ظاهرة الانتحار في مصر والعالم:

أرقام مُفزعة وأسباب تتجاوز التوقعات

مضمون الدراسة

يُشكل الانتحار النموذج الأسوأ لفقدان الحياة، إذ يتصرف الإنسان عن عمد وبمحض إرادته فيما لا يملك، ألا وهي الروح، الذي يستأثر البارئ ببعثها في النفس فتحيا أو بسلبها فتموت، وفي الآونة الأخيرة تحول الانتحار من حالات فردية متناثرة لا تطرأ على المسامع إلا كل حين، إلى ظاهرة اجتماعية تُقرأ في الصُحف وعلى المواقع الإخبارية بشكل شبه يومي، ولا تزال هذه الظاهرة الشائكة تنمو وتترعرع تدريجياً وكأنها وباء صامت يتوغل خفية بين أفراد المجتمع الواحد، دون الوقوف على حقيقة البواعث التي تدفعها نحو هذا النمو المضطرد، الأمر الذي يرنو بنا للبحث والتنقيب عن أسباب الانتحار وتداعياته في مصر والعالم.
ترصد هذه الدراسة أعداد وإحصائيات ومعدلات الانتحار على مستوى العالم موزعة على المناطق الجغرافية والدول، وعلى وجه الخصوص في الدول العربية في عقدين متتاليين من عام 2000 حتى 2019 وذلك من خلال بيانات منظمة الصحة العالمية-WHO ، (¹)أما فيما يتعلق ببواعث الانتحار ودوافع الاقدام عليه فإننا سنتطرق للبحث عنه في مصر من خلال قاعدة بيانات مركز فكر “جسور” الموسومة بـ” إقرأ الحادثة” والتي اضطلعت (²)بجمع وفرز بيانات 2801 حالة انتحار مؤكدة و326 محاولة للانتحار حرر عنهم أخبار في الصحافة المصرية نشرت على مواقعها الرسمية بوقائعها التفصيلية للوقوف على أسبابها.

أهمية الدراسة

تكمُن أهمية الدراسة فيمَ لظاهرة الانتحار من خطورة على الجنس البشري، وآثارها السلبية التي لا تنحسر على شخص المنتحر الذي فقد حياته دون عودة، بل تتعداها لمجتمعه الصغير كالأسرة والحي ومجال العمل وما ينتابهم من مشاعر الحزن والألم وربما الذنب لفترة طويلة، كما تمتد الأثار السلبية لمجتمعه الكبير كذلك والمتمثل في فقدان رأس المال البشري للدولة، وانتشار مشاعر اليأس والإحباط بين الأفراد، وشيوع التحلل من القيَم الدينية، والأعراف الراسخة داخل المجتمع الواحد.
وإن كانت تلك الأهمية النظرية، فللبحث أهمية عملية تتجسد في التطرق إلى آليات الحد من ظاهرة الانتحار على المستوى الوطني والدولي، سواء كانت آليات تتعلق بالظروف الاجتماعية كضعف جودة التعليم واضملال الوعي الثقافي على سبيل المثال، أو الظروف الاقتصادية التي تصيب أشخاص كثُر بالإكتئاب، فبحسب منظمة الصحة العالمية فإن 86٪ حالات الانتحار تكون في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مقابل 14% فقط في البلدان عالية الدخل (³).

إشكالية الدراسة وتساؤلاتها

تتجسد إشكالية الدراسة الرئيسة في؛ ما هية إحصاءات ظاهرة الانتحار في العالم، وآليات الحد منها؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية عدة تساؤلات تؤخذ في الاعتبار يجاب عليها خلال الدراسة، ولعلّ أهمها الآتي؛
أولاً: ما هي أكثر بلدان العالم التي يستشري فيها تلك الظاهرة، بصيغة أخرى ما تصنيف وترتيب دول العالم من حيث أعلى وأدني معدلات وأعداد حالات الانتحار؟
ثانياً: ما هو مقياس تفشّي ظاهرة الانتحار عالمياً هل يكتفى بأعداد المنتحرين في كل دولة، أم نسبة هؤلاء الأشخاص من عدد السكان في كل دولة؟
ثالثًا: هل تتباين معدلات الانتحار عالميا من عام لآخر، وما هو قدر هذا التباين بين عام 2000 وهو أول عام لرصد الظاهرة، وعام 2019 وهو العام الأخير للرصد؟
رابعاً: ما هو تصنيف الدول العربية من حيث الدول الأكثر انتشارا لظاهرة الانتحار، وما هي اعداد المنتحرين فيها في كل عام ومن اعوام الرصد ال20؟
خامساً: ما هو وضع مصر من حيث اعداد الانتحار عالمياً، وما هي دوافع وبواعث الاقدام على الانتحار من خلال ارض الواقع؟ وما هي سبل تحجيم هذه الظاهرة؟

نطاق الدراسة

للدراسة أكثر من نطاق،

أولا النطاق الموضوعي: وهو الذي يشمل موضوع الانتحار على سبيل الحصر دون التطرق للأحوال الأخرى المنهية للحياة كالقتل والمرض وخلافه.
ثانيا نطاق جغرافي: وهو يمتد ليشمل 183 دولة على مستوى العالم من بينهم 20 دولة عربية، هذه الدول موزعة على 8 مناطق جغرافية وهم، منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، جنوب آسيا، شرق آسيا والمحيط الهادئ، شرق أوروبا وآسيا الوسطى، غرب أوروبا. وموزعة كذلك على 6 قارات وهم آسيا، أوروبا، أفريقيا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، أوقيانوسيا، لتحديد احصائيات وأرقام ومعدلات الانتحار بحسب كل دولة ومنطقة جغرافية وقارة ومقارنتهاهم ببعضهم البعض.
ثالثا نطاق زمني: ويشمل النطاق الزمني أعداد حالات الانتحار على مدار 20 عاما في الفترة من 2000 حتى 2019 بحسب أحدث بيانات مجمعة لمنظمة الصحة العالمية، وتتبدى أهمية هذا النطاق في بيان منحنيات الصعود والهبوط في أعداد تلك الظاهرة على مدى زمني بعيد نسبيا.

منهجية الدراسة

عمدت الدراسة نحو رصد حالات الانتحار عالميا على مستوى القارة ثم المنطقة الجغرافية، ثم الدولة، وذلك لجمع البيانات ومراقبة ظاهرة الانتحار على مدى فترة زمنية محددة وهي 20 عاما متتالية بشكل منتظم ومنظم لتحليلها وتقييم التغيرات والاتجاهات على مر الزمن، تهدف الدراسة الرصدية للانتحار عالميا إلى تقييم السياسات والتدابير المتخذة للحدّ من هذه الظاهرة على المستوى الوطني والعالمي.
ومن زاوية أخرى تضطلع الدراسة بتحليل خاص بتطور تلك الظاهرة في مصر من خلال عدد حالات معين تم رصده في الفترة من 2009 حتى 2022 موضح بعظمها أسباب ودوافع اللجوء للانتحار للوقوف على أسباب وتحليل نتائجة وآليات الحد منه مستقبلا.

خطة الدراسة

قُسمت الدراسة إلى مبحثين، لكل منهما مطلبين، وذلك على النحو الآتي؛
المبحث الأول: رصد ظاهرة الانتحار عالمياً
المطلب الأول: تطور ظاهرة الانتحار جغرافياً
المطلب الثاني: تطور ظاهرة الانتحار زمنيا (2000 -2019)
المبحث الثاني: واقع ظاهرة الانتحار في مصر: 2801 حالة و326 محاولة
المطلب الأول: أسباب ووسائل الانتحار
المطلب الثاني: آليات الحد من الانتحار

المبحث الأول: رصد ظاهرة الانتحار عالمياً

تمهيد

تشير بيانات منظمة الصحة العالمية WHO إلى أن عدد المنتحرين بلغ 14 مليونا و799 ألف و982 منتحراً في الفترة ما بين 2000 حتى 2019، أي بنسبة 51.7 منتحر لكل 100 ألف نسمة، وهو يُمثل ما متوسطه 700 حالة انتحار سنوياُ، في الـ20 عاماً المشار إليها، وما يجعل هذه الأرقام كبيرة أن الانتحار من النوازع التي يُمكن للفرد السيطرة عليها بل يُمكن القضاء عليها تماماً من خلال الوعي الكافي واتخاذ التدابير اللازمة لمنعها، بخلاف حالات الوفاة الأخرى التي يصعب السيطرة عليها كمرض القلب الإقفاري الذي يُعد مسؤولاً عن 16٪ من إجمالي الوفيات في العالم والذي قفز عدد وفياته من مليونان في عام 2000 إلى 8.9 مليونا في عام 2019، وتمثل كذلك السكتة الدماغية وداء الانسداد الرئوي المزمن السبب الرئيسي الثاني والثالث للوفاة، حيث يُعدان مسؤولين عن حوالي 11% و6% على التوالي من مجموع الوفيات عالمياً، إذ يتجاوز عدد وفيات السكتة الدماغية 6 ملايين سنوياً بينما يتجاوز الانسداد الرئوي 2.5 مليوناً (⁴).
فإذا كان من الصعب السيطرة على مثل هذه الأمراض الخطيرة والأعراض المزمنة لاختلال عضوي في أجهزة الجسم يقوده إلى الوفاة حتماً، إلا أن الأمر يكون بخلاف ذلك بالنسبة لأسباب الانتحار التي يمكن السيطرة عليها والتي لا تودي غالبا الي فقدان الحياة.
ونتناول فيما يلي تطور ظاهرة الانتحار عالمياً في مطلبين متتالين، الأول يرصد التطور الجغرافي، أما الثاني يرصد التطور الزمني، وذلك على النحو التالي؛

المطلب الأول: تطور ظاهرة الانتحار جغرافياً

تتباين أعداد ومعدلات حالات الانتحار عالميا بين دولة وأخرى، ومنطقة جغرافية وأخرى وقارة وأخرى، ونرصد احصاءات وأرقام تلك الظاهرة على النحو التالي؛

الفرع الأول: الدول الأعلى والأدنى في معدلات الانتحار

أولا: الدول الأكثر تفشياً لظاهرة الانتحار عالمياً

تصدرت 10 دول أعلى معدل في أعداد المنتحرين بها، من مجموع 183 دولة رُصدت بياناتها في الفترة ما بين 2000 حتى 2019، كسرت 3 دول منهم حاجز المليون منتحراً بينما لم تتجاوز الدول السبع الأخرى هذا العدد. جاء ترتيبهم على النحو التالي، اولا الهند، إذ تخطى مجموع أعداد المنتحرين فيها 3 ملايين و484 ألف منتحراً لتكون هي الأسوأ عالمياً، وبفارق كبير عن الصين التي أتت في الترتيب الثاني بمجموع مليونان و865 ألف و 134 منتحراً، وحلّ في الترتيب الثالث دولة روسيا من حيث أكثر دول العالم في حالات الانتحار إذ بلغ عدد المنتحرين فيها في فترة الرصد ما مجموعه مليون و147 ألف و981 منتحراً.

