بعد مرور نحو عام ونصف على العاصفة: خسائر طلاب كورونا تتراوح بين 11 و21 تريليون دولار والتعليم يحتاج تعاف قوى

لا يزال العالم يحصي خسائره الناجمة عن عاصفة كورونا التي ضربته بعنف فى نهاية العام 2019، ولم تنحسر فعليا إلا في نهاية العام 2022، وكان قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي تلقت ضربة موجعة خلال العاصفة، تبين مؤخرا أنها عميقة ممتدة الأثر، فالطلاب الذين خاضوا تجربة التعلم تحت العاصفة، يتوقع أن يكون الدخل المقدر أن يحققوه مدى حياتهم أقل بنحو 21 تريليون دولار عن الظروف العادية، وذلك بالنسبة للطلاب في البلدان مرتفعة الدخل، ونحو 11 تريليون دولار في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فضلا عن أضرار يمكن وصفها بالمزمنة أصابت أنظمة التعليم بدول العالم بدرجات متفاوتة، ما يجعل قطاع التعليم عالميا في حاجة إلى تعاف قوي.
وردت هذه الأرقام في ثنايا تقرير مطول نشره البنك الدولي مؤخرا حول إعادة بناء أنظمة التعليم بعد جائحة كورونا https://datatopics.worldbank.org/sdgatlas/goal-4-quality-education/?، وكذلك في آخر تحديث للبيانات تم علي قاعدة بيانات “فقر التعلم https://datacatalog.worldbank.org/search/dataset/0038947/Learning-Poverty-Global-Database–Historical-data-and-sub- components ” التى ترصد التفاوت في فرص التعلم حول العالم، وتستخدم في وضع السيناريوهات المستقبلية لفقر التعلم حول العالم.
يعالج التقرير وقاعدة بيانات فقر التعلم الأضرار التي تعرض لها قطاع التعليم عالميا جراء كورونا من خلال خمسة معايير هي توقعات فقر التعلم والانخفاض في أنشطة التعلم ومهارات الرياضيات والقراءة لدي التلاميذ ومعدلات التسرب من التعليم والانخفاض في درجات الاختبارات، ومن خلال مراجعة مركز جسور للبيانات الخاصة بهذه المعايير تبين أن :
ـ فيما يتعلق بمعيار توقعات فقر التعلم، تبين أن الوضع في البلدان منخفضة الدخل لن يسوء كثيرا عما هو عليه، لأنه في الأصل سيء جدا، إذ تسجل البيانات ان معدل انتشار حالة فقر التعلم بين سكان هذه الفئة من البلدان بلغ 90% قبل جاحة كورونا، وفي ظل الجائحة وما بعدها ارتفع ليصل الي 91.8% في ظل السيناريو المتشائم و 91.6% في ظل السيناريو المتفائل.
أما فى الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، بلغت نسبة فقر التعلم قبل الجائحة 60.4% من السكان، وبناء علي المعطيات المتاحة يتوقع أن ترتفع هذه النسبة لتبلغ 78.8% وفقا للسيناريو المتشائم، و74.5% وفقا للسيناريو المتفائل، وفي الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل وجد ان نسبة فقر التعلم تبلغ 29.4% قبل الجائحة، ويتوقع لها ان تبلغ 44% بعد الجائحة وفقا للسيناريو المتشائم و40% وفقا للسيناريو المتشائم، وفي البلدان مرتفعة الدخل وجد ان نسبة فقر التعلم بلغت 8% قبل الجائحة، و14.7% بعد الجائحة وفقا للسيناريو المتشائم و11.8% وفقا للسيناريو المتفائل.
