الجوع ينشر التقزُم بين اكثر من 30 % من الأطفال بجنوب آسيا وافريقيا

بسبب عاصفة الجوع والألم التي تجتاح معظم مناطق عديدة العالم، انتقل حوالى ثلث الأطفال دون الخامسة من العمر في جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء من عالم الطول المعتاد المقبول، ودخلوا عالم قصار القامة الأقرب إلى الأقزام، ليشكلوا بذلك السمة الثانية من سمات انتشار الجوع والمعروفة بـ”التقزُم”، والأرقام تقول أن هذا الانتقال القاسي المؤلم أصاب حوالي 37% و35% من أطفال المنطقتين على التوالي خلال ربع القرن الأخير، وعلى مستوى الدول بلغ حده الأقصى في دولة بوروندي التي كسر الجوع اطوال نحو 56% من اطفالها الأقل من خمس سنوات خلال الفترة المشار إليها.
من ناحية التوزيع الجغرافي لظاهرة التقزم، تقولأرقام المؤشر العالمي للجوع أن سبع مناطق جغرافية حول العالم من أصل تسع، وقع اطفالها من هذه الفئة العمرية فريسة للتقزم، فيما حالف الحظ أطفال أمريكا الشمالية وأستراليا ونجوا من هذا الخطر، ففي العام 2023، أصاب التقزم 33% من أطفال جنوب آسيا، و30% من أطفال إفريقيا جنوب الصحراء، وجاءت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادىْ في المرتبة الثالثة بنسبة 22%، بعدها أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي 14%، ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 10%، وأخيراً منطقتي شرق أوروبا وآسيا الوسطى، وغرب أوروبا 7% و6% على التوالي.
وتكشف إحصاءات عام 2023 عن خطر كبير في أوضاع إفريقيا جنوب الصحراء، يفترض أن يثير قلق المجتمع الدولي، حيث تراوحت معدلات التقزم المرتفعة جداً بين 48% و30% في قائمة طويلة من الدول المتأثرة بالظاهرة تضم حوالي 16 دولة، على رأسها بوروندي بأعلي نسبة عالمياً 56%. أما الدول الأخرى فنذكر منها على سبيل المثال، النيجر 48%، جمهورية الكونغو الديمقراطية 42%، ومدغشقر 40%، موزمبيق وأثيوبيا 37%، وملاوي وليسوتو 35%.
تعيش منطقة جنوب آسيا وضعا مشابها، فكل من أفغانستان وباكستان والهند تئن تحت وطأة المعدلات المرتفعة جداً، ولم تزل هذه الدول حتي عام 2022 تحقق 45%، و38%، و35% على التوالي، بالإضافة الى الدول ذات المعدلات المرتفعة مثل لاوس 26%، ونيبال 25%، وبنغلاديش 24%.
تخف حدة الازمة قليلا في منطقة قائمة شرق آسيا والمحيط الهادئ، وتنخفض الاصابة بنسبة 29%، داخل المنطقة ككل، لكن دولة تيمور تتصدر القائمة داخل المنطقة بنسبة 47%. وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 18%، تأتي كل من اليمن والسودان على رأس القائمة، حيث تصل الإصابة بالتقزم الي 49% في اليمن، و40% في السودان، بينما حققت كلا من ليبيا وسوريا نسباً مرتفعة 30% و27% على التوالي.
وفي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بلغ المتوسط العام 17%، وكانت غواتيمالا الأكثر تأثراً عام 2023 بنسبة بلغت 46%، وفي شرق أوروبا وآسيا الوسطى بلغ المتوسط 15% ولم تظهر أية معدلات مرتفعة في هذه المنطقة فقد تراوحت بين المعدلات المتوسطة والمنخفضة، والمنخفضة جداً، وأخيراً في غرب أوروبا بلغ المتوسط 8% وهي أقل بحوالي النصف عن الثلاث مناطق السابقة لها، وما يقرب من 20% عن المناطق المُتصدرة للقائمة، وبالطبع فالقائمة بها تحتوي على 7 دول جميعها معدلاتها منخفضة باستثناء ألبانيا 11% وهو معدل متوسط.
وكما هو الحال في كل سمات وملامح عاصفة الجوع، لم تكن مستويات التقزم واحدة، سواء داخل المنطقة الواحدة، أو بين كل منطقة مقارنة بالأخرى، فمعدلات التقزم المرتفعة جدا سجلت أعلي المعدلات بقمية 41% من اجمالي متوسط نسب مستويات الانتشار، وهي ضعف نسبة المعدلات المرتفعة والبالغة 26%، أما المتوسطة فهي 15%، والمنخفضة 7% بواقع نصف نسبة المعدلات المتوسطة، وأخيراً المنخفضة جداً 1%. مما يشير الى سوء مدى انتشار الظاهرة في العالم بوجه عام، حيث أن الفرق بين معدلات الانتشار المرتفعة جداً بلغ حوالي 40% عن المعدلات المنخفضة جداً.
وفي محاولة للبحث عن ضوء خافت وسط الصورة القاتمة، نجد أنه على الرغم من سوء انتشار التقزُم بوجه عام في العالم، إلا أن المعدلات لا تنمو بنفس الوتيرة على مدار الفترات الزمنية، حتى وإن كان التراجع يسجل بين الحين والآخر نسب قليلة جداً، خاصةً فيما يخص معدلات الانتشار المرتفعة، وعلى سبيل المثال، نرى أن المناطق ذات أسوأ معدلات انتشار عالمياً مالت الى الانخفاض الطفيف، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تقلصت بها معدلات التقزم شديدة الارتفاع من 44% عام 2000 الى 37% عام 2023، وكذلك جنوب آسيا ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ من 47% الى 39% لنفس الفترات، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هبطت المعدلات من 53% عام 2000 الى 42% عام 2015.
تذبذبت المعدلات المتوسطة بين الانخفاض والارتفاع في العديد من المناطق، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي ارتفعت فيها النسب عام 2015 الى 19% فيما كانت 14% عام 2000 ثم هبطت الى 17% عام 2023، وانخفضت بنسبة ضئيلة جداً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 16% عام 2000 الى 13% عامي 2015 2023.
حافظت المعدلات المنخفضة على ثباتها النسبي، فقد تراوحت ما بين 4% و7% و8% عام 2000 في مناطق الشر الأوسط وشمال افريقيا، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وشرق آسيا والمحيط الهادىْ، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى، وتراوحت لنفس المناطق ما بين 6% و7% و8%.
تشير الأرقام السابقة إلي مفارقة واضحة، فعلى الرغم من التطور التكنولوجي والمستمر، فشل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الدولية في القضاء على ظاهرة التقزُم التي لم تكف عن النمو في بعض الدول، مما يعني عدم قدرة العالم على الوفاء بمسئوليته لسد الاحتياجات الغذائية الأساسية للأطفال في الدول منخفضة الدخل، مما يؤدي الى تقليل قدرتهم على المشاركة الكاملة في اقتصادات المستقبل، وضياع فرصهم لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.