أما الدول السبع الأخرى لم يتجاوز مجموع المنتحرين في كل منها عدد مليون منتحراً في فترة الرصد، وأتت الولايات المتحدة الأمريكية على رأس قائمة هذه الدول بمجموع 815 ألف و231 منتحرا، تلتها اليابان حيث تجاوز فيها أعداد المنتحرين نصف المليون، ثم باكستان بمجموع 319 ألف و156 منتحراً، ثم كوريا الجنوبية بمجموع 365 ألف و711 منتحراً.
وتذيل ترتيب أعلى 10 دول من حيث عدد المنتحرين عالمياً كل من أوكرانيا وجنوب أفريقيا وفرنسا بمجموع أعداد (258,692)، و(248,770)، و(218,814) على التوالي.
تخطى مجموع عدد المنتحرين في الدول العشرة إذن 10 مليون منتحراً من إجمالي 14 مليونا و799 ألف و982 منتحراً في فترة الرصد، لتستحوذ على ما نسبته 69% من كل المنتحرين عالمياً وهي نسبة كبيرة جداً. وتتشارك الدول الأخرى المقدر عددها 173 دولة بباقي أعداد المنتحرين الذي تجاوز 4 ملايين و799 ألف.
ولعلّ تساؤل هام جدير بالطرح، وهو هل يكفي معيار أعداد حالات الانتحار لبيان مدى تفشي ظاهرة الانتحار في كل دولة، بصيغة أخرى ما هو المعيار الأكثر واقعية لبيان مدى تفشي تلك الظاهرة بحسب الدولة؟
في عقدنا أن النظر لمجرد أعداد الانتحار في كل دولة لا يدل دلالة قاطعة على مدى تفشي ظاهرة الانتحار فيها، إذ لابد من تنسيب هذه الأعداد لمجموع سكان كل دولة للوقوف حقيقة اتساع أو ضيق دائرة تلك الظاهرة في كل منها، فعلى سبيل المثال رغم أن الهند تستحوذ على نصيب الأسد من أعداد المنتحرين عالمياً إلا أنها تقبع في الترتيب الـ 68 عالمياً من حيث معدل انتشار ظاهرة الانتحار نسبة لعدد سكانها الذي تجاوز المليار في عام 2000 وهو عام بداية الرصد وأكثر من مليار و400 مليوناً في عام 2019، وبموجب بيانات منطمة الصحة العالمية بلغ متوسط معدل الانتحار في الهند 12 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة من سكانها.
والوضع ذاته ينطبق على الصين وهي أكثر ثاني دولة في أعداد المنتحرين عالمياً إلا أنه بالنظر لعدد سكانها نجد أنه في الـ20 سنة محل الرصد كان ينتحر ما متوسطه 10 أشخاص في كل 100 ألف نسمة من سكانها لتجئ في الترتيب الـ 94 عالمياً من حيث تفشى ظاهرة الانتحار. كذلك في روسيا رغم استئثارها بالترتيب الثالث عالميا من حيث اعداد المنتحرين إلا أنها في الترتيب 55 عالمياً من حيث انتشار الانتحار فيها، إذ انتحر ما متوسطه 14 شخصاً لكل 100 الف من سكانها في فترة الرصد.
من ثم فإن معيار معدل الانتحار لكل 100 ألف نسمة من سكان كل دولة هو الأكثر واقعية في بيان مدى تفشى حالات الانتحار في دولة بعينها، الأمر الذي يدفعنا لبيان أكثر الدول التي يزداد بين سكانها أعداد المنتحرين عالمياً.
بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، انتحر ما متوسطه 78 شخصاً لكل 100 ألف نسمه في ليبيريا في فترة الرصد لتكون هي الدول الأكثر تفشيا لظاهرة الانتحار عالمياً، تلتها في الترتيب أثيوبيا والتي انتحر فيها 57 شخصا لكل 100 ألف نسمة، ثم هاييتي ورومانيا وبوتسوانا بمتوسط 38 و35 و33 شخصا لكل 100 ألف نسمه من سكان كل منهم على التوالي.
جاءت دولة عربية وحيدة من بين أكثر 10 دول عالميا في انتشار معدلات الانتحار بالنسبة لسكانها وهي الكويت والتي انتحر فيها ما متوسطه 32 شخصا لكل 100 ألف نسمه في فترة الرصد ليكون ترتيبها السابع عالمياً، وتذيل ترتيب هذه الدول كل من لوكسمبورج، وكينيا، وروسيا البيضاء، ومولدوفا، بمتوسط 32، و31، و29، و28 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة من سكان كل دولة منهم على التوالي. كما هو موضح بالشكل رقم-2.

ثانياً: الدول الأقل تفشياً لظاهرة الانتحار عالمياً

رصدت منظمة الصحة العالمية بيانات الدول الأقل تفشياً لظاهرة الانتحار عالمياً، من حيث أعداد المنتحرين من ناحية ومن حيث معدلاتهم نسبة لعدد سكان كل دولة من ناحية أخرى، ويتبدى بالرجوع لتلك البيانات أن دولة أنتيغوا وباربودا كانت الدولة الأقل التي وقع فيها حالات انتحار حيث سجل فيها 11 حالة فقط طيلة فترة الرصد وهي 20 عاماً، وجاءت دولة غرينادا في الترتيب الثاني عالميا من حيث أقل عدد حالات انتحار بمجموع 37 حالة فقط، وتلتها في الترتيب دولة ساو تومي بمجموع 52 حالة انتحار، وحلّت دولة باربادوس الترتيب الرابع عالميا إذ بلغ عدد المنتحرين فيها 63 حالة فقط، وجاء في الترتيب الخامس والسادس كلا من تونجا، وسانت فنسنت بمجموع 86 و92 حالة انتحار لكل منهما على التوالي، وتخطت كل من سيشيل، وبروناي، وجزر البهاما، وجزر المالديف حاجز 100 حالة انتحار لكل منهم ليكون مجموعها على التوالي 149، و165، و223، و227 حالة انتحار. كما هو منوضح بالشكل رقم-3.

يلاحظ من خلال البيانات أعلاه تلك القائمة قد خلت من الدول العربية، كما أن معظم تلك الدول التي وقع فيها أقل عدد من ضحايا الانتحار هي في حقيقتها جزر صغيرة على المستوى الاقليمي، وأثناء فترة الرصد خلت بعض السنوات من أعداد للمنتحرين لتسجل صفراً، وربما يرجع ذلك لقلة عدد ساكنيها الأمر الذي يرنو بنا لبيان معدلات الانتحار الأقل بالنسبة لعدد سكان كل دولة إذ يعكس هذا المعيار بشكل أفضل حجم الظاهرة ومدى انتشارها بالنسبة للكثافة السكانية في كل دولة.
فعلى سبيل المثال رغم قلة أعداد المنتحرين في دولة أنتيغوا وباربودا إلا انها من بين أكثر 50 دولة في معدل الانتحار بين سكانها، كذلك غيرنادا إذ انتحر فيها 3 أشخاص لكل 100 ألف من سكانها ورغم قلتهم إلا انها ليست من بين الدول الـ10 الأقل عالميا في معدل انتشار الانتحار بين سكانها.
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية أن الأرجتين تتصدر أقل الدول عالمياً من حيث انتشار معدل الانتحار بين سكانها، والذي بلغ متوسطه 0.7 شخصاً لكل 100 ألف نسمة طيلة فترة الرصد، وتليها دولة باربادوس بما متوسطه 0.8 منتحرا لكل 100 ألف من سكانها، وفي الترتيب الثالث والرابع والخامس أتت كل من غواتيمالا، وسويسرا، وبروناي على التوالي في قائمة الدول الأقل انتشارا لحالات الانتحار بين سكان كل منهم بما متوسطه 1.7، و1.9، و2 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمه.
ورغم أن اليابان من أعلى دول من حيث أعداد الانتحار عالميا كما سبق القول إلا أنه نسبة لعدد سكانها البالغ متوسطه 127 مليوناً، جاءت في الترتيب السادس عالميا من حيث انتشار الانتحار بين سكانها الذي يقدر متوسطه حالتان فقط لكل 100 ألف نسمة فيها.
وتذيل ترتيب قائمة أقل 10 دول من حيث معدلات انتشار الانتحار نسبة لعدد سكانها كل من ساموا، وكازاخستان، وبيرو، وقيرغيزستان لتتراوح بين 2.2 و2.6 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمه لكل منهم على التوالي. كما هو موضح بالشكل رقم-4.

الفرع الثاني :أعداد ومعدلات الانتحار في الدول العربية

بلغ إجمالي عدد المنتحرين في 20 دولة عربية ماعدا فلسطين، ما مجموعه 310 ألف و742 حالة انتحار، وهو ما رصدت منظمة الصحة العالمية في الفترة الممتدة من عام 2000 حتى 2019ـ وهذا العدد يُمثل نسبة ضئية تقدر متوسطها بـ2% فقط من مجموع حالات الانتحار في العالم عن الفترة ذاتها التي تخطت حاجز الـ14 مليون حالة انتحار، وربما تشير ضآلة النسبة إلى البيئة الصحية في عالمنا العربي، والتشبث إلى حد كبير بالقيم الدينية، والموروث الثقافي العربي الراسخ منذ قرون، غير أنه لازال هناك متسع من تقليص هذه الأعداد بمعالجة الأسباب والدوافع المؤدية للانتحار.
ويتبدى ذلك بجلاء حال مقارنة الدول العربية في مجموعها مع نظرائها من الدول والاتحادات، فعلى سبيل المثال تشير البيانات أن مجموع المنتحرين في الدول العربية العشرين مجتمعة كان أقل من نظرائهم في دولة واحدة مثل باكستان مثلا، على الرغم من التعداد السكاني للدول العربية يمثل ضعف عدد سكان باكستان تقريباً، فبحسب بيانات الينك الدولي تجاوز مجموع سكان الدول العربية الـ464 مليون في 2022، في المقابل كان التعداد السكاني في باكستان 236 مليون نسمة، وخلال فترة الرصد كانت الفجوة بين التعداد السكاني قريب من الضعف (⁵).
والوضع ذاته ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يتجاوز عدد سكانها 350 مليون نسمة إلا أن حالات الانتحار فيها كانت أكثر من مرة ونصف من تلك التي وقعت في الدول العربية مجتمعة والتي بلغت 815,231 حالة مقابل 310,742 حالة للدول العربية.

وعند عقد مقارنة باحصائيات الدول العربية العشرين مجتمعة مع دول الاتحاد الأوروبي التي رصدت لها بيانات وهم 25 دولة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد في عام 2020 باتفاقية البرِيكْسِت، وعدم وجود بيانات لدولة مالطا، نجد أن هناك بون شاسع بين أعداد الأشخاص الذين انتحرو في كل مجموعة من الدول، ففي الاتحاد الأوروبي كان مجموعهم مليوناً و11 ألف و211 منحراً وهو يمثل أكثر ممن أقبلوا على الإنتحار في مجموعة الدول العربية بأربعة أضعاف تقريبا.
تُبرز هذه المقارنات محاسن الثقافة العربية المتجزرة في ضمير ووجدان شعبها، والتي يتأصل فيها سوء هذا التصرف الذي يتناقض مع الطبيعة البشرية والسنن الكونية، فالإنسان ما هو إلا أمين على جسده ولا يملك فيه تصرفا يودي بإيذاءه او يودي بحياته، فضلا عن الاعتقاد الديني السائد والذي ينذر بسوء عاقبة من يقبل على الانتحار.
تشير البيانات كذلك أن ضآلة حالات الانتحار في الدول العربية رغم ما مرت به من ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية قاسية نسبيباً في فترة الرصد التي تخللها بعض الثورات والتقلبات المجتمعية، مقابل تفشيها في الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي كمجتمعات متكاملة مشابهة للدولة العربية، تجمعها على الأغلب لغة واحدة ومصلحة واحدة وثقافة متقاربة، إنما يرسخ أن مفهوم التحضر لا ينظر إليه من منظور اقتصادي أو منظور رفاه اجتماعي، أو رفاه ثقافي فحسب، وإنما هو مجموعة من العوامل المستوحاه من ضمير الجماعة لفتراة زمنية كبيرة ومن بينها الاعتقاد بسوء هذا المسلك وعدم تقبله ليس دينيا فقط، بل واجتماعيا وثقافيا، هذا لا يعني أن الدول العربية غير مدعوة للأخذ بسبل الحد من أعداد الانتحار التي رصدت فيها والاكتفاء بما هو كائن، بل حريّ عليها السعيّ وراء كل سبب من أسبابه.
وبالنظر إلى واقع الدول العربية فيما بينها، فإن بيانات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن المغرب سجلّت أعلى عدد حالات انتحار في العقدين محل فترة الرصد الممتدة من عام 2000 حتى 2019، بمجموع 55,817 منتحراً، تلتها مصر في الترتيب بفارق بسيط إذ قدرت اعداد حالات الانتحار فيها عن المدة ذاتها 52,556 منتحراً، ليمثل مجموع كلا الدولتين ما نسبته 35% أي ثلث عدد حالات الانتحار التي وقعت في الدول العربية كافة.
جاءت السعودية في المركز الثالث من حيث أكثر الدول العربية في أعداد حالات الانتحار بمجموع 28,420 حالة، ثم السودان بمجموع 27,818 حالة انتحار، وحلت اليمن والعراق والجزائر في الترتيب الخامس والسادس والسابع توالياً لتتراوح أعداد حالات الانتحار بين 23,489 حالة و 26,658 حالة، في المقابل سجلت جزر القمر أقل عدد حالات الانتحار بمجموع 752 حالة فقط، ثم الكويت بمجموع 1,583 حالة، ثم البحرين بمجموع 1,913 حالة، ليكنونو الدول الثلاثة الأقل عددا في حالات الانتحار مقارنة بباقي كافة الدولي العربية في فترة الرصد. كما هو موضح بالشكل رقم -5.

