698 مليار و20 مليون، ليصبح إجمالي الإيرادات خلال القرن 8 تريليونات و617 مليار و746 مليونا، وتعني هذه الأرقام أن نسبة الزيادة في الإيرادات خلال القرن العشرين بلغت 81.2% مقارنة بإيرادات القرن الـ 19.
من المتوقع والمنطقي أن تشهد أعداد العاملين في هذه الشركات زيادة مضطردة تصاحب الزيادة في أعدد الشركات وأرقام الإيرادات، وهو ما تبين فعليا من تحليل البيانات، فأعداد العاملين بهذه الشركات بدأت بـ 13 الفا و212 عاملا انخرطوا في العمل بالشركة اليابانية الأولى التي ظهرت في العام 1601، وعند نهاية القرن كان عدد العاملين قد ارتفع الي 60 الفا و334 عاملا، وفي الربع الأول من القرن الثامن عشر، قفز عدد العاملين الي 90 الفا و266 عاملا، وبنهاية القرن كان العدد قد بلغ 245الفا و531 عاملا، بزيادة قدرها 70% عن عدد العاملين خلال القرن السابع عشر، وفي القرن التاسع عشر حقق عدد العاملين قفزة كبرى مقتربا من الستة ملايين عامل، أو 5 ملايين و892 الفا، بنسبة زيادة قدرها 95% عن الرقم المتحقق خلال القرن الثامن عشر، وفي القرن العشرين تضاعف عدد العاملين نحو اربع مرات، ليناهز الـ 25 مليونا، أو 24 مليونا و994 الفا، بنسبة زيادة قدرها 76.4% عن اجمالي العاملين في القرن التاسع عشر.
تشير الأرقام السابقة جميعا الي أن ظاهرة الشركات العائلية العملاقة تمضي في طريق الانتشار والتوسع والتسارع، سواء علي صعيد العدد أو الإيرادات أو حجم العمالة، بما يعنيه ذلك من دلالة واضحة علي أن حالة اللامساواة في الثروة الشخصية عالميا، تمضي بوتيرة متسارعة ولا تتوقف طوال الـ 414 سنة الماضية، والمؤشرات الإحصائية المتاحة تدل علي أنها لن تكف عن التسارع والتوسع مستقبلا، ما يفتح الطريق بدوره نحو مزيد من تركيز الثروة والنفوذ ونطاق الاعمال في يد بضع مئات من العائلات، أمامهم نحو 7 مليارات من البشر يملكون ما هو أقل أو قد لا يملكون على الإطلاق.
الرئيسية نشرة رقم عدد ديسمبر 2024