عبء معظمه بلا عائد، ومسؤولية لا يقابلها حقوق: 8.7% من اقتصاد العالم على أكتاف الصغار بين 5 و17 عامًا

الحقيقة المؤلمة القاسية التي قد لا يعرفها الكثيرون أن ما يزيد على 8.7% من جميع أنواع الأنشطة الاقتصادية حول العالم هي في حقيقتها أعمال تقع على عاتق أطفال صغار تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا. بعضهم يعمل فترة من الوقت تتراوح بين ساعة و42 ساعة في الأسبوع، في ظروف عمل غير عادلة أو على الأقل تنقصها العدالة، لأنها ظروف تجعل معظم العبء الواقع عليهم بلا عائد يعود عليهم مباشرة كما هو الحال مع الكبار، والمسؤولية التي يضطلعون بها في أعمالهم لا يقابلها في الغالب حقوق تحميهم وتصون جهدهم وكرامتهم.
هذه النتيجة هي ما يمكن لأي مراقب الخروج بها حينما يقرأ البيانات التي نُشرت بالتحديث الأخير لقاعدة بيانات منظمة اليونيسف أو “صندوق الأمم المتحدة للطفولة”، والتي رصدت ظاهرة عمالة وتشغيل الأطفال حول العالم، وتحديدًا خلال الفترة من 2020 إلى 2024.
تأسست منظمة اليونيسف عام 1946 كوكالة من وكالات الأمم المتحدة، وكانت تحمل اسم “الصندوق الدولي الطارئ للأطفال التابع للأمم المتحدة”، ومنها اشتُق اسمها الشهير “اليونيسف”. وتقول المنظمة إن بياناتها التي نشرتها بشأن عمالة الأطفال تتعلق بنسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا والمنخرطين في سوق العمل بشتى الأنشطة الاقتصادية المختلفة. وتقع أعمارهم في ثلاث شرائح عمرية:
الأولى بين 5 و11 عامًا، ويمارسون أعمالًا لفترة زمنية تصل إلى ساعة واحدة على الأقل أسبوعيًا.
الثانية بين 11 و14 عامًا، ويمارسون أعمالًا لفترة زمنية تصل إلى 14 ساعة في الأسبوع على الأقل.
الثالثة بين 15 و17 عامًا، ويمارسون أعمالًا لفترة زمنية تصل إلى 43 ساعة على الأقل أسبوعيًا.
وفقًا لهذا التعريف، قامت المنظمة بتتبع حالة العمالة والتشغيل للأطفال في سوق العمل بقطاعاته وأنشطته المختلفة حول العالم من خلال ثلاث وضعيات:
نسبة عمالة الأطفال ككل من النوعين.
نسبة الأطفال الذكور من إجمالي الذكور المنخرطين في سوق العمل.
نسبة الأطفال الإناث من إجمالي الإناث العاملات المنخرطات في سوق العمل.
بحسب البيانات التي حصلت عليها المنظمة عن أوضاع عمالة وتشغيل الأطفال خلال الفترة من 2020 إلى 2024، فإن المتوسط العام العالمي لنسبة الأطفال من النوعين بين المنخرطين في سوق العمل كان 7.8%، في حين ارتفعت نسبة الأطفال الذكور من إجمالي الذكور العاملين إلى 8.6%، وانخفضت إلى 6.9% بين الأطفال الإناث من إجمالي العاملات الإناث.
تباينت هذه النسب بصورة واضحة عند رصدها على مستوى المنطقة الجغرافية الواحدة، حيث سجلت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أعلى معدلات التشغيل والعمالة للأطفال من النوعين خلال الفترة نفسها. فنسبة عمالة الأطفال من النوعين معًا بلغت 21.3%، فيما ارتفعت نسبة الأطفال الذكور إلى 22%، وبلغت نسبة الأطفال الإناث العاملات 20.7%. وهذا يعني أن ما يقرب من خُمس أنشطة الاقتصاد في بلدان هذه المنطقة يتحمله الأطفال في السن المحددة من قبل المنظمة (بين 5 و17 عامًا)، وبالتالي تعتبر هذه المنطقة الأسوأ عالميًا على الإطلاق في عمالة وتشغيل الأطفال بصورة جائرة.