وبالنظر لانتشار ظاهرة الانتحار بين سكان الدول العربية، تعد دولة الكويت هي الأكثر تفشيا لظاهرة الانتحار بين سكانها، حيث تشير البيانات أن قد انتحر فيها ما متوسطه 32 شخصا لكل 100 ألف نسمة من سكانها في فترة الرصد، رغم ان الكويت من الدول الأقل عددا في حالات الانتحار كما ذكرنا آنفاً إلا انه بالنسبة لعدد سكانها فهو رقم كبير، تلتها السودان كأكثر ثاني الدول التي يستشري فيها الانتحار بما متوسطه 27 منتحرا لكل 100 ألف نسمة من سكانها، ثم الصومال جاءت في الترتيب الثالث بما متوسطه 26 منتحرا لكل 100 ألف نسمة من سكانها. وعلى الرغم من أن أعداد حالات الانتحار في مصر كبيرة إلا أن نسبة لعدد سكانها لا تكون الظاهرة متفشيه بنسب كبيرة، إذ انتحر ما متوسطه 9 اشخاص لكل 100 ألف نسمة من سكانها لتتوسط ترتيب الدول العربية من حيث انتشار هذه الظاهرة، في المقال تعد تونس والجزائر هما الدولتين الأقل على االطلاق في انتشار الانتحار بين سكانهما الذي بلغ متوسط معدله 3 أشخاص فقط لكل 100 ألف نسمة. كما هو موضح بالشكل رقم-6.

الفرع الثالث : تطور أعداد ومعدلات الانتحار على مستوى المنطقة الجغرافية

حسب بيانات منظمة الصحة العالمية، وقع أقل عدد من حالات الانتحار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الفترة بين عام 2000 وحتى 2019 بمجموع 405,649 حالة انتحار، وهو ما يمثل 2.7% من حالات الانتحار كافة المتجاوز عددها 14 مليون حالة انتحار عالمياً في فترة الرصد، واستحوذت منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي على مانسبته 4.3% من حالات الانتحار عالميا بما مجموعة 642,663 حالة انتحار، وجاءت أمريكا الشمالية في المرتبة الثالثة من حيث أقل المناطق الجغرافية عددا في حالات الانتحار والذي وقع فيها 927,644 حالة انتحار بنسبة 6.35% من مجموع حالات الانتحار في العالم في العقدين محل الرصد.
تجاوز عدد المنتحرين حاجز المليون منتحرا في غرب أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء، بينما تجاوز حاجز المليونان في منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى، واستحوذت منطقتي جنوب آسيا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ على أكبر عدد من المنتحرين في ال20 عاماً محل الرصد، لتتخطى كلتا المنطقتين حاجز ال4 مليون منتحر، واستحوذتا هاتين المنطقتين على أكثر من نصف عدد المنتحرين عالمياً أي على ما نسبته 56.8% من مجموع المنتحرين عالمياً. كما هو موضح في الشكل رقم-7.
أما من حيث انتشار ظاهرة الانتحار بين سكان كل منطقة من المناطق الجغرافية، فقد بلغ أدناه في منطقة أمريكا الشمالية، حيث سجلت البيانات أنه انتحر ما متوسطه 7 أشخاص لكل 100 ألف من سكانها في فترة الرصد، أما منطقتي جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية والبحري الكاريبي فقد انتحر فيها ما متوسطه 8 أشخاص لكل 100 ألف من سكان كل منهما، أما منطقتي شرق آسيا والمحيط الهادئ، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان متوسط الانتحار بين سكان كل منهما هو 10 أشخاص لكل 100 ألف نسمة، وتعد ظاهرة الانتحار أكثر تفشيا في المناطق الجغرافية الثلاثة المتبقية، إذ انتخر ما متوسطه 11 شخص لكل 100 ألف من سكان منطقة غرب اوروبا، و13 منتحراً لكل 100 ألف من سكان منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى، وبلغ عددهم 16 منتحراً لكل 100 ألف من سكان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما هو موضح بالشكل رقم-8

الفرع الرابع : تطور الانتحار على مستوى القارة

تشير البيانات إلى ان قارة آسيا وقع فيها أكثر من 50% من حالات الانتحار التي شهدها العالم أجمع، حيث تجاوز عددها 8 مليون و7900 ألف حالة في فترة الرصد، غير انه بالنظر إلى عدد سكان تلك القارة الأكثر اكتظاظاً نجد أن معدل انتشار الانتحار لم يكن الأكثر حيث انتحر فيها 10.4 شخص لكل 100 ألف نسمة، بينما شهدت قارة أفريقيا المعدل الأكبر لانتشار الانتحار بين سكانها حيث انتحر فيها 15 شخص لكل 100 ألف نسمة، رغم أن أعداد المنتحرين تجاوزت مليون و526 ألف منتحراً، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ معدله 11.8 شخصاً لكل 100 ألف نسمة من المنتحرين. تفاقمت كذلك أعداد المنتحرين قارة اوروبا ليصل عددهم إلى نحو مليونيان و838 ألف و507 منتحراً لتكون ثاني أكبر قارة في أعداد المنتحرين كذلك احتلت الترتيب ذاته في معدل انتشار الظاهرة بين سكانها حيث انتحر فيها 12.7 شخص لكل 100 ألف نسمة فيها. وجاءت قارة أوقيانوسيا كأقل عددا في حالات الانتحار التي تخطت 72 ألف حالة، أما قارة أمريكا الشمالية هي الأقل على الاطلاق في معدلات انتشار الانتحار بين سكانها حيث بلغ متوسط نسبته 6.8 شخص لكل 100 ألف نسمة. كما هو موضح بالجدول رقم-9.

المطلب الثاني :تطور ظاهرة الانتحار زمنيا (2000 -2019)

تتبدى أهمية الإشارة إلى التطور الزمني لظاهرة الانتحار عالميا خلال عقدين من الزمن ما بين عام 2000 حتى 2019، إلى بيان منحنيات الهبوط والصعود لأعداد ومعدلات المنتحرين، ويساعد تحليل التطور الزمني لظاهرة الانتحار في توجيه السياسات العامة للحد منها من خلال فهم الاتجاهات والتغيرات التي شهدتها معدلات الانتحار في الفترة الزمنية محل الدراسة.

الفرع الأول: التغير السنوي العالمي في معدلات واعداد المنتحرين

تشير بيانات الانتحار عالمياً أن عام 2000 كان العام الاكثر زخماً بحالات الانتحار مقارنة بأعوام العقدين محل الدراسة، حيث بلغ عددها وقتئذ 791,855 حالة، ثم بدأت في رحلة هبوط في العامين التاليين لتنكمش اعداد حالات الانتحار بقرابة 27,945 حالة وتسجل 763,909 حالة انتحار في عام 2002 قبل أن تصعد في عام 2003 وتبلغ 770,133 حالة، وظل هذا الارتفاع مستمرا حتى بلغ ذروته في عام 2005 ليسجل ما مقداره 779,434 حالة انتحار.
ظلت اعداد الانتحار في انكماش متتالي منذ عام 2006 حتى عام 2008 التي شهدت استقرار نسبي، ثم استكملت رحلة الانكماش حتى بلغت أقصاها في عام 2016 لتنخفض اعداد المنتحرين بمقدار 63,259 حالة في 8 سنوات حيث سجلت ما مقداره 755,460 حالة في عام 2008، و انخفضت إلى692,201 حالة في عام 2016 وهي أطول سلسلة زمنية تتقلص فيها أعداد الانتحار. ارتفعت حالات الانتحار مرة أخرى في عامي 2017 و2018، ثم انخفضت في عام 2019 لتسجل 703,220 حالة انتحار.
يلاحظ من خلال البيانات أن حالات الانتحار شهدت ارتفاعاً 6 مرات في السنوات التالية؛ 2003 و2004 و2005 و2008 و2017 و2018، في المقابل انكمشت في 14 عاماً، ورغم هذا الانكماش إلا أنه عند مقارنة العام الأول لفترة الرصد بالعام الأخير، نجد أن حالات الانتحار انكمشت بنسبة 11% فقط، أي أن متوسط معدل التغير في الانكماش السنوى يكون 0.55%، وهي نسبة ضئيلة رغم ما اتخذته دول العالم من تدابير وإجراءات للحد من اللجوء للانتحار، حيث سعت بعضها إلى وضع استراتيجيات وطنية شاملة للوقاية من الانتحار، وتطوير خطط عمل واضحة للحد منها، وتعزيز التوعية والتثقيف العام حول الصحة النفسية. وسعت دول أخرى لتسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية النفسية عالية الجودة وتحسين الرعاية للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى.
يلاحظ كذلك أن أقصى منحني لارتفاع أعداد حالات الانتحار عالمياً كان في عام 2000 والتي بلغت آنذاك 791,855 حالة، بينما شهد عام 2016 أدنى منحنى لحالات الانتحار حيث بلغ إجماليها 692,201 حالة. كما هو موضح بالشكل رقم – 10.

واستنادا على بيانات منظمة الصحة العالمية فإن معدل انتشار الانتحار بين سكان العالم بلغ 13.3 منتحراً لكل 100 ألف نسمة في عام 2000، وظل في انكماش تدريجي حتى بلغ 10.2 منتحرا لكل 100 ألف نسمة عالمياً في عام 2019، وهو مؤشر إيجابي يدعو إلى التفاؤل الحذر.

الفرع الثاني: التغير الزمني في أعداد المنتحرين على مستوى المنطقة الجغرافية والقارة

على المستوى القاري شهدت قارتين فقط انخافضاً في أعداد المنتحرين وهما أوروبا وآسيا، فبعد أن كان عددهم في آسيا 481,666 منتحراً في عام 2000 انخفض إلى 408,750 بحلول عام 2019، بنسبة 15% على مدار العقدين، وفي أوروبا انخفضت أعداد المنتحرين من 176,120 منتحرا في 2000 إلى 108,206 منتحرا في 2019 أي انكمش عدد المنتحرين في قارة أوروبا بنسبة 39% بنهاية العقدين محل الدراسة.
في المقابل ارتفعت حالات الانتحار في القارات الأربع الأخريات بنسبة متفاوتةـ، ففي قارة أفريقيا ارتفعت حالات الانتحار بنسبة 20% حيث بلغ عددهم 84,663 حالة في عام 2019 بعد أن كانت 68,390 حالة في عام 2000، كذاك ارتفع عدد المنتحرين في قارة امريكا الجنوبية من 18,438 في عام 2000 إلى 27,105 حالة في 2019، أي بنسبة 32% تقريباً، أما في قارة أمريكا الشمالية فارتفع عدد المنتحرين من 43,962 منتحرا إلى 70,234 منتحرا بنهاية العقدين بنسبة هي الأكبر بلغت 37.5%، وأخيرا ارتفع كذلك عدد المنتحرين في أوقيانوسيا إلى 4,263 حالة في 2019 بعد أن كانت 3,278 حالة في عام 2000. كما هو موضح بالشكل رقم-11.

وعلى مستوى المناطق الجغرافية، فقد ارتفعت اعداد حالات الانتحار في 4 مناطق جغرافية بانتهاء العقدين وهم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أمريكا الشمالية، أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. في المقابل انخفضت أعداد المنتحرين في المناطق الجغرافيى الأربعة الأخرى وهم منطقة جنوب آسيا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى، وغرب أوروبا.
ويلاحظ من خلال بيانات منظمة الصحة العالمية ان من منطقة أمريكا الشمالية وقع فيها أعلى معدل زيادة لأعداد المنتحرين في فترة الرصد بزيادة 22,677 حالة في الـ 20 عاماً، ثم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حيث قفزت اعداد المنتحرين 15,646 حالة في الفترة ذاتها. في المقابل انخفضت حالات الانتحار في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ بما مقدارة 69,541 حالة بنهاية العقدين عما كانت عليه في عام 2000، وكذلك منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى التي تراجعت فيها حالات الانتحار بما مقداره 63,012 حالة عما كان عليه الوضع في عام 2000. كما هو موضح بالشكل رقم-12.

نخلص مما سبق أن التطور الزمني لأعداد المنتحرين عالميا تباين تارة بحسب المنطقة الجغرافية وتارة أخرى بحسب القارة، غير ان بيانات منظمة الصحة العالمية تظهر أن أعداد المنتحرين أخذت في الهبوط خاصة في الفترة بين 2005 حتى 2016، وهو ما يعد مؤشرا ايجابيا للبناء عليه وتقليص تلك الأعداد فيما بعد.

