احتياطى الذهب: مارد تضخم بنسبة 176% دافعا السعر لمستويات مذهلة

خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، كان احتياطي الدول والحكومات من الذهب من العوامل التي تمنح سعر الذهب قوة تدفعه نحو الصعود، وخلال القرن الحالي وتحديدا في العقدين الماضيين، تحولت احتياطيات الذهب من مجرد عامل يمنح السعر مزيد من القوة، إلى مارد سريع التضخم يدفعه إلى مستويات مذهلة، ويكفي أن نعلم أن معدل النمو في احتياطيات الدول والحكومات وبنوكها المركزية ارتفع بنحو 176% في الربع الأول من العام الجاري 2023، مقارنة بوضعيته في الربع الأول من العام الماضي .2022

احتياطي الذهب هو ما تحتفظ به البنوك المركزية لدعم قيمة عملتها الوطنية وتنويع محفظة احتياطاتها، فهو مخزن طويل الأجل مُثبِت للقيمة، ليس له أية مخاطر ائتمانية، مما يجعله مصدر للثقة لمن يحتفظ به، ويكون من أهم الأصول الاحتياطية إلى جانب السندات الحكومية، مما يعني أن الدولة التي لديها فائض احتياطيات من الذهب غالباً ما تزيد قوة عملتها، وبالتالي يتم اللجوء اليه عندما تنخفض قيمة المحفظة وترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.

في هذا السياق … تجدر الإشارة إلى أن الذهب استخدم قديما كشكل من أشكال العملات، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين أنشئ ما يعرف بـ “المعيار الذهبي”، الذي كان الغرض منه ضمان قيمة النقود الورقية للدول وعملاتها المعدنية عن طريق الحفاظ على قيم مكافئة للذهب الفعلي.

والآن، ومع نمو الاقتصادات، لم يصبح المعيار الذهبي الأداة الوحيدة المكافئة للنقود، لكن لا تزال الغالبية الأكبر من الدول تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الذهب، خاصة في ظل الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، وتأكد ذلك بازدياد الطلب علي الذهب وتسجيله طفرة غير مسبوقة خلال أول ربع من 2023 حيث تم شراء 228 طن مقابل 82.7 طن خلال نفس الفترة من 2022، أي بواقع 176% ما جعل الاحتياطيات تصبح فعليا المارد الذي يلعب الدور الاوضح في رفع سعر الذهب لمستوياتها المذهلة.

بحسب آخر تحديث تم في مايو 2023 على البيانات الخاصة باحتياطيات الذهب لدي الحكومات والبنوك المركزية، بقاعدة بيانات مجلس الذهب العالميhttps://www.gold.org/goldhub/data/gold-reserves-by-country، والتي راجعها مركز “جسور”، فإن البنوك المركزية عالمياً تحتفظ الآن بما يقرب من 35 ألف طنا، أي حوالي خمس كمية الذهب المستخرج على مر التاريخ.

بلغ إجمالي الحيازات الرسمية العالمية من الذهب المسجلة من قبل صندوق البنك الدولي في فبراير2023 نحو 35 ألف و682 طناً، وهذا الرقم غير شامل الدول التي لا تُفصِح عن حيازتها، ومع مطلع العام الحالي، بدأت البنوك المركزية في العالم بزيادة حيازتها من الذهب، خاصةً في يناير حيث أضافت ما مجموعه 31 طنا إلى احتياطاتها، بزيادة 16% عن ديسمبر 2022، ومن المتوقع استمرار حيازة الذهب هذا العام. وبالمثل ارتفعت احتياطيات الذهب بالبنك المركزي الأوروبي (ECB) بمقدار 2 طن في يناير 2023 بعد انضمام كرواتيا لعملة الاتحاد، وتحويل الذهب كجزء من نقل أصولها الاحتياطية إلى البنك المركزي الأوروبي.

وفي قائمة مجلس الذهب العالمي لاحتياطيات الدول من العملات الأجنبية والذهب التي تضم 123 دولة- استبعدت منها احتياطيات صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي وبنك التسويات الدولية BIS – عرضنا منها اول 15 دولة فقط(شكل1)، تتصدر الولايات المتحدة أكبر احتياطي من الذهب في العالم وقدره 8133.46 طناً بقيمة 517,689.42 مليار دولار أمريكي-أي مثل نصيب كلاً من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا تقريباً (3354.89 طن و2451.84 و2436.81 طن على التوالي)- بنسبة قدرها 68.7% من الاحتياطي النقدي.

ثم جاءت بعدهم روسيا التي كانت أكبر مشتر للذهب على مدار آخر 7 سنوات، حيث اشترت 274 طناً عام 2018 وحده، ليسجل رصيدها في مايو2023 حوالي 2326 طناً (24.9% من احتياطي النقد) لتحتل الترتيب الخامس. تليها الصين التي أضافت حوالي 120 طنا منذ نوفمبر 2022 لتسجل 2068.36 طناً بقيمة (4.9% من احتياطي النقد الأجنبي)، في حين انها الأولي في ترتيب أكبر الدول من حيث احتياطي النقد الأجنبي (3 تريليون 247.25 مليار دولار أمريكي). وفي الترتيب من السابع الي العاشر، جاءت سويسرا، اليابان، الهند وهولندا بحيازات ذهب قدرها 1040، 845.9، 794.6 و612.45 طن على التوالي. كما تلاحظ أن تركيا كانت أكبر مشتر في مارس الحالي، حيث أضافت 23 طناً إلى احتياطاتها من الذهب البالغة 571.9 طن تقريباً. أما “سلطة النقد في سنغافورة” كانت أكبر مشتر منفرد خلال الربع الأول من العام، حيث أضافت 69 طنا، وهي أول زيادة في احتياطاتها من الذهب منذ يونيو 2021، ليبلغ إجمالي احتياطاتها من الذهب 222 طنا، بزيادة 45% عن نهاية عام 2022.

ولم تخل القائمة الطويلة من الدول العربية، فقد احتوت على 18 دولة (شكل 2)، تصدرتها السعودية في الترتيب 16 دولياً، باحتياطي ذهب 323.07 طن بقيمة 18 مليار 839 ألف دولار، وقيمة احتياطي النقد الأجنبي وقدره 459 مليار 406 مليون دولار، أي بنسبة 3.94% احتياطي الذهب من النقد الأجنبي. تليها لبنان في المركز 18 على مستوي العالم والثانية على مستوى الدول العربية باحتياطي 286.8 طن (51.8% من الاحتياطي النقدي، وهي النسبة الأعلى على مستوي الدول العربية ومن بين أعلي 15 نسبة عالمياً)، تليها الجزائر والعراق ومصر وليبيا وقطر وهم في المراكز من الـ 25 الى 39 على التوالي.

ثم جاءت في المراكز العالمية من 41 الي 110 بالترتيب التنازلي كلاً من الكويت، الامارات العربية، الأردن، سوريا، المغرب، تونس، البحرين، عمان، اليمن، موريتانيا وجزر القمر. وتلاحظ أن الإمارات التي أضافت إلى احتياطاتها 19.5 طن عام 2022، لديها الآن حوالي 74.98 طناً من الذهب قيمتها 4 مليار 372 مليون دولار، تمثل 3.16% من حيازاتها النقدية البالغة 134 مليار و64 مليون دولار وهي ثاني أكبر حيازة للنقد الأجنبي على مستوي الدول العربية بعد السعودية بواقع الربع تقريباً.