الدول الغنية تعمل عدد ساعات أقل في القطاعين العام والخاص: 4 دول مرتفعة الدخل ضمن أعلى 60 دولة في متوسط ساعات العمل الأسبوعية

رصدت قاعدة بيانات منظمة العمل الدولية (ILO) متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعية الفعلية لكل شخص خلال الفترة من 1976 الى 2024 لنحو 129 دولة، منها 27 ذات دخل مرتفع، و40 دولة ذات دخل متوسط أعلى، و39 ذات دخل متوسط أدنى، و23 ذات دخل منخفض. وتُظهر البيانات أن الدول ذات الدخل المرتفع هي الأقل في متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعية سواء في القطاع العام (41.62) أو القطاع الخاص (42.09)، مقارنة بباقي الدول ذات الدخول الأخرى، كما هو موضح بالجدول رقم (1).
تُشير البيانات كذلك أن 4 دول فقط من الدول ذات الدخل المرتفع تضمنتها قائمة أعلى 60 دولة في متوسط ساعات العمل الأسبوعية في القطاعين العام والخاص، بينما الـ 23 دولة الأخرى دخلت ضمن قائمة الدول المتوسطة والقليلة في عدد ساعات العمل الأسبوعية في القطاعين العام والخاص، وهو مفاده أن الدول الغنية تعمل عدد ساعات أقل من الدول ذات الدخول الأخرى سواء متوسطة أو منخفضة الدخل. ويمكن تفسير ذلك إلى أن الدول الغنية لديها زيادة في الإنتاجية الفردية مقارنة بالدول الأخرى، كذلك لديها تنظيم تشريعي محكم في سوق العمل، فضلا عن أن مستوى التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج متقدمة على خلاف الدول الأخرى التي تعتمد على الأفراد في الإنتاج ما يجعل الدولة الغنية قادرة على تحقيق نفس حجم الإنتاج أو أعلى منه بساعات عمل أقل، ويتيح للعاملين فيها توازنًا أفضل بين العمل والحياة الشخصية، وتقليل الإرهاق المهني، وزيادة الكفاءة الاقتصادية بشكل عام. كما هو موضح بالجدول رقم (2).
تُظهر البيانات كذلك إلى أن تصنيف الدخل يلعب دورًا مهمًا في تحديد أعباء العمل بين القطاعين الخاص والعام، فالدول ذات الدخل المرتفع، مثل الإمارات، تميل إلى تسجيل ساعات أقل في القطاع العام (43.75 ساعة أسبوعيًا) مقارنة بالدول متوسطة الدخل الأعلى مثل لبنان وكولومبيا، حيث تصل ساعات العمل في القطاع العام إلى 58.43 و60.72 ساعة على التوالي. ويلاحظ أن بعض الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى تظهر تفاوتًا كبيرًا بين القطاعين، إذ تسجل دول مثل بوتان وبوركينا فاسو ساعات أعلى في القطاع الخاص، بينما دول أخرى مثل ساحل العاج وموريتانيا تظهر ساعات أعلى في القطاع العام، ما يعكس اختلاف سياسات سوق العمل، وطبيعة الوظائف، واعتماد الدول على الأفراد مقابل التكنولوجيا في الإنتاج.
تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى وجود تفاوتات ملحوظة في متوسط ساعات العمل الأسبوعية بين موظفي القطاعين العام والخاص في قائمة الـ60 دولة المرفقة. ويُمكن تقسيم هذه الفوارق إلى اتجاهين رئيسيين:
أولاً: الدول التي يعمل فيها موظفو القطاع العام أكثر من موظفي القطاع الخاص: تظهر أكبر الفوارق الإيجابية لصالح القطاع العام في عشر دول، حيث يتجاوز متوسط ساعات العمل في القطاع العام نظيره في القطاع الخاص بفارق كبير، وتتصدر القائمة كولومبيا بفارق يبلغ نحو (+14.89 ساعة) أسبوعياً، تليها أفغانستان (+11.17 ساعة)، ثم ساحل العاج (+11.07 ساعة)، وتنزانيا (+10.53 ساعة)، وغواتيمالا (+10.37 ساعة)، كما تشمل القائمة دولًا مثل جورجيا (+9.18 ساعة)، إسواتيني (+7.95 ساعة)، لبنان (+7.78 ساعة)، السلفادور (+7.38 ساعة)، وكينيا (+6.00 ساعات).
يُلاحظ أن معظم هذه الدول تنتمي إلى فئتي الدخل المتوسط الأدنى والمتوسط الأعلى، وهو ما قد يعكس طبيعة المؤسسات الحكومية والالتزامات الوظيفية في القطاع العام لاسيما ساعات العمل.
ثانيًا: الدول التي يعمل فيها موظفو القطاع الخاص أكثر من موظفي القطاع العام: سجلت عشر دول، في المقابل، أكبر الفوارق السالبة، حيث يعمل موظفو القطاع الخاص لساعات أطول مقارنة بالقطاع العام، وتتصدر القائمة ليسوتو بفارق (−11.33 ساعة) أسبوعياً، تليها غامبيا (−9.89 ساعة)، ثم بوتسوانا (−7.91 ساعة)، والإمارات العربية المتحدة (−7.80 ساعة)، وبوركينا فاسو (−7.65 ساعة)، كما تضم القائمة دولًا مثل تركيا (−7.16 ساعة)، مالي (−7.05 ساعة)، جزر المالديف (−6.43 ساعة)، منغوليا (−5.31 ساعة)، والأردن (−5.22 ساعة).
وتكشف هذه النتائج عن حضور واضح لدول ذات دخل منخفض وأخرى من فئة المتوسط الأعلى، مما يشير إلى أن الفوارق ليست حكرًا على مستوى دخل معين، بل ترتبط بعوامل تنظيمية واقتصادية متباينة.
تُبرز هذه الأنماط أن الفوارق في ساعات العمل بين القطاعين ليست متجانسة عبر الدول، بل تتأثر بمحددات هيكلية مثل مستوى التنمية الاقتصادية، طبيعة الوظائف العامة، وأطر التشريعات العمالية.
تُظهر البيانات إذن أن الفوارق في متوسط ساعات العمل الأسبوعية بين القطاعين العام والخاص ترتبط، إلى حدٍّ ما، بمستوى الدخل القومي للدولة، ففي الدول ذات الدخل المتوسط، ولا سيما الشريحة الدنيا، تتضح فجوة إيجابية لصالح القطاع العام، حيث يعمل موظفو هذا القطاع لساعات أطول مقارنة بالقطاع الخاص، وهو نتيجة صرامة القواعد الإدارية، وطبيعة المهن العامة التي تتطلب التزامًا وظيفيًا أكبر (كالتعليم، الصحة، والأمن)، إضافة إلى شروط تشغيل أقل مرونة مقارنة بالقطاع الخاص.
أما في الدول مرتفعة الدخل، فيميل الاتجاه إلى العكس؛ إذ يعمل موظفو القطاع الخاص لساعات أطول من نظرائهم في القطاع العام بفارق واضح يبلغ نحو 1.94 ساعة أسبوعيًا في المتوسط.
وفي المقابل، تُظهر الدول منخفضة الدخل درجة عالية من التباين في الفوارق بين القطاعين، إذ تميل بعض الدول إلى ساعات أطول في القطاع العام، بينما تسجل أخرى تفوقًا للقطاع الخاص، مما يشير إلى تأثيرات متباينة للعوامل الاقتصادية والمؤسسية في هذه الفئة.