المبحث الثاني: واقع ظاهرة الانتحار في مصر: 2801 حالة و326 محاولة

تمهيد
رصد مركز جسور في قاعدة بياناته الموسومة بـ(إقرأ الحادثة)(⁶)عدد من وقائع الانتحار التي حدثت بالفعل في الفترة الزمنية من 2009 حتى 2022، من خلال ما نُشر من الاخبار الموثوقة بقسم الحوادث بموقع جريدة اليوم السابع المصرية حول هذه الوقائع بالتفصيل، حيث اضطلع المركز بتجميع المادة الأولية للبيانات، ثم اخضاعها لسلسلة من عمليات الفهرسة وتفكيك النصوص، ورصد واستخلاص ما بها من ارقام ودلالات، ثم إعادة بنائها وتصنيفها، ثم عرضها في صورة تحليلات إحصائية بسيطة وعميقة ومتعددة الجوانب ، وأظهرت هذه الأخبار التي نشرت والتي تم تحقيقها مسبقا على أن هناك 2801 حالة انتحار وقعت في الـ14 عاماً محل الرصد و326 محاولة انتحار، وفي هذا المبحث نتناول الأسباب التي دعت هؤلاء الاشخاص إلى الانتخار من خلال مطالعة الوقائع الكاملة لها وتأصيل أسبابها وبخاصة غير المنطقية منها، فضلاً عن بيان آليات الحد من هذه الظاهرة، وذلك في المطلبين التاليين؛ المطلب الأول: أسباب ووسائل الانتحار …… المطلب الثاني: آليات الحدّ من الانتحار.

المطلب الأول: أسباب ووسائل الانتحار

يبدو من خلال استقراء الوقائع الكاملة لحالات الانتحار التي رصدت في مصر أن هناك أسباب عديدة منها ما هو تقليدي ومعتاد ومنها ما هو مثير للانتباه، وما يصدق على الأسباب يصدق كذلك على الوسائل، وهو ما نتناوله في الآتي؛

الفرع الأول: أسباب الإنتحار اللاّ منطقية في مصر

لا شك أن اي سبب لا يعد مبررا لأن يقدم الانسان على الانتحار، غير أن هناك أسباب تبدو غير منطقية تثير الانتباه والفضول والتساؤل حول ملابساتها، وأشهر الأسباب التي دعت للانتحار في مصر من خلال وقائع أكثر من 3 ألاف حالة ومحاولة انتحار هي الآتي:
أولا: الهلع والرهبة من الامتحانات
كشفت البيانات في الأعوام محل الرصد أن هناك ما يقرب من 83 حالة انتحار بسبب إما الرسوب في امتحان معين، أو الخوف من دخوله، ليصبح الانتحار بسبب الامتحانات ظاهرة تدعو إلى التساؤل، وتجد هذه الظاهرة رواجها في الطلاب من المراحل التعليمية المختلفة، فمن بين الوقائع ” كشفت التحقيقات عن تفاصيل جديدة فى واقعة انتحار فتاة بمحطة مترو عين شمس، وتبين أن الفتاة رسبت فى الدور الأول للثانوية العامة، وأن قلقها من امتحان الدور الثانى جعلها تلقى نفسها تحت عجلات قطار المترو وتنتحر أمام الجميع (⁷). وطلبت النيابة حضور سائق المترو لسماع أقواله فى الواقعة، بعد أن أمرت بتفريغ كاميرات المحطة، كما أمرت بسرعة تحريات المباحث، بعد أن تلقت أجهزة الأمن المسئولة عن تأمين محطة مترو عين شمس اخطاراً بإلقاء فتاة نفسها أمام قطار المترو مما أدى إلى دهسها ومصرعها فى الحال.”
وفي واقعة أخرى ” تلقى….. إخطارا من المقدم أحمد الخولى رئيس مباحث مركز شرطة طوخ، يفيد تلقيه بلاغا من مستشفى بنها العام بوصول ” ياسمين . ه” – 16 سنة – طالبة بالصف الأول الثانوى التجارى مصابة بحالة تسمم، ولقيت مصرعها بالمستشفى، وتبين أنها تناولت مبيد حشرى.وأكدت تحريات

المباحث أن الطالبة أصيبت بحالة من الاكتئاب بسبب صعوبة أسئلة الامتحانات، وفشلها فى الأجابة على عدة مواد، فقامت بمغافلة أسرتها وتناولت مبيد حشرى، وعندما شعرت بحالة إعياء شديدة تم نقلها للمستشفى وفارقت الحياة هناك، وقام مينا رضا وكيل أول نيابة طوخ بمناظرة الجثة داخل المستشفى. تحرر محضر بالواقعة حمل رقم 1432 اداري مركز طوخ لسنة 2016 وبعرضه على النيابة العامة أصدرت قرارها السابق برئاسة مصطفى رشاد أبو العينين وبإشراف المستشار أحمد عبد الله المحامى العام لنيابات شمال القليوبية” (⁸).
وفي واقعة ثالثة ” خيم الحزن الشديد على أهالى قرية شنبارة منقلا التابعة لمركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، بعد علمهم بقيام طالب بالمرحلة النهائية بالثانوية العامة بالتخلص من حياته شنقا بسلك كهرباء، داخل الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف . ورفضت أسرة الطالب المنتحر الإدلاء بأى تفاصيل عن الواقعة، لشعور والدة الطالب بالذنب لمعايرتها لنجلها، بعد رسوبه بأن زملاءه بالقرية حصلوا على درجات أعلى منه وسوف يدخلون كليات مميزة عنه، و انتقل عصام أيمن وكيل أول نيابة ديرب نجم، برئاسة إسلام الحديدى، مدير النيابة، وبإشراف المستشار الدكتور ياسر إبراهيم هندى المحامى العام لنيابات جنوب الشرقية، إلى مسكن المنتحر لمعاينة الجثة، واستمعت النيابة العامة لأقوال أسرة الطالب، وقررت نقل الجثة إلى مشرحة مستشفى الأحرار لتشريحها لبيان سبب الوفاة..” (⁹).
وفي واقعة رابعة ” لقى تلميذ مصرعه بعد أن قام بشنق نفسه بقطعة قماش علقها بنافذة غرفة نومه، بسبب تعسره بالدراسة، حيث تلقى اللواء محسن مراد مدير أمن المنيا بلاغا من مأمور مركز شرطة المنيا يفيد العثور على تلميذ يدعى “مصطفى .ا. م ـ 12 سنة” بمرحلة التعليم الأساسى من كفر المنصورة. كان التلميذ قد قرر الانتحار والتخلص من حياته، بعد أن وجد نفسه متعثرا فى دراسته وازداد ضغط الأسرة عليه ومطالبته بالمذاكرة بشكل مستمر، فقام بلف قطعة من القماش على رقبته وعلقها فى القضبان الحديدية لنافذة حجرة نومه إلى أن فارق الحياة. عندما شعرت الأم بطول غيابه داخل حجرته، أخذوا يطرقون الباب وعندما لم يستجب حاولوا فتح الباب بقوة فوجدوا الابن قد فارق الحياة. تم إخطار أجهزة الأمن بالواقعة وتولت النيابة التحقيق. وكذلك ” انتحرت طالبة بالصف الثالث الإعدادى بسبب رسوبها فى الامتحانات وتناولت مادة سامة ما أدى لوفاتها وتحرر المحضر اللازم بمركز شرطة إيتاى البارود. وتلقى اللواء علاء الدين عبد الفتاح، مدير أمن البحيرة، إخطارًا من مركز شرطة إيتاى البارود من المستشفى العام بوصول “هاجر ع ش ر ” 14 سنة طالبة بالصف الثالث الإعدادى ومقيمة قرية العيون بدائرة المركز مصابه بإدعاء تناول مادة سامة وتوفيت عقب وصولها. بسؤال عمها السعيد ش ر 62 سنة بالمعاش ومقيم بذات الناحية قرر بتناول ابنة شقيقة المتوفية قرص مبيد حشرى “خاص بتخزين الغلال” لمرورها بحالة نفسية سيئة بسبب رسوبها فى امتحانات نصف العام الدراسى ولم يتهم أحد بالتسبب فى ذلك. وبتوقيع الكشف الطبى عليها بمعرفة مفتش الصحة أفاد بتقريره أن سبب الوفاة توقف بعضلة القلب نتيجة تناول مادة سامة ولا توجد بالوفاة شبة جنائية و تحرر المحضر اللازم وجارٍ العرض على النيابة العامة.” (¹⁰).
من ثم تشير العديد من الحالات بشكل صريح إلى أن الرسوب في الامتحانات أو الخوف والقلق الشديد من أدائها كان الدافع المباشر للانتحار. وتصف بعض الوقائع حالات اكتئاب وحالة نفسية سيئة نتيجة صعوبة الامتحانات أو توقع الفشل، مما دفع الطلاب إلى التفكير في الانتحار كحل. كما أن الظاهرة لا تقتصر على طلاب الثانوية العامة، بل تمتد لتشمل طلاب المرحلة الإعدادية، وحتى المرحلة الأساسية، هذا يشير إلى وجود ضغوط كبيرة على الطلاب في مختلف المراحل العمرية سواء كانو ذكورا ام إناث.

ثانيا: التقليد الأعمى للأفلام

من أسباب الانتحار التي تدعو للاستغراب ايضا التقليد الأعمى سواء لأفلام الكرتون وتقليد الممثلين بشكل عام، فمن الوقائع التي ادى فيها التقليد إلى الانتحار” واقعة انتحار طفلة بالمرج عقب مشاهدتها “كرتون”، كما كلفت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول الواقعة، وتشريح جثة الطفلة لتحديد سبب الوفاة، واستدعاء أهلها . بدأت تفاصيل تلك الواقعة بتلقى ضباط مباحث قسم شرطة المرج، بلاغا من أهل الطفلة يفيدون فيه بعثورهم على نجلتهم، منتحرة داخل غرفتها. تبين أنها تدعى «إيمان » وعمرها 11 سنة، وبالاستماع لأقوال اهلها كشفوا انها انتحرت باستخدام «شال» وذلك عقب مشاهدتها «كرتون» اطفال فحاولت تقليده، وتم تحرير محضر بالواقعة، وباشرت النيابة التحقيقات.”(¹¹) .
وفي واقعة أخرى “شهدت قرية باسوس بالقناطر الخيرية حادثا مأساويا عندما استيقظت ربة منزل لإيقاظ نجلها 11 عاما كى يتوجه إلى المدرسة ففوجئت بجثته تتدلى من سقف حجرة نومه وتبين أنه كان دائم مشاهدة الأفلام الصينية فحاول تقليد أحد الأبطال أثناء شنق نفسه.تم نقل الجثة إلى مستشفى القناطر الخيرية العام وأخطرت النيابة فتولت التحقيق بإشراف المستشار محمد عبد الله المحامى العام لنيابات جنوب بنها. تلقى اللواء رمزى تعلب مدير أمن القليوبية إخطارا من العقيد محمد شرباش رئيس فرع البحث الجنائى بشبرا الخيمة بالحادث.كشفت تحريات اللواء محمود يسرى مدير مباحث القليوبية والعميد دكتور أشرف عبد القادر رئيس المباحث أن المجنى عليه محمود أيمن محروس 11 عاما طالب إعدادى كان دائم مشاهدة الأفلام الصينية على القنوات الفضائية، والإنترنت فحاول تقليد أحد الأبطال أثناء محاولته التخلص من حياته بشنق نفسه، وعلق حبلا فى سقف حجرة النوم وشنق نفسه.”.
وفي حادث ثالث ” أمر مصطفى عقل وكيل نيابة البساتين بتشريح جثة طالب يبلغ من العمر 15 عاما، بعد أن قام بشنق نفسه عقب مشاهدته لفيلم أكشن عبر شاشات التليفزيون بمنطقة دار السلام. بدأت الواقعة بتلقى قسم شرطة دار السلام بلاغا من سائق يفيد فيه بعثوره على جثة نجله “عبدالرحمن.م” (15 سنة) طالب أزهرى بالصف الأول الإعدادى بمعهد عمرو بن العاص.كشفت التحقيقات، أن الجثة تم اكتشافها بواسطة زوجة شقيق المجنى عليه والتى تقيم معهم بنفس المنزل، حيث ذهبت لإيقاظه للذهاب إلى مدرسته فوجدته معلقا من رقبته فى سقف الحجرة، حيث قام بربط قطع أقمشة وعلقها بسقف الحجرة. وقد تبين أن الطالب كان يشاهد أفلام الأكشن الأجنبية، وأنه فى ليلة الواقعة كان يشاهد أحد الأفلام التى كان بها مشهد لإعداد مشنقة، وأنه حاول تنفيذ ما شاهده بالفيلم.”. وفي واقعة رابعة ” كشف مصدر أمنى بمديرية أمن الجيزة، عن مفاجأة فى حادث العثور على جثة طفلة داخل مسكنها بالحوامدية، حيث أفاد أن الطفلة البالغة من العمر 12 عاما، قلدت بطلة مسلسل هندى، يذاع على إحدى القنوات الفضائية، مما أسفر عن اختناقها بـ”كيس مخدة”، ومفارقتها الحياة. وأضاف المصدر أنه لا توجد شبهة جنائية فى الوفاة، وذكر أفراد أسرتها أنهم عثروا عليها مفارقة الحياة، ولا يشتبهوا فى الواقعة جنائيا. تلقى العميد علاء فتحى رئيس مباحث قطاع جنوب الجيزة، بلاغا يفيد العثور على جثة طفلة داخل مسكنها بالحوامدية، فانتقل رجال المباحث إلى محل الواقعة، وتم العثور على جثة طفلة تبلغ من العمر 12 سنة، تعرضت للاختناق بـ”كيس مخدة”، مما أسفر عن مفارقتها الحياة فى الحال، وحرر محضر بالواقعة، وباشرت النيابة التحقيق. (¹²)“