في المرتبة التالية تأتي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كثاني أسوأ مناطق العالم استغلالًا للأطفال في التشغيل والعمالة، حيث بلغت نسبة الأطفال من النوعين 6.4% من حجم سوق العمل والتشغيل، وبلغت نسبة الأطفال الذكور 8.7% والأطفال الإناث 4%.
في المرتبة الثالثة جاءت منطقة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي سجلت 5.5% للأطفال من النوعين، و3.8% للأطفال الإناث، و7.2% للأطفال الذكور. فيما تراجعت النسب في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ إلى 3.2% للنوعين، و2.8% للأطفال الإناث، و3.5% للأطفال الذكور. وسجلت أمريكا الشمالية مستويات منخفضة للغاية، حيث بلغت النسبة من النوعين 0.4%، والذكور 0.5% والإناث 0.2%. ولم تذكر بيانات المنظمة أرقامًا محددة عن مناطق شرق وجنوب إفريقيا وغرب ووسط إفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأوروبا الغربية، حيث لم تتوفر عنها – فيما يبدو – البيانات الكافية.
يشتد التباين والاختلاف بصورة أكبر عند النظر للظاهرة على مستوى الدولة الواحدة. فمن بين بيانات 303 دولة، هناك 20 دولة حول العالم ترتفع فيها نسب عمالة وتشغيل الأطفال إلى نسب مخيفة، تتراوح بين نصف وخُمس عدد المنخرطين في سوق العمل من مختلف الشرائح العمرية. وتقف دولة بوروندي على رأس هذه الدول، حيث يتحمل الأطفال من النوعين في الشرائح العمرية المشار إليها ما يزيد على 53.5% من عبء العمالة والتشغيل. ويلفت النظر أن النسبة ترتفع لدى الأطفال الإناث إلى 45.9%، متجاوزةً النسبة لدى الأطفال الذكور البالغة 52.2%.
في ذيل قائمة الدول العشرين تأتي دولة غينيا، التي يضطلع الأطفال فيها بنحو خُمس الأعباء في الأنشطة الاقتصادية بها، حيث تبلغ نسبة عمالة وتشغيل الأطفال من النوعين 19.5%، وتتجاوز النسبة الخُمس في حالة الذكور (21.1%)، وتتراجع إلى ما دون الخُمس بقليل في حالة الأطفال الإناث (17.8%).
داخل قائمة العشرين دولة، توجد خمس دول يضطلع الأطفال فيها بما يتراوح بين نصف وثلث عبء العمل في شتى الأنشطة الاقتصادية، وهذه الدول هي:
النيجر: نسبة النوعين 42%، الذكور 45.2%، الإناث 39.6%.
أوغندا: نسبة النوعين 40.1%، الذكور 40.6%، الإناث 39.6%.
الكاميرون: نسبة النوعين 33.4%، الذكور 38.5%، الإناث 32.8%.
تشاد: نسبة النوعين 30.9%، الذكور 33.8%، الإناث 27.8%.
غينيا بيساو: نسبة النوعين 30.4%، الذكور 30%، الإناث 30.7%.
أما باقي الدول الـ15 في القائمة، فتتراوح نسب عمالة وتشغيل الأطفال فيها بين 30% و20%، ومن بينها نيجيريا وفانواتو وتونغا ونيكاراغوا وتوجو وزيمبابوي ومدغشقر وملاوي وجمهورية لاوس الديمقراطية وهايتي وليبيريا وسيراليون ومالي وغينيا.
في كل الأحوال، تشير بيانات اليونيسف إلى أن 110 دولة حول العالم توافرت بشأنها بيانات مؤكدة عن تشغيل وعمالة الأطفال من النوعين في ظروف عمل جائرة، تكسر القواعد المتعلقة بحماية الطفولة من العمل في السن المبكرة، وتقدم دليلًا واضحًا على انتهاك حقوق الطفل بإجباره على العمل في سن مبكرة، ومن ناحية ثانية استغلاله ماديًا وجسديًا والسطو على حقوقه في أجر عادل في حال القبول على مضض بمبدأ تشغيله من الأصل.