ـ فيما يتعلق بمعيار أنشطة التعلم، لوحظ أن هناك تدهورا كبيرا في أنشطة التعلم بدول عديدة، فمثلا في اثيوبيا كانت نسبة مشاركة الاطفال في انشطة التعلم 90% قبل الجائحة، واثناء وبعد الجائحة انخفضت الي 28%، وفي أوغندا انخفضت النسبة من 93% الي 59% وفي نيجيريا من 94% الي 58%، ولوحظ كذلك أن التأثير كان متفاوتا واكثر ارتباطا كالفقر والغنى، حيث كان ارتفاع دخل الاسرة مصحوبا بزيادة انشطة التعلم اثناء إغلاق المدارس، والعكس، فعلي سبيل المثال فى اثيوبيا انخفضت نسبة نشاط أفقر 20% من الاطفال من 88.9% الي 18.3%، فيما انخفضت انشطة اغنى 20% من الاطفال من 918% الي 40.9% فقط، ولم يختلف الحال كثيرا في الدول الاخري التي توافرت عنها بيانات مثل أوغندا ونيجيريا.
ــ كان للوضع الاقتصادي اثره البين ايضا في المعيار الخاص بالقدرات في الرياضيات والقراءة، فالبيانات الخاصة بالمكسيك علي سبيل المثال، اجريت دراسة حول نسبة الطلاب في الفئة العمرية من 10 الي 15 سنة القادرين علي حل مسألة قسمة أو فهم نص قصير في مستوى الصف الرابع، وتبين أنه في شريحة السكان ذات الدخل المنخفض كانت نسبة الطلاب القادرين علي القراءة وفهم النص البسيط 68.5% في العام 2019، وانخفضت النسبة الي 43.2% في العام 2021، وفي الرياضيات كانت نسبة الطلاب القادرين علي حل مسألة قسمة 48.1% في العام 2019، وانخفضت هذه النسبة الي 14.8% في العام 2021، أما في شريحة السكان ذات الدخل المرتفع، فكانت نسبة الطلاب القادرين علي القراء والفهم 81.8% في العام 2019 وانخفضت الي 69.7% في العام 2021، وفي الرياضيات كانت نسبة الطلاب القادرين علي حل مسألة قسمة 50% في العام 2019، انخفضت الي 27.3% في العام 2021.
ويلاحظ في المعيارين السابقين أن الفقر ضاعف من تأثير الجائحة ، او بعبارة اخري فإن أضرار الجائحة على الفقراء، كانت نحو ضعف أضرار الجائحة على الاغنياء.
ــ خلفت الجائحة آثارا وخيمة واضحة علي معدل الانتظام في التعليم واستكماله، فوفقا للبيانات الخاصة بمعدل التسرب من التعليم قبل وبعد الجائحة، وجد أن معدل التسرب شهد ارتفاعا ملحوظا إن لم يكن حادا في عشرات البلدان حول العالم، ففي البرازيل مثلا ارتفع معدل التسرب من 10% قبل الجائحة الي 35% بعد الجائحة، وفي نيجيريا ارتفع من 10% قبل الي 16.5% بعد، وفي جنوب افريقيا ارتفع من 2% الي 6%، وفي باكستان من 4% الي 6%، وفي مالاوي من 1.2% الي 4.3%، وطبقا للبيانات فإن متوسط الزيادة في التسرب حول العالم بعد الجائحة مقارنة بما قبلها قد ناهز الـ 20%.
ــ في المعيار الاخير وهو الدرجات التي يحققها الطلاب في الاختبارات التى تجري خلال العام الدراسي وفي نهايته، حيث تبين أن هناك انخفاضا واضحا في مستوي الدرجات في فترة ما بعد الجائحة مقارنة بما قبلها بالكثير من دول العالم، وعلى سبيل المثال تذكر البيانات أنه في مدينة ساو باولو بالبرازيل حصل الطلاب في التعليم عن بعد خلال عام 2020 علي ما يقرب من ربع ما كانوا سيتعلمونه عادة في التدريس المباشر، ففي مادة اللغة انخفض متوسط درجات الطلاب من 223 درجة في عام 2019 الي 194 درجة في عام 2021، في حين كان المستهدف في عام 2021 هو 230 درجة، وفي الرياضيات انخفض متوسط الدرجات من 243 درجة في عام 2019 الي 196 في 2021، في حين كان المستهدف عام 2021 هو 230 درجة، ونتيجة لهذا الفاقد في تحصيل المعرفة والتعلم، انعكس مسار التقدم التصاعدى المطرد نحو تعميم التعليم خلال العقد الماضي في ساو باولو.