ثالثا: الانتحار بسبب الألعاب الإلكترونية

لعل من أغرب وقائع الانتحار ان يكون مرجعه إلى ألعاب الكترونية لاسيما ما تسببت فيه لعبة (الحوت الأزرق) حيث ” فتحت نيابة شمال القاهرة الكلية تحقيقات موسعة فى واقعة انتحار شاب بمنطقة روض الفرج بسبب لعبة “الحوت الازرق”، وكلفت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول الواقعة والتصريح بدفن جثة الشاب، وتفريغ اللاب توب الخاص بالشاب، وكذلك حضور أهله لسماع أقوالهم فى الواقعة. كانت البداية بعد ورود بلاغ لقسم شرطة روض الفرج بانتحار شاب يدعى “نادر” بمنطقة شرطة روض الفرج، وتبين من التحقيقات الأولية أن الشاب كان يمر بأزمة نفسية، وفى أيامه الأخيرة كان يجلس بمفرده دائما داخل غرفته. وتبين من التحريات الأولية أن الشاب انتحر من خلال طعن نفسه بسكين برقبته، وأمامه “لاب توب” وتبين وجود مجسم الحوت الأزرق محفورا كجرح على ذراع الشاب، وتم تحرير محضر بالواقعة وباشرت النيابة التحقيقات”، وفي واقعة أخرى “قامت طالبة فى الـ17 من العمر بإشعال النيران بمنزلها بناحية قرية الغنيمية دائرة مركز البلينا بعد أن سكبت مادة البنزين على والدتها وشقيقيها تنفيذا لتعليمات اللعبة مما نتج عنه وفاة الأم والأخ المعاق وإصابة الشقيق الأصغر واعترفت أمام رجال المباحث أنها ارتكبت الواقعة، بسبب لعبة الحوت الأزرق حيث إنها كانت تعانى من قيام والدتها بتفضيل شقيقيها عليها كان يجعلها تجلس فترات طويلة لوحدها كانت تمارس خلالها لعبة الحوت الأزرق”. وفي واقعة ثالثة “فشلت محاولات الأطباء التى استمرت على مدار 12 ساعة علاج تلميذ بالصف السادس الابتدائى بإحدى قرى مركز إيتاى البارود والذى لقى مصرعه متأثرا بأعراض التسمم بعد أن أقدم على الانتحار تنفيذا لأوامر لعبة “الحوت الأزرق”وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4788 إدارى 2018 إيتاى البارود، وباشرت النيابة العامة برئاسة المستشار إبراهيم المنشاوى مدير نيابة إيتاى البارود سكرتارية محمد سمك التحقيقات” وفي واقعة أخرى ” فى القاهرة فتحت نيابة شمال القاهرة الكلية تحقيقات موسعة فى واقعة انتحار شاب بمنطقة روض الفرج بسبب لعبة “الحوت الأزرق”، وكلفت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول الواقعة والتصريح بدفن جثة الشاب، وتفريغ اللاب توب الخاص بالشاب، وكذلك حضور أهله لسماع أقوالهم فى الواقعة، وتبين من التحريات الأولية أن الشاب انتحر من خلال طعن نفسه بسكين برقبته، وأمامه “لاب توب” وتبين وجود مجسم الحوت الأزرق محفورا كجرح على ذراع الشاب، وتم تحرير محضر بالواقعة وباشرت النيابة التحقيقات .(¹³) كما ” كشفت تحقيقات نيابة مدينة نصر الجزئية، حول واقعة انتحار شاب ، بإلقاء نفسه من برج سكنى ، بمنطقة عمارات العبور ، فى مدينة نصر ، أنه لا توجد شبه جنائية فى الواقعة ، حيث تبين أن الشاب كان يمر بأزمة نفسية سيئة ، أدت به إلى الانتحار بإلقاء نفسه من شرفة شقته ليسقط فى الشارع ميتاً، حيث تبين أنه كان مرتدياً ملابسه الداخلية فقط، وتبين من التحريات ان الشاب يسكن فى الطابق الرابع. وتم تحرير محضر بالواقعة وباشرت النيابة العامة التحقيقات.وفى سياق منفصل كانت قد صرحت نيابة المطرية الجزئية، بدفن جثة طفل أقدم على الانتحار بسبب الألعاب الإلكترونية، وكلفت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول الواقعة، وخلال التحقيقات قالت والدة الطفل إن نجلها اعتاد على ممارسة الألعاب على الهاتف المحمول، ولكن خلال الفترة الأخيرة بدأت تظهر عليه ملامح الانعزال حتى قام بالانتحار شنقا داخل الشقة”(¹⁴) .

رابعا: الانتحار بسبب خلافات أسرية وزوجية

تشير البيانات ان خلافات الأقارب ادت إلى انتحار 487 حالة، غير ان الخلافات تنوعت بين خلافات أسرية، وأخرى خلافات زوجية، وأخرى خلافات على الميراث، ومن بين الخلافات الأسرية التي تدعو للاستغراب ما أقدم عليه أحد الآباء بتأنيب إبنه لعدم اهتمامه بالدراسة فما كان أمام الابن سوى الانتحار حتى يتخلص من هذا العتاب الأبوي، وجاءت وقائع هذه الحادثة بأن “أمرت نيابة الهرم برئاسة المستشار أحمد عطية رئيس النيابة، بدفن “”ص.م”” 14 عاماً (طالب)، والذى شنق نفسه داخل منزله بمنطقة الهرم، نتيجة لمروره بحالة نفسية سيئة؛ بسبب معاتبة والده الدائمة له على عدم اهتمامه بدراسته، وطلبت النيابة تحريات المباحث حول الواقعة واستدعت أهل المتوفى لسماع أقوالهم حول الواقعة. وكشفت التحريات الأولية التى أجريت تحت إشراف الرائد عمرو حجازى رئيس مباحث قسم شرطة الهرم، أن والدة الطالب فوجئت بنجلها مشنوقاَ داخل حجرة منزلهما بالهرم، فأجرت اتصالاً هاتفياً بوالده أخبرته بانتحار نجله بشنق نفسه، والذى كان دائم المعاتبة للطالب بسبب عدم اهتمامه بدراسته.”(¹⁵) ، وفي واقعة أخرى ” أمرت نيابة بولاق الدكرور برئاسة المستشار عبد الرحمن حسام رئيس النيابة، بدفن جثة طالب ثانوى انتحر بسبب خلافات مع والده، وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة، وتقرير مفتش الصحة حول الوفاة، للوقوف على ظروف وملابسات الواقعة، كما استدعت أهلية المتوفى لسماع أقوالهم. وكشفت التحقيقات الأولية، أن المتوفى طالب فى الصف الثالث الثانوى، وأنه اقدم على شنق نفسه بمنطقة بولاق الدكرور بسبب خلافات بينه وبين والده، على المذاكرة، وأنه ترك خطاباً موجهاً لوالدته طالبها فيه بعدم الحزن عليه وأنه تخلص من حياته لأن والده لا يحبه مثل باقى أشقائه. تلقى قسم شرطة بولاق الدكرور بلاغا يفيد بانتحار “م.ع” طالب بالصف الثالث الثانوى، تبين بعد انتقال رجال المباحث لمحل الواقعة وإجراء التحريات، أن الطالب كان يمر بحالة نفسية سيئة عقب أداء امتحان اللغة الإنجليزية، كما أنه راسب فى الامتحان العام الماضى.” (¹⁶).
كذلك ما أقدم عليه شخص بقتل ولديه ثم الانتحار بسبب انفصالة عن زوجته، حيث جاءت وقائع تلك الحادثة على النحو التالي ” أمرت نيابة حوادث شمال الجيزة، برئاسة المستشار بدر مروان، اليوم الأربعاء، بتشريح ودفن جثة طفلين عثر عليهما بمياه النيل، على خلفية قيام والدهما بإلقائهما من أعلى كوبرى الساحل بإمبابة. وكشفت تحقيقات النيابة قيام هبة يوسف السيد 28 سنة، بتقديم بلاغ يفيد بأنها تلقت اتصالاً هاتفياً من زوجها “أحمد . ف . ر . ال” 28 عاماً سائق، يخبرها بإقدامه على الانتحار، بعدما تخلص من نجليه “إسلام” 10 سنوات و”يوسف” 5 سنوات عن طريق إلقائهما من أعلى كوبرى الساحل فى مياه النيل، وذلك بسبب سوء حالته النفسية والانفصال عنها.وبالاتصال بوالدة الزوج لإخبارها بما حدث، توجهت مسرعة لمنزل نجلها للتحقق من صحة أقوال أهل الزوجة، فقامت بطرق الباب ولكن دون جدوى، فاستعانت بالجيران، وعند دخولهم الشقة عثروا على جثته معلقة بـ”ملاية” فى سقف حجرته وبه كثير من الحروق.وأضافت التحقيقات، أن فريق من رجال المباحث توجه لمكان البلاغ، وتم العثور على الجثتين، وتمكنت شرطة المسطحات من انتشالهما من مياه النيل، وطالبت النيابة باستدعاء كل من الزوجة ووالدها وشقيقها لسماع أقوالهم حول الواقعة.” (¹⁷). كذلك “أمرت نيابة بولاق الدكرور برئاسة المستشار على محجوب رئيس النيابة، بدفن جثة “أ.أ” سائق، والذى انتحر بإلقاء نفسه من الطابق الخامس ببولاق، لمروره بأزمة نفسية، وطلبت النيابة تحريات المباحث حول الواقعة.كان اللواء مجدى عبد العال، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، تلقى بلاغًا بانتحار أحد الأشخاص ببولاق الدكرور، وكشفت التحريات أن المنتحر يدعى “أ.أ”، سائق “توك توك”، متزوج، وأصيب فى الآونة الأخيرة بأزمة نفسية، بسبب خلافات مع زوجته، مما دفعه للقفز من الطابق الخامس فسقط مفارقًا الحياة نتيجة إصابته بنزيف داخلى وكسور متفرقة بأنحاء جسده، وتم إخطار اللواء طارق نصر، مدير أمن الجيزة، وباشرت النيابة التحقيق” (¹⁸).. وفي واقعة ثالثة “صرحت نيابة الهرم برئاسة المستشار أحمد عطية يدفن جثمان قهوجى شنق نفسه داخل مسكنه، بسبب خلافات أسرية دفعت زوجته لترك المنزل. وتلقى الرائد محمد الصغير رئيس مباحث قسم شرطة الهرم، بلاغا بانتحار شخص داخل مسكنه، وبإجراء التحريات تبين أن “”س.أ”” 60 سنة قهوجى، علق رقبته بحبل فى غرفة نومه. وذكرت زوجته أنها تركت المنزل منذ أسبوع، بسبب خلافات بينهما، وتلقت اتصالا من جيرانها بانبعاث رائحة كريهة من الشقة، وعندما حضرت لاستطلاع الأمر عثرت على زوجها منتحرا، وأكدت أن تدهور حالته النفسية دفعته للانتحار، فتحرر محضرا بالواقعة، وأخطر اللواء عصام سعد مدير أمن الجيزة، وتولت النيابة التحقيق.” (¹⁹)
تسببت كذلك عدم قدرة أحد الاشخاص على الإنجاب في سوء حالته النفسية مما أدى إلى قدومه على الانتحار، وتتلخص هذه الواقعة في ان ” أمرت نيابة العياط برئاسة المستشار محمد السرجانى مدير النيابة، بدفن جثة “عادل.س” 57 سنة كهربائى انتحر شنقا داخل منزله بمنطقة العياط بجنوب الجيزة؛ بسبب عدم قدرته على الإنجاب، وطلبت النيابة تقرير الطب الشرعى حول الوفاة للوقوف على ظروفه وملابساته. استمعت النيابة لأقوال شقيق المجنى عليه والذى أكد فى التحقيقات أن شقيقه كان يمر بحالة نفسية سيئة نتيجة عدم قدرته على الإنجاب، مشيرا إلى أن شقيقه تزوج مرتين من أجل الإنجاب ولم يسعفه الحظ فى ذلك، وأنه ترك جوابا لهم أخبرهم فيه بعزمه على الانتحار بعد انفصاله عن زوجته الثانية منذ أشهر بعدما علمت أنه لا ينجب. وكشفت التحقيقات، أن المنتحر، عثر عليه الأهالى معلقا من رقبته بحبل بلاستيك فى “جنش” بسقف الصالة، ويرتدى ملابسه كاملة، وعثر بحوزته على الجواب الذى تركه لأسرته وأخبرهم فيه بانتحاره للسبب سالف الذكر، وأكدت التحقيقات أقوال كلا من “سعيد.ع” 69 سنة و “هدى.ا” 38 سنة جيران المنتحر”.
عانت طفلة بأزمة نفسية نتيجة زواج والدها بزوجة اخرى والتفريق في المعاملة بينها وبين أبنائه الأخرين ما دفعها إلى الانتحار وتتلخص هذه الواقعة في الآتي” استدعت نيابة حلوان، اليوم الأربعاء، والدة طفلة لقيت مصرعها منتحرة، بسبب زواج والدها بأخرى، وتفريقه في المعاملة بينها وبين شقيقاتها من الزوجة الثانية، لسماع أقوالها. بدأت الواقعة عندما تلقى مأمور قسم حلوان، بلاغًا يفيد بالعثور على جثة “ياسيمن.ا” 13 سنة مشنوقة داخل غرفتها. وبالانتقال والتحري، تبين أن المجني عليها شنقت نفسها بحبل مربوط فى سقف غرفتها، بسبب زواج والدها من أخرى، وانجابه والتفريق في المعاملة بين أشقائها، مما أدى إلى تدهور حالتها النفسية وانتحارها، تم تحرير المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيق”، وفي واقعة أخرى ” استعجلت نيابة الهرم تقرير الطب الشرعى فى حادث انتحار خادمة بإلقاء نفسها من الطابق الحادى عشر بأحد الأبراج السكنية بشارع كعابيش بالطوابق في فيصل.تعود تفاصيل الواقعة بورد بلاغ من مستشفى الهرم لقسم شرطة الهرم يفيد بوصول جثة فتاة فى العشرين من عمرها بها أثار كسور وكدمات ووجود سلك شائك مربوط حول قدمها اليسرى.وكشفت تحريات المباحث أن العقار الذى سقطت منه الفتاة ملك لسيدة تدعى “فكرية.م، فصدر قرار من النيابة بأستدعائها لسماع أقوالها فى الواقعة.وأكدت فكرية.م أن الفتاة كانت تعانى من أزمة نفسية سيئة بسبب أسرتها التى هربت منهم بعد أن أعتادو ضربها، ومعاملتها معاملة سيئة، فأحتضنتها و عاملتها معاملة طيبة كباقى أبنائها، لكنها فى الفترة الاخيرة لاحظت عليها السلوك العدوانى وعدم اللامبالاة والعزلة فحاولت التحدث معها أكثر من مرة وهددتها بأنها ستعيدها لاسرتها.وأكد شهود العيان فى تحقيقات النيابة أنهم كانوا جالسين على أحد المقاهى المقابلة لأحد الابراج السكنية بشارع كعابيش بفيصل ،وفوجئو بسقوط فتاة من الدور الحادى عشر، فاسرعوا وقاموا بنقلها إلى مستشفى الهرم لكنها كانت قد فارقت الحياة.” (²⁰).
وفي الخلافات الأسرية بسبب الميرات “قدم عامل بسوهاج على الانتحار بإطلاق النار على نفسه من سلاح غير مرخص كان بحوزته عقب إصابته بحالة هستيرية ظنا منه قيامه بقتل جده عقب إطلاق النار عليه من بندقية خرطوش بسبب الخلاف على الميراث. كان اللواء إبراهيم صابر مساعد الوزير مدير أمن سوهاج قد تلقى بلاغا من اللواء أيمن السيسى نائب مدير أمن سوهاج للجنوب … وأثناء فحص البلاغ بمكان الواقعة تقدم شاهد للواقعة ويقيم بذات الناحية جار المجنى عليه وأقر بأنه حال سيره بالجرار الزراعى قيادته شاهد المجنى عليه المذكور يطلق أعيرة من سلاح نارى كان بحيازته بندقية خرطوش تجاه جده السيد عبد المبدى عبد البارى 80 عاما مزارع دون حدوث ثمة إصابات بسبب خلافات على الميراث وظناً منه أنه قام بقتل جده سالف الذكر حدثت له حالة هستيرية فقام بإخراج سلاح نارى آخر من طيات ملابسه وأطلق عيار نارى صوب نفسه فأرداه قتيلاً. وأشارت التحريات الأولية إلى أن المجنى عليه المذكور يمر بضائقة مالية فى الفترة الأخيرة عقب وفاة والده ووجود خلافات بينه وبين جده المذكور وعمه عبد الناصر السيد عبد المبدى 47 عاما عامل ويقيم بذات الناحية بسبب الميراث وسابقة اتهام الأخير للمجنى عليه بإحداث إصابته بطلق نارى فى واقعة “(²¹).

