يبلغ عدد المهاجرين الأسيويين 44 مليوناً بنسبة 16% من إجمالي المهاجرين الدوليين المُقدر عددهم بـ 272مليوناً وفقاً لتقدير قسم السكان بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة لعام 2019، هذا العدد الكبير من المهاجرين المنحدرين من أصل أسيوي ازداد في السنوات الأخيرة إلا أنه رُبما يتراجع بشكل ملحوظ بحلول عام 2050 الذي يُتوقع أن تنتج آسيا فيه 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفق تقارير بنك التنمية الآسيوي، الأمر الذي يُثبط دوافع هجرة الأسيويين للخارج. وتُعرِّف الأمم المتحدة «المهاجرين» على أنهم الأشخاص الذين يعيشون في دولة أو منطقة غير بلد ميلادهم، على سبيل المثال اللاجئون والطلاب الأجانب والعاملين في الخارج وأفراد أسرهم دونما السياح أو الأفراد الذين يقيمون في الخارج لبضعة أشهر. بيد أن هؤلاء المهاجرين أضحوا عُرضة للتحيُّز والعنصرية بسبب فيروس كورونا المستجد، الذي نشب في الصين وأخذ في التغلغل ليجوب 196 دولة ومنطقة في العالم.
تعددّت مظاهر التحيُّز ضد الآسيويين بسبب فيروس كورونا المستجد في دول عديدة بين ارتكاب أفعال مادية كتخريب وإتلاف محالهم التجارية وإجبارهم على الغلق والتعدي عليهم بالإيذاء البدني، وأفعال أخرى معنوية كالتلفّظ بالكلمات العنصرية، وتزايدت تعابير رهاب ذوي الأصل الأسيوي على منصات التواصل الاجتماعي لاسيما تويتر، الذي أطلق من خلاله وسم(BlameChina#) ويعني اللوم على الصين، ووسم (ChinaVirus#) ويعني الفيروس الصيني، ذاك الوسم الذي ارتفع تداوله إلى ما يقرب من 130 ألفاً في اليوم التالي من استخدامه من الرئيس دونالد ترامب ربما ليرسخ في وجدان العالم مسؤولية الصين عن نشأة وانتشار الفيروس.
تلك الكلمات العنصرية التي تشدّق بها العديد من الأفراد العاديين والمسؤولين رُبما تكون أسرع انتشاراً من الفيروس ذاته لاسيما في عصر اتسم بالرقمنة، يتفاعل فيه 4.1 مليار شخصاً أي ما يُعادل 60% من مجموع سكان العالم من خلال وسائل عديدة أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي وفقاً لإحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات. وتتزايد طردياً تلك الكلمات العنصرية ضد المنحدرين من أصل آسيوي مع الزيادة في أعداد المصابين الذين تجاوز عددهم 14 مليون مصاباً في الأسبوع التاسع والعشرين من تاريخ ظهوره في مدينة ووهان الصينية، دونما لقاح يقضي عليه أو علاج يحدّ من خطورته حتى الآن. ويؤكد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة الذي صرّح في مايو 2020 أن الوباء لا يزال يطلق العنان لموجة من الكراهية وكره الأجانب، ويستخدمهم ككبش فداء الأمر الذي يوجب على الحكومات أن تتدخل لتعزيز مناعة المجتمعات ضد فيروس الكراهية والعنصرية.
وقد أشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر بعنوان «اعتبارات الصحة العقلية أثناء تفشي كوفيد19-» في مارس، إلى أن الفيروس من المرجح أن يؤثر على العديد من البلدان في العديد من المناطق الجغرافية، لذلك فهو غير مرتبط بالصين ولا يمكن إلقاء اللوم أو التنمر من عرق أو بلد أو جنسية بعينها، ويستلزم الأمر من كل فرد التعاطف مع ما يحدث مع المتضررين من أي بلد، «فالمصاب بالمرض لم يرتكب أي خطأ ولم يقترف أي ذنب لإصابته».
فضلاً عن ذلك أوصت لجنة الأمم المتحدة المسؤولة عن مراقبة الامتثال للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، التي صدقت عليها 182 دولة، بأن تتبنى الحكومات خطط عمل وطنية جادة لمكافحة التمييز العنصري أيًا كان مظهره أو سببه.
