قفزت أماكن إقامة السائحين عالمياً بنسق متواتر في المدة بين 1995 حتى 2021 بنحو 62% في عدد المنشآت و45% زيادة في عدد الغرف السياحية، قبل أن تتراجع هذه النسب بشكل ملحوظ في عام 2022، بحسب قاعدة بيانات الأمم المتحدة للسياحة(UN Tourism)، وهو ما يشير إلى التوسع الكبير الذي شهده قطاع إقامة السائحين عالمياً على مدى أكثر من عقدين ونصف من الزمان، مما يعكس النمو المطرد في صناعة السياحة. يبدو أن العلاقة بين المنشآت والغرف والأسرة في قطاع الإقامة السياحية هي علاقة هرمية وتكاملية، حيث يمثل كل منها مستوى مختلفًا من القدرة الاستيعابية للقطاع، ونتناول كلاً منهما على حدة مقابل معدلات الإشغال على النحو التالي؛
المُنشآت
المنشآت السياحية هي الأماكن أو الكيانات التي تقدم خدمات متنوعة للسياح والزوار، سواء كانوا محليين أو أجانب، بهدف تلبية احتياجاتهم خلال مدة إقامتهم أو زيارتهم للمقصد السياحي، وتكون مرخصة من الجهات الحكومية المختصة. ويقصد بها الأساس الهيكلي كالفنادق، المنتجعات، الشقق الفندقية، بيوت الضيافة، النزل، وما إلى ذلك. وقد بلغ عدد المنشآت السياحية نحو 229 ألفا و319 منشأة في عام 1995، وظلت هذه المنشآت تتزايد -بصفة مستمرة- لتسجل في عام 2000 أكثر من 316 ألف منشأة، وفي عام 2010 بلغت 506 ألاف و935 منشأة، وسجلت أعلى عدد لها في عام 2019 ليبلغ حينئذ أكثر من 673 ألف و359 منشأة، قبل أن تنكمش تلك الأعداد تدريجيا في الأعوام الثلاثة اللاحقة وتُسجل أدنى مستوى لها في العام الأخير من أعوام الرصد وهو 2022 ليبلغ عددها وقتئذ 538 ألف و957 منشأة سياحية بسبب تداعيات كورونا.
في المقابل شهد متوسط مدة الإقامة الواحدة في تلك المنشآت السياحية نحو 4.2 ليال في عام 1995، وظل في تباين صعودا وهبوطا، إلا أنه بلغ ذروته في عام 2007 بمعدل 5.6 ليال في السنة، وانكمش في عام 2022 ليسجل 3.3 ليلية فقط في هذا العام.
لا شك أنه في سوق سياحي صحي، عندما يزداد الطلب على الإقامة، قد يؤدي ذلك إلى زيادة في متوسط مدة الإقامة (بمعنى أن الغرف تصبح مشغولة لفترات أطول). هذا الطلب المتزايد والاستخدام الفعال قد يشجع المستثمرين على بناء المزيد من المنشآت السياحية الجديدة (زيادة في عدد المنشآت). في هذه الحالة، يمكن أن نرى نموًا في كلا المؤشرين. كما أنه كلما زاد عدد المنشآت وتنوعت (مثلاً، فنادق اقتصادية، فاخرة، شقق فندقية)، كلما زادت الخيارات المتاحة للسياح، مما قد يشجعهم على الإقامة لفترات أطول تتناسب مع ميزانياتهم وتفضيلاتهم. وهو ما يجعل العلاقة وطيدة بين عدد المنشآت السياحية ومتوسط مدة الإقامة الواحدة فيها.
الغرف
بلغ عدد تلك الغرف السياحية 13 مليون وأكثر من 360 ألف غرفة في أول عام من أعوام الرصد وهو 1995، ظلت أعداد تلك الغرف في نمو مُضطر ليتجاوز 15 مليون غرفة في عام 1997، وفي عام 1999 تراجعت عدد الغرف السياحية قليلا لتبلغ وقتئد ما مقداره 14 مليون و793 ألف غرفة تقريباً، ثم تضخم عددها في الأعوام اللاحقة حتى عام 2007 ليبلغ حينها عدد الغرف أكثر من 18 مليون غرفة، وكسرت حاجز الـ20 مليون غرفة للمرة الأولى في عام 2010، هذه الزيادة ظلت متواترة حتى عام 2021 الذي سجل فيه عدد الغرف السياحية نحو 24 مليون وأكثر من 281 ألف غرفة، وفي العام الاخير من أعوام الرصد وهو عام 2022 انكمشت اعداد تلف الغرق لتسجل نحو أكثر من 16 مليون و 400 ألف غرفة فقط، وربما يعود هذا الانكماش إلى ما سببته جائحة كورونا وقتئذ فرغم أنها بدأت في أواخر عام 2019 وتأثيرها كان واضحاً في عامي 2020 و 2021، إلا أن عام 2022 قد شهد استمرار أو تفاقم تداعياتها ولعل أبرزها كان في قطاع السياحة، فالعديد من الفنادق والمنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة لم تتمكن من الصمود أمام فترات الإغلاق الطويلة وتراجع الطلب، مما أدى إلى إفلاسها وإغلاقها بشكل دائم.
في المقابل لم تشهد معدلات إشغال تلك الغرف السياحية تبايناً كبيراً منذ العام 1995 والتي كانت نسبة الإشغال فيه 56.4% من إجمالي الغرف المتاحة للسكن، حتى عام 2019 التي بلغت نسبة الإشغال فيه 53.9%، غير أن التحول الكبير في نسب إشغال الغرف السياحية كان بسبب جائحة كورونا التي انكمش معها بالتزامن معدل الإشغال إلى أدنى مستوى له في عام 2020 ليبلغ نحو 30%، وتعافت نسبة الإشغال قليلا في عام 2021 لتسجل نحو 35.3% ومع ذلك شهدت هذه السنة ثاني أقل معدل إشغال، ثم بدت نسبة الاشغال في تزايد العام الأخير من اعوام الرصد لتسجل نحو 46.7%، وهو مؤشر جيد للتعافي البطيئ.
نشير أخيراً إلى أن قطاع السياحة أحد القطاعات الحساسة المرنة التي ربما تتأثر كثيراً بالأحداث والظروف المحيطة، والتي يتخلّف عنها احياناً هبوط مؤشرات إقامة السائحين سلباً كما هو الحال في أزمة كورونا التي كشفتها الأرقام والاحصائيات، إلا أن الظروف السيئة ذاتها ربما تصعد بمؤشرات الإشغال ومدة الإقامة، ولعلّ أصرخ مثال على ذلك ارتفاع الإشغالات السياحية في فنادق منطقة نويبع وطابا المُطلة على خليج العقبة في شمال شرق مصر في يونيو 2025 بنسبة 300% لتصل إلى 60% من أصل 15% فقط، نتيجة ارتفاع تدفق جنسيات أجنبية مقيمة في الكيان الصهيوني إبّان دخوله في نزاع مسلح مع إيران، وإن كان ذلك يمثل شكلا من أشكال السياحة المدفوعة بالنزوح التي يسافر الناس فيها بدافع الضرورة بسبب الصراع، وليس فقط للترفيه إلا أنه يؤثر على معدلات وارقام السياحة واماكن الأقامة.