خامسا: الانتحار بسبب الأمراض النفسية

تشير البيانات محل الرصد أن هناك قرابة 1258 حالة انتحار كان سببها المرضُ النفسيٌ (²²) أو العصابيُ(²³). ويعرف هذا المرض بأنه اضطرابُ في التوافقِ مع الذاتِ أو المحيطِ، ويصيب الجانبَ النفسيَ لشخصيةِ الفردِ، ويتدرجُ المرضُ من البسيط إلى الشديد حسب العوامل المؤثرة فيه، ويؤدي إلى اختلالِ جزئيِ في الشخصية نتيجة ذلك الاضطرابِ دون أن ينجم عن ذلك انفصالُ المريضِ عن محيطهِ الاجتماعي(²⁴).
وقد يكون المرضُ النفسيُ مستقلاً عن المرضِ العقلي(²⁵)، وإن كان كلاهما يدفعُ صاحبه إلى الشذوذِ في التفكير والتصرف، إلاّ أن الأول؛ قد يكون ناتجاً عن عدةِ عواملِ منها؛ الحزنُ الشديدُ الذي يصلُ إلى درجةِ الاكتئاب، مرضُ الزهايمر، تعرضُ الشخصِ إلى عنفِ طفوليِ أو إعتداء جنسي، أو لديه ازدواجية ناشئةُ عن المثليةِ الجنسيةِ أو كبتٌ جنسيٌ، أو لديه صلةُ بإدمانِ المخدرات، كلُ تلك العواملُ قد تؤدي إلى انتقاصِ، أو اختلالِ ملكتي الإدراكِ والإرادة للشاهدِ دون أن يصلَ إلى حدِ افتقادهما كليهما، وتقديرها يرجع في الأخير لقاضي الموضوع(²⁶).
ويختلفُ المرضُ النفسيُ عن العقلي في: أن الأولَ؛ يدركُ صاحبهُ أنه مريضُ عكسَ الثاني، كما أنه لا يُعد خطرا على المجتمعِ أو على نفسه في أغلبِ الأحوالِ لعلمه بالمرضِ وتقبله العلاج على خلافِ المريضِ مرضاً عقلياً، إلاّ أن المرض النفسي عادةً ما يستغرقُ وقتاً أطول من نظيرهِ العقلي(²⁷)، فضلاً عن أن المريض النفسي أيضاً يعفي من المسئولية الجنائية(²⁸).
من ثم تمثل نسبة الأمراض النفسية المسببة للانتحار ما مقداره 41% من إجمالي حالات الانتحار المرصودة في قاعدة بيانات مركز جسور المشار اليها آنفا، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة مع باقي الأسباب الأخرى المؤدية للإنتحار.
ومن الحالات التي تسببت في أزمات نفسية أدت لانتحار صاحبها، رفض والد المنتحر ارتباطه بإحدى الفتيات، وهي من الوقائع التي تدعو للتساؤل، حيث “شهدت قرية كفر يعقوب التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، واقعة إنهاء شاب لحياته بتناول حبة حفظ الغلال السامة، لرفض والده ارتباطه بإحدى الفتيات وتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة. تلقى اللواء هانى عويس مدير أمن الغربية إخطارا من مأمور مركز كفر الزيات بورود بلاغ لشرطة النجدة بوصول شاب يدعى محمود.ال 18 سنة للمستشفى مصاب بحالة إعياء شديد ووفاته. وبالفحص تبين تناوله حبة حفظ الغلال السامة لمروره بأزمة نفسية بسبب رفض والده ارتباطه بإحدى الفتيات مما دفعه للانتحار، تحرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة العامة للتحقيق”(²⁹) . وفي واقعة أخرى ” استمعت نيابة مركز الجيزة برئاسة المستشار مدحت هانى رئيس النيابة، إلى أقوال أهلية شاب انتحر بتناول مادة سامة بمنطقة أبو النمرس بجنوب الجيزة، والذين أكدوا فى التحقيقات أن ابنهم دخل فى حالة نفسية سيئة بعد انفصاله عن إحدى الفتيات التى ارتبط بها عاطفيا، وانهم حاولوا إخراجه من تلك الحالة دون جدوى. وتابعت أسرة الشاب المنتحر فى أقوالهم أمام النيابة، أن ابنهم تناول مادة سامة أسفرت عن وفاته، وهو ما أكده التقرير الطبى الأولى الذى تسلمته النيابة العامة. وتسلمت أسرة المجنى عليه جثمانه بعد قرار النيابة بدفنها لعدم وجود شبهة جنائية، وطلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة للوقوف على ظروفها وملابساتها. تلقى رئيس مباحث مركز شرطة أبو النمرس بلاغا يفيد انتحار أحد الأشخاص داخل مسكنه، وبإجراء التحريات تبين أن طالبا تناول مادة سامة بعد أن ساءت حالته النفسية لانفصاله عن فتاة تربطه بها علاقة عاطفية، وتحرر محضر بالواقعة وباشرت النيابة التحقيق”.
كما تسبب طرد رب العمل لشخص بعد خلاف بينهما إلة إساءة حالة النفسية فأقدم على الانتحار حيث جاءت وقائع هذه الحادثة أنه “أمرت نيابة امبابة وكرداسة ، بتشريح ودفن جثة طالب لقى مصرعه عقب مرور بأزمة نفسية. كشفت تحقيقات النيابة الاولية ، تلقى ضباط مباحث مركز كرداسة إخطار من أحدي المستشفيات بدائرة المركز يفيد بوصول “حسن. م. م” طالب يبلغ من العمر 15 عاما، مقيم بدائرة مركز كرداسة، جثة هامدة، وبها آثار دماء حمراء حول الرقبة والعينين. وكشفت التحقيقات ان والده “مجدي. م” 44 عام ، موظف بشركة للغزل والنسيج، اقر بأن نجله يعمل بورشة خياطة كائنة بالمنطقة سكنه وحدث خلاف بينه وبين صاحب العمل، فقام بطرده من العمل وحضر فى حالة نفسية سيئة، وصعد إلى سطح العقار سكنه، وربط سلك دش بخرسانية ولفه حول رقبته، حيث شاهدته والدته، وحاولت إنقاذه، ونقله لمستشفى بذات القرية، لكنه فارق الحياه، ولم يتهم أحدا أو يشتبه في وفاته جنائياً”(³⁰) .
وفي واقعة أخرى تعثر فيها أحد خريجين كلية الهندسة في الحصول على عمل بعد التخرج فأقدم على الانتحار، وجاءت وقائعها على النحو التالي”أمر المستشار حاتم فضل رئيس نيابة قسم الجيزة بتشريح ودفن جثة شاب حاصل على بكالوريوس الهندسة، شنق نفسه داخل مسكنه بالجيزة أمس الأحد، وذلك لفشله فى العثور على فرصة عمل، كما أمرت النيابة بسرعة تحريات المباحث حول الواقعة، لمعرفة وجود شبهة جنائية من عدمه.البداية كانت عندما تلقى المقدم أحمد الدسوقى رئيس مباحث قسم شرطة الجيزة بلاغا بانتحار شاب داخل مسكنه بمنطقة الجيزة، وبانتقال الرائد طارق مدحت معاون مباحث قسم الجيزة، إلى مكان البلاغ تبين أن “محمود.خ” 27 سنة حاصل على بكالوريوس هندسة، انتحر داخل غرفته، حيث اكتشف والده انتحاره عندما دخل غرفته فعثر عليها معلقا من رقبته بسقف الغرفة. وأفاد والد المنتحر أن ابنه فشل فى الحصول على أى فرصة عمل عقب تخرجه، وكان يعانى من حالة نفسية سيئة فى الآونة الأخيرة دفعته للانتحار، تحرر محضر بالواقعة وأخطر اللواء كمال الدالى مدير أمن الجيزة وتولت النيابة التحقيق”.
الخلافات الأسرية كذلك تسببت في العديد من الوقائع الي سوء الحالة النفسية التي قادت الكثيرين نحو الانتحار، فمن بين تلك الوقائع ” أمرت النيابة العامة بالتصريح بدفن جثة فتاة انتحرت وبثت الواقعة على الفيس بوك وكلفت المباحث الجنائية بسرعة إجراء التحريات حول الواقعة. وكشفت التحريات الأولية أن الفتاة أقدمت على الانتحار لمرورها بحالة نفسية سيئة. وأضافت التحريات أن الفتاة كانت على خلافات أسرية قديمة مع أهلها، وتركت محافظتها وأقامت بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، ولديها طفل عمره 6 أشهر. تلقت أجهزة الأمن بالقاهرة بلاغا من شرطة النجدة بوجود جثة داخل شقة بمنطقة وسط البلد، وعلى الفور انتقلت أجهزة الأمن وعثر على جثة فتاة، وتبين وجود قطع بشرايين يدها، كما تبين أنها أقدمت على الانتحار في بث مباشر على الفيس بوك، وتم نقل جثتها للمشرحة تحت تصرف النيابة” . (³¹)وفي واقعة أخرى “صرحت النيابة العامة بجنوب الجيزة بدفن جثة طفل انتحر بشنق نفسه داخل مسكنه بالهرم، بسبب مروره بأزمة نفسية سيئة، وطلبت النيابة التقرير الطبى الخاص بالمجنى عليه. تلقى المقدم محمد الصغير رئيس مباحث قسم شرطة الهرم بلاغا يفيد العثور على جثة طفل يبلغ من العمر 13 عاما داخل مسكنه بدائرة القسم. بإجراء التحريات تبين للرائد مصطفى لاشين معاون مباحث قسم الهرم أن الطفل أصيب بحالة نفسية سيئة، عقب حدوث مشادة كلامية بينه وبين أحد أفراد أسرته، فأسرع لغرفته وأغلق الباب ثم شنق نفسه، تحرر محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة للتحقيق”.
أدى كذلك الضغط على أحد الافراد ودفعه لللزواج دون رغبته إى سوء حالته النفسية ما أدى إلى انتحاره حيث ” قررت النيابة العامة بجنوب القاهرة، حفظ التحقيقات في واقعة محاولة شاب الانتحار بالقاء نفسه في النيل، وبسؤال الشاب خلال تحقيقات النيابة، أكد أنه يمر بأزمة نفسية منذ فترة، نتيجة خلافات عائلية، بسبب رغبتهم في زواجه دون رغبته في ذلك. تلقى قسم شرطة مصر القديمة، برئاسة المقدم شادي الشاهد، بلاغًا من إدارة المسطحات المائية بمحاولة انتحار شخص بإلقاء نفسه من أعلى كوبري عباس، وتمكنت الخدمة المعينة من انتشاله، وتبين أنه يدعى “ج. ع. ش”، 25 سنة، عامل، مقيم بمركز مغاغة بالمنيا، ولا توجد به ثمة إصابات ظاهرية، وتم تحرير المحضر اللازم، والعرض على النيابة لمباشرة سير التحقيقات”.