ويمكن رصد الحالات التي تعرضت للتحيُّز العرقي بسبب فيروس كورونا بحسب الإحصائيات (أعدتها منظمة « Human Rights Watch») على مجموعة من الدول – كما هو موضح بالشكل البياني – ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ظهرت حوادث عديدة ضد السكان الآسيويين منذ تفشي وباء كوفيد- 19 في فبراير ومارس ولازالت تلك الحوادث مستمرة، وفي أواخر أبريل صرّح ائتلاف المجموعات الآسيوية الأمريكية التي أنشأت مركز شكوى يسمى «STOP AAPI HATE» أنهم تلقوا ما يقرُب من 1500 بلاغ عن حوادث العنصرية وخطاب الكراهية والتمييز، من بينها 125 حالة من الاعتداءات الجسدية على الأمريكيين الآسيويين والآسيويين. في حين أعلن مركز أبحاث جامعة سان فرانسيسكو أنه تلقى أكثر من 1700 بلاغ عن التمييز المرتبط بفيروس كورونا من 45 ولاية أمريكية على الأقل منذ اطلاقه في مارس. ولم تتخذ (السلطات المعنية) أي إجراء محدد لمعالجة الزيادة في الهجمات العنصرية والتمييز، على الرغم من أن العديد من حكومات الولايات والحكومات المحلية قد أنشأت مساعدة هاتفية وأمرت السلطات بالتحقيق في الاعتداءات أو التمييز. ووفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي أنه اعتبارًا من عام 2019، يعيش أكثر من 20 مليون أمريكياً آسيوياً في الولايات المتحدة. ويشكل الأمريكيون الآسيويون – الذين يتألفون من أشخاص من أصول الشرق الأقصى أو جنوب شرق آسيا أو شبه القارة الهندية – المجموعة العرقية الرئيسية الأسرع نموًا في البلاد.
وفي المملكة المتحدة، تم الإبلاغ عن العديد من الهجمات العنيفة على التجمعات الآسيوية عندما تفشي كوفيد 19 في فبراير 2020. حيث صرّحت الشرطة الإقليمية البريطانية عن 267 جريمة كراهية ضد الآسيويين مسجلة في جميع أنحاء البلاد بين يناير ومارس فقط. وأكدت ذلك منظمة «Stop Hate UK « المعنية بمناهضة العنصرية.
وفي أستراليا تم الإبلاغ عن عدد من حالات الاعتداءات العنصرية والتخريب ضد السكان من أصل آسيوي في جميع أنحاء البلاد. ورصد التحالف الآسيوي الأسترالي 178 حادثة خلال الأسبوعين الأولين من أبريل فقط، ثم تلقت بعد ذلك ما يقرب من 12 بلاغاً يومياً.
وفي إيطاليا لم يسلم كذلك ذوي الأصل الأسيوي من الانتهاكات العنصرية، إذ رصدت منظمة «Lunaria» المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة العنصرية 61 حالة تعدي، وفي ألمانيا رصدت الوكالة الاتحادية لمكافحة التمييز عدد 100 حالة وصم عنصري ضد الأشخاص المنحدرين من ذات الأصل.
لا يخفى عن البيان أن حقيقة الواقع تفضي إلى أن تلك الأرقام تمثل الحد الأدنى من الاعتداءات العنصرية، إذ يتخللها اعتداءات لم يتم الإبلاغ عنها خشية فقدان هؤلاء الأشخاص وظائفهم كذلك عدم تمكن الكثيرين من ذلك نتيجة للإغلاق التي تبنته معظم دول العالم ولغيرها من الأسباب، ولعل تصريحات المسؤولين التي تحمل هذا النوع من الكراهية كان لها الأثر البالغ في تضخم موجة التحيُّز والتمييز ضد المنحدرين من اصل أسيوي .
وقد أوصت لجنة القضاء على التمييز العنصري بأن تطلق الحكومات حملات إعلامية وسياسات تعليمية تلفت الانتباه إلى الضرر الناجم عن خطاب الكراهية العنصرية وأن تدريب الشرطة والقضاة أمر أساسي للترويج. وضرورة التعرف على المعايير الدولية التي تحمي حرية الرأي والتعبير والمعايير التي تحمي من خطاب الكراهية العنصرية. وبالنظر إلى تزايد مظاهر العنصرية وكره الأجانب ضد الآسيويين فيما يتعلق بجائحة كوفيد- 19، أوصت منظمة « Human Rights Watch» أنه ينبغي لجميع الدول اعتماد خطط عمل جديدة للتصدي للأشكال الناشئة من التمييز وكره الأجانب المهاجرين المكيفة مع الظروف الجديدة والمتغيرة.