سادسا: الانتحار بسبب الخوف من الفضيحة

من الملفت أيضا تنامي ظاهرة الانتحار خوفا من الفضيحة بسبب العلاقات الجنسية غير المشروعة، حيث أدى الانتقام الاباحي من أحد الفتيات إلى الاقدام على الانتحار خوفا من الفضيحة، ففي أحد الوقائع ” “طلبت النيابة العامة بجنوب الجيزة تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة مصرع فتاة بعد إشعالها النار فى نفسها بمركز العياط، نتيجة مرورها بحالة نفسية سيئة. ويجرى رجال المباحث بمديرية أمن الجيزة، تحريات مكثفة فى واقعة مصرع فتاة نتيجة إشعال النار بنفسها فى العياط، متأثرة بالإصابات التى لحقت بها، نتيجة تداول مقطع فيديو لها مخل بصحبة شاب، حيث استمع رجال المباحث لأقوال أفراد أسرتها، لكشف ملابسات الواقعة، وبيان وجود شبهة جنائية من عدمه، وتم ضبط الشاب الذى ظهر بالفيديو، وتبين أنه وراء تسجيله، وادعى أنه تسرب دون علمه من هاتفه المحمول، على يد أحد الأشخاص خلال إجراء صيانة له. ويواصل رجال المباحث تكثيف التحريات، لكشف كافة الدلائل الخاصة بالحادث، وحرر محضر بالواقعة، وباشرت النيابة التحقيق. تلقى مركز شرطة العياط، بمديرية أمن الجيزة، بلاغا يفيد مصرع فتاة نتيجة إصاباتها بحروق متفرقة بأنحاء جسدها، انتقل رجال المباحث إلى محل الواقعة، وتبين أن الفتاة أشعلت النار بنفسها، بعد تداول مقطع فيديو مخل لها يجمعها بشاب، مما دفعها لإنهاء حياتها حرقا، وتم ضبط الشاب الذى ظهر بمقطع الفيديو بصحبتها، وحرر محضر بالواقعة، وباشرت النيابة التحقيق.” الأمر الذي يُثير الانتباه حول خطورة الفيديو الإباحي لأشخاص عاديين ومدى تأثير ذلك على حقهم في الشرف والاعتبار ، وفي واقعة أخرى أدت إلى انتحار فتاه مصرية في مُقتبل عمرها (16 عاماً) في يناير 2022 بعدما استغل أحد الأشخاص صورها المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي ليصنع محتوى إباحي مزيف لها ويطلقه ليتداول بين أفراد مدينتها فما وجدت ملاذا لصون شرفها وسمعتها سوى الموت(³²).
وفي واقعة أخرى شنق عامل نفسه داخل منزله فى مدينة السلام، بعدما هجرته زوجته وكشفت لذويه علاقاته النسائية وخيانته لها وبإخطار النيابة انتقلت برئاسة المستشار أحمد دبوس وناظرت الجثة، وصرحت بدفنها بعد تشريحها بإشراف المستشار محمد عبد الشافى المحامى العام الأول لنيابات شرق القاهرة الكلية.كان قسم شرطة السلام تلقى بلاغا بانتحار عامل داخل شقته، فانتقل رجال المباحث، وتبين أن المتوفى صنع لنفسه مشنقة فى سقف غرفته وأنهى حياته.وتوصلت التحريات إلى أن زوجة المتوفى تركت المنزل بعدما اكتشفت تعدد علاقاته النسائية، وتوجهت إلى أسرتها، وأخبرت أفراد عائلته بأنه يخونها، وعندما علم العامل بنشر فضيحته شعر بالخجل وصنع مشنقة وانتحر. كما أنهت فتاة حياتها وانتحرت بإلقاء نفسها من شرفة شقتها بمنطقة المرج، خوفا من أسرتها بعد علمهم بعلاقتها غيرالشرعية مع شاب. البداية كانت بتلقي ضباط مباحث القسم، إخطارا من المستشفى بوصول “ياسيمن م” فى العقد الثانى من عمرها جثة هامدة، إثر سقوطها من الطابق الرابع، انتقل رجال المباحث لمكان الواقعة وبسؤال والديها اعترفا أن ابنتهما من أقدمت على الانتحار بعد مغافلتهم وانتحرت لارتباطها بعلاقة غير شرعية بشاب. تبين من التحريات والتحقيقات، أن أسرة المتوفية لاحظت تغيرا فى سلوك ابنتهم حتى قرروا مراقبتها، حيث عثروا بهاتفها على محادثات بينها وبين شاب يتفقوا خلالها على لقاءات فى منزله، وبمواجهتها بالرسائل أصيبت الفتاة بالصدمة وأسرعت لشرفة الشقة وألقت بنفسها من الطابق الرابع جثة هامدة. تم تحرير محضر بالواقعة رقم ١٠٥١٨ المرج لسنة ٢٠١٧ ، وأخطرت النيابة التى تولت التحقيق.
كذلك كشفت تحقيقات النيابة التى باشرها عماد أبو الحسن رئيس النيابة، أن المجنى عليها “سماح. م” كانت على علاقة صداقة مع شاب تطورت إلى الارتباط العاطفى، وفى أحد الأيام حدث خلاف بين المجنى عليها وعائلتها، فقامت بالاتصال بصديقها وطلبت منه أن تقيم معه فى شقته بالقاهرة الجديدة. توجها إلى الشقة وأقامت الفتاة مع الشاب لمده يومين فى الشقة مما أثار حفيظة أحد سكان العقار فقام بالاتصال بقسم الشرطة لبيان سبب وجود هذه الفتاة فى الشقة علما بأن صاحبها غير متزوج.توجهت قوة من قسم شرطة القاهرة الجديدة إلى العقار وصعدوا إلى الشقة وبمجرد أن شاهدتهم الفتاة قفزت من نافذة الشقة فسقطت جثة هامدة، حيث انتقلت النيابة إلى موقع الحادث وتبين أن الفتاة قد ماتت متأثرة بكسر فى الجمجمة حيث أمرت النيابة بتشريح جثتها وطلبت من المباحث تحرياتها حول الواقعة.
ومن الوقائع المؤسفة اقبال بنت على الانتحار نتيجة حملها سفاحا من خالها، حيث كشفت التحقيقات دوافع المجنى عليها للانتحار، وذلك بعد أن أسرع شقيقها ويدعى ” م.ك”، واعترف بمحضر التحقيق أنه تخلص منها بنفسه بخنقها، فى حين كشف تقرير الطب الشرعى وفاة المجنى عليها نتيجة إصابتها بالتسمم وليس كما زعم شقيقها. وحاول فريق التحقيق كشف لغز اعتراف شقيقها على نفسه بالواقعة، وتبين أنه فعل ذلك خشية من الفضيحة بعد علمه بحملها من خالها. تبين أن المتهم الرئيسى بالواقعة هو خال المجنى عليها ويعمل مزارعا بمركز كوم امبو، سبق واعتدى على المجنى عليها جنسيا واستغل غياب أسرتها بالمنزل، وتبين أن المتهم متزوج منذ فترة، وبعد واقعة الاعتداء خشيت الفتاة إبلاغ اسرتها بما حدث، إلا أنها فوجئت بحملها فأسرعت لإبلاغ خالها لإخفاء الفضيحة، إلا أن والداتها تمكنت من التصنت على المكالمة الهاتفية التى دارت بينها وبين خالها، فانهارت وكشفت حقيقة الأمر لأسرتها التى توعدتها بالموت. ودلت التحقيقات أن المجنى عليها قررت التخلص من حياتها بعد شعورها بالذنب وخوفا من رد فعل أسرتها، فقررت تناول كمية من الصبغة وتوفيت بالحال. وتمكنت النيابة من فك لغز القضية من خلال تفريغ المكالمات الهاتفية التى دارت بين المجنى عليها وخالها، والتى اثبتت صحة التحريات. ومن جانبها، قررت محكمة أسوان إخلاء سبيل شقيق المجنى عليها بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، فى حين تم تجديد حبس خال المجنى عليها والمتهم الرئيسى بالواقعة بتهمة اغتصاب فتاة .(³³)
ولعل من الوقائع المثيرة كذلك ” كسفت التحقيقات أن السبب الرئيسى لقدومه على الانتحار .. “محمد . ا” ابن الستة وعشرون عاما، أقدم على الانتحار بعدما اكتشف أن زوجته حامل فى الشهر الرابع، رغم أنه لم يمرعلى زواجهما 10 أيام”(³⁴) .

سابعا: أسباب أخرى

تثير مجموعة اخرى من الأسباب التساؤل وربما الحيرة، فعلى سبيل المثال أقدم عامل على الانتحار لمجرد رفض اختراعة (³⁵)، وأدى الاضطهاد في العمل على إقدام آخر على الانتحار (³⁶)، وثالث قرر الانتحار هربا من تنفيذ مجموعة أحكام صادرة ضدة، وتتعدد الأسباب التي تجعل القارئ مندهشاً ليتساءل، ألهذا السبب ينهي شخص حياته؟ لاسيما مجرد مروره بأزمة عاطفية (³⁷)أو تعنت إداري، أو سحب والد التليفون من إبنه الذي انتحر على إثر هذا السبب(³⁸) .
تجدر الإشارة إلى أننا أشرنا إلى الأسباب اللا منطقية إلى حد كبير والتي لا ترق لأنه تكون دافعا للانتحار، وهو ما يشير إلى هوان النفس والروح لدى البعض من فاقدي المثل الدينية وربما المفتقرين للسلوك الاجتماعي القويم والثقافة والهوية. بيد أن اقائع الانتحار المرصودة في مصر تشير إلى أن هناك حالات انتحار كثير كانت بسبب الإدمان على المخدرات أو الكحوليات وبلغ عددها نحو 26 حالة، كما انتحر أشخاص كثر بسبب ضيق الرزق والبطالة والمرور بضائقة مالية وهكذا.

الفرع الثاني: وسائل الانتحار الأكثر شيوعاً في مصر

يبدو من خلال استقراء الوقائع الكاملة لحالات الانتحار التي رصدت وقائعها في مصر أن وسائل الانتحار الأكثر شيوعاً جاءت على الترتيب التالي؛
أولاً: 1088 حالة انتحار من خلال شنق النفس
تعد وسيلة الشنق هي الأكثر تداولا بين المنتحرين في مصر من خلال عينة البيانات التي اعتمدنا عليها والمشار إليها سلفاً والتي عددها 2801 حالة، ووسلة شنق النفس تمثل نحو 39% من إجالي وسائل الانتحار الأخرى، سواء تم الشنق باستخدام حبل (³⁹)، لاسيما حبل غسيل (⁴⁰)أو عن طريق ربط بعض ملابسه ببعضها وتعليقها فى مروحة السقف (⁴¹).
ثانيا: 557 حالة انتحار من خلال القفز من أعلى
القفز من أعلى حلّ في المرتبة الثانية كأكثر وسائل الانتحار المستخدمة في مصر من خلال العينة المرصودة، كمن يقفز من على سطح منزل، أو شرفة في بناية، أو من أحد الادوار (⁴²)أو الطوابق، أو من أعلى الكوبري (⁴³).
ثالثا: 359 انتحروا بتناول مواد سامة
تعد من أيسر الوسائل التي قد يلجأ إليها المنتحر هو تناول مواد سامة سريعة المفعول، ولعل خطورة هذه المواد أنها في متناول الجميع، لاسيما تجرع سم الفئران (⁴⁴)أو حبوب الغلة(⁴⁵) ، او مبيد حشري (⁴⁶)، أو صبغة شعر(⁴⁷) ، أو تناول قرص سوس القمح (⁴⁸).
رابعا: 211 انتحروا بالقفز في المياه
انتحر عدد 211 شخص من خلال القفز في المياة، سواء في النيل (⁴⁹)أو في البحر (⁵⁰)، هذا الرقم يُشير إلى أن “القفز في المياه” هو وسيلة شائعة للانتحار في مصر. وجود نهر النيل الذي يمر بقلب العديد من المحافظات، ووجود سواحل بحرية طويلة، يُسهل الوصول إلى هذه الوسيلة. إن انتشار هذه الحالات في أماكن مختلفة (نهر النيل في الجيزة والبحر في الإسكندرية) يُؤكد أن الظاهرة ليست مقتصرة على منطقة بعينها.
خامسا: وسائل أخرى للانتحار
تشير البيانات أن 187 شخص انتحروا باستخدام سلاح ناري بقتل أنفسهم (⁵¹)، وأحرق 123 شخص نفسه (⁵²)من خلال إشعال النار في نفسه وهي من أبشع وسائل الانتحار، نتاول نحو 101 شخص تناول عقاقير طبية ومخدرة أردته قتيلا (⁵³)، وقطع 54 شخص شريانه الأمر الذي يصعب مداواته في زمن قصير ما يترتب عليه تحقق الانتحار في وقت قصير. كما هو موضح في الشكل رقم 13:

المطلب الثاني: آليات الحد من الانتحار

باستجلاء أسباب الانتحار من خلال وقاع الحالات المرصودة في مصر نجد ان الامر لا يتوقف فقط على ضرورة اعلاء القيم الدينية، أو ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي للفئات الأكثر احتياجاً، أو ضرورة توفير فرص عمل للأشخاص، لأن أسباب الانتحار لم تكن مقتصرة على الالتفات للمُثُل الدينية أو مرور الشخص بضائقة مالية، وإنما تعدت ذلك الأسباب إلى أسباب اخرى ربما تكون غير مبررة ولا منطقية، الأمر الذي يتوجب اتباع نهج شامل ومتعدد القطاعات، يجمع بين التدخلات الفردية والبرامج على مستوى المجتمع، والسياسات الوطنية. لا يوجد حل واحد لهذه الظاهرة المعقدة، بل هي منظومة متكاملة من الإجراءات. ويمكن ان نتناول ذلك من خلال الآتي؛

الخاتمة

في ختام هذه الدراسة، التي سعت إلى استكشاف ظاهرة الانتحار في مصر والعالم من خلال أرقامها المفزعة وأسبابها المتشابكة، يتضح أننا أمام تحدٍ إنساني وصحي يتجاوز حدود الفرد ليصبح مسؤولية جماعية. لقد كشفت الأرقام أن الانتحار ليس مجرد حدث فردي نادر، بل هو وباء صامت يفتك بمئات الآلاف من الأرواح سنوياً، ويُشكل سبباً رئيسياً للوفاة بين فئة الشباب، وهو ما يُنذر بمخاطر جمة على مستقبل المجتمعات. وانتهت هذه الدراسة الموجزة لمجموعة من النتائج والتوصيات نعرضها في الآتي؛

النتائج

1- تشير بيانات الصحة العالمية إلى أن عدد المنتحرين بلغ 14 مليونا و799 ألف و982 منتحراً ما بين 2000 حتى 2019، أي بنسبة 51.7 منتحر لكل 100 ألف نسمة، وهو يُمثل ما متوسطه 700 حالة انتحار سنوياُ.
2- تصدرت 10 دول أعلى معدل في أعداد المنتحرين بها، من مجموع 183 دولة فى فترة الرصد، وهو بالترتيب الهند، الصين، روسيا، أمريكا، اليابان، باكستان، كوريا الجنوبية، أوكرانيا، جنوب أفريقيا، فرنسا.
3- تخطى عدد المنتحرين في الدول العشرة الأكثر تفشيا للانتحار 10 مليون منتحراً من إجمالي 14 مليونا و799 ألف و982 منتحراً لتستحوذ على ما نسبته 69% من المنتحرين عالمياً وهي نسبة كبيرة جداً. وتتشارك الـ 173 دولة الاخري باقي أعداد المنتحرين الذي تجاوز 4 ملايين و799 ألف.
4- رغم أن الهند تستحوذ على نصيب الأسد من أعداد المنتحرين عالمياً إلا أنها تقبع في الترتيب الـ 68 من حيث معدل انتشار ظاهرة الانتحار نسبة لعدد سكانها الذي تجاوز المليار في 2000 وأكثر من مليار و400 مليوناً في 2019، وبموجب بيانات منطمة الصحة العالمية بلغ متوسط معدل الانتحار في الهند 12 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة من سكانها.
5- الصين ينتحر فيها ما متوسطه 10 أشخاص في كل 100 ألف نسمة من سكانها في فترة الرصد، لتجئ في الترتيب الـ 94 عالمياً من حيث تفشى ظاهرة الانتحار.
6- معيار معدل الانتحار لكل 100 ألف نسمة من سكان كل دولة هو الأكثر واقعية في بيان مدى تفشى حالات الانتحار في دولة بعينها.
7- جاءت دولة عربية وحيدة من بين أكثر 10 دول عالميا في انتشار معدلات الانتحار بالنسبة لسكانها وهي الكويت والتي انتحر فيها ما متوسطه 32 شخصا لكل 100 ألف نسمه ليكون ترتيبها السابع عالمياً
8- تشير بيانات الصحة العالمية أن الأرجتين تتصدر أقل الدول عالمياً من حيث انتشار معدل الانتحار، والذي بلغ متوسطه 0.7 شخصاً لكل 100 ألف نسمة.
9- بلغ إجمالي عدد المنتحرين في 20 دولة عربية ماعدا فلسطين،ما مجموعه 310 ألف و742 حالة انتحار بقترة الرضد، وهذا العدد يُمثل نسبة ضئية تقدر متوسطها بـ2% فقط من مجموع حالات الانتحار في العالم عن الفترة ذاتها.
10- المغرب سجلّت أعلى عدد حالات انتحار في العقدين محل فترة الرصد، بمجموع 55,817 منتحراً، تلتها مصر في الترتيب بفارق بسيط  بمجموع 52,556 منتحراً، ليمثل مجموع كلا الدولتين ما نسبته 35% أي ثلث عدد حالات الانتحار التي وقعت في الدول العربية كافة.
11- تشير البيانات إلى ان قارة آسيا وقع فيها أكثر من 50% من حالات الانتحار التي شهدها العالم أجمع، حيث تجاوز عددها 8 مليون و7900 ألف حالة في فترة الرصد.
12- زمنيا بلغ أقصى منحني لارتفاع أعداد حالات الانتحار عالمياً كان في عام 2000 والتي بلغت آنذاك 791,855 حالة، بينما شهد عام 2016 أدنى منحنى لحالات الانتحار حيث بلغ إجماليها 692,201 حالة.
13- التطور الزمني لأعداد المنتحرين عالميا تباين تارة بحسب المنطقة الجغرافية وتارة أخرى بحسب القارة، غير ان بيانات الصحة العالمية تظهر أن أعداد المنتحرين أخذت في الهبوط بين 2005 حتى 2016، وهو ما يعد مؤشرا ايجابيا للبناء عليه وتقليص تلك الأعداد فيما بعد.
14- تعددت أسباب الانتحار في مصر بين أسباب تقليدية كإدمان المخدرات والكحوليات أو الأمراض النفسية كالاكتئات، وأسباب أخرى لا منطقية مثل الهلع والرهبة من الامتحانات، والتقليد الأعمى للأفلام، والانتحار بسبب الألعاب الإلكترونية، والخلافات أسرية وزوجية، الخوف من الفضيحة.
15- الوسائل الأكثر استعمالا للانتحار في مصر هي الشنق ثم القفز من أعلى مكان ما، كالقفز من أعلى بناية أو كوبري، ثم تجرع مواد وعقاقير سامة كحبوب الغلة أو مبيد حشري.
16- هناك تعارض كبير في بيانات وأعداد المنحرين في مصر نتيجة لما يسمى بالرقم المطموس وهو عدم الابلاغ عن حالة الانتحار تارة، وعدم ضلوع الجهات المسؤولة بحصرها.
17- المشرع المصري لا يعاقب على الانتحار أو على التحريض عليه باعتبار ان الانتحار ليس مجرم من الأساس، فمن هانت عليه نفسه لا يتحقق غرض العقوبة فيه.

التوصيات

أولا: على المستوى العالمي:

1- تبني معيار “معدل الانتحار لكل 100 ألف نسمة” كمعيار لبيان حالة تفشي ظاهرة الانتحار عالميا، لأنه الأكثر واقعية، لذا من الضرورة على المنظمات الدولية والمحلية اعتماد على هذا المعيار عند وضع سياساتها وتخصيص مواردها، بدلاً من الاعتماد فقط على العدد الإجمالي لحالات الانتحار.

2- نظراً لاستحواذ 10 دول فقط على 69% من إجمالي حالات الانتحار عالمياً، يجب على منظمة الصحة العالمية والمنظمات الأممية ذات الصلة توجيه برامجها ومساعداتها بشكل مكثف لهذه الدول، وتحديداً في آسيا التي تُسجل أعلى عدد من حالات الانتحار.

3- ينبغي تشجيع التعاون بين الدول التي نجحت في خفض معدلات الانتحار وبين الدول التي لا تزال تُعاني من ارتفاع في معدلاتها، لتبادل أفضل الممارسات والاستراتيجيات.

ثانيا: توصيات على المستوى الوطني والإقليمي:

1- على الدول التي تُعاني من أعداد مرتفعة من حالات الانتحار (مثل المغرب ومصر) أن تُطلق استراتيجيات وطنية شاملة لمواجهة الظاهرة، تُشارك فيها وزارات الصحة، والتربية، والداخلية، والإعلام.

2- يجب على الحكومات الاستثمار في خدمات الصحة النفسية التي تعد من الخدمات المنسية نوعا ما، وضرورة إتاحتها للجميع، وتدريب الأطباء والمختصين على تشخيص الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية وعلاجها بشكل فعال.

3- تقليل الوصول إلى الوسائل التي تُستخدم في الانتحار، مثل المبيدات الحشرية والسموم، خاصة في المناطق الريفية. كما يُوصى بتشديد الرقابة على صرف الأدوية التي قد تُستخدم في هذا السياق، بحيث لا تُصرف إلا بوصفة طبية.

4- جب مراقبة المحتوى الرقمي الذي يروج للأفكار الانتحارية، سواء عبر الإنترنت أو من خلال بعض الألعاب الإلكترونية، مع ضرورة توفير بيانات دقيقة ومحدثة عن حالات الانتحار لتحليلها ووضع سياسات فعالة بناءً عليها.