حوادث الجزارين: دراما حمراء يكتبها ” دم حامي وساطور حاد”

فئاتها: 43.7% عنف و26.7 % جرائم غذاء و 29.6% موزعة علي 13 نوعا

حوادث الجزارين :دراما حمراء يكتبها ..

دم حامي وساطور حاد

( أنا جزار ودمى حامى ومبستحملش حد ينفخ فى وشى، أعمل إيه بقى لما الاقى واحد عايز ياخد مكانى وأكل عيشى فى السوق فتونة وقوة، يبقى اروح اموت أحسن لو معرفتش أحمى نفسى، اللى حصل عادى، جزاءه كده عشان فكر يجى عليا) … هذه كلمات شاب في الثالثة والثلاثين من العمر، يعمل جزارا، قتل زميلا له ونطق بها وهو في قفص الاتهام، أمام محكمة جنايات شمال القاهرة، منتظرا حكمها.
ملف القضية يقول أن الواقعة بدأت بحديث عادي بين القاتل والقتيل، حول أولوية الوقوف في مكان بيع اللحوم بالسوق، تطور الي مشادة كلامية، تصاعدت سريعا الي تشابك وعراك بالأيدي، انتهي بضرب مبرح وعلقة ساخنة للقاتل، الذي اعتبر الأمر إهانة له أمام الناس، فما كان منه إلا ان ذهب لمنزله واحضر سلاح ابيض “كزلك”، وهو أداة من أدوات الجزارة، وتناول أقراص مخدرة، وكمن لغريمه وراء جدار، وما ان رآه حتي انهال عليه طعنا فارداه قتيلا، ليتم القبض عليه ويقف أمام المحكمة متهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ويواجه الإعدام شنقا.

النظر بتمعن إلي كلمات القاتل وتفاصيل الواقعة، يوحي ببعض الانطباعات حول سمات الحوادث التي تقع من قبل الجزارين وتشكل في مجملها ما يمكن اعتباره ” دراما حمراء”  ملبدة بالدم، تلمح كلمات القاتل إلي أنها تولد من رحم شبكة عناصر شائعة الانتشار  بمهنة الجزارة، ويتداخل فيها الانفعال الزائد السريع أو ما أطلق عليه الجاني “الدم الحامي”، مع أدوات تستخدم لممارسة المهنة وفعل الحوادث في وقت واحد، والاعتياد على استخدامها في الذبح والتقطيع والتشفية ” فصل اللحم عن العظم” يولد لدي البعض شعورا زائفا وهميا بالقوة واستسهال ارتكاب وصناعة حوادث هي في الغالب فعل مؤثم قانونا.

هنا …. لا ينبغي القفز سريعا للحكم على هذه الإيحاءات والانطباعات بالصحة أو البطلان وعدم الواقعية، ويكون المطلوب التعامل معها باعتبارها فرضية تحتاج الكثير من الرصد، ثم الفحص والاختبار والتحليل وصولا للإثبات أو النفي، وهذا ما سنحاول القيام به في هذا التحليل.

العينة

اعتمد هذا التحليل علي عينة مكونة من 1032 حادثة فعلها الجزارون في مصر خلال الفترة من 2009 و2022، وتم جمع البيانات الخاصة بها من أرشيف الاخبار المنشورة بقسم الحوادث بالموقع الالكتروني لصحيفة اليوم السابع المصرية، وشملت البيانات المجمعة عنوان الخبر والملخص والنص الكامل والتاريخ، وخضعت البيانات للفهرسة والتصنيف والمعالجة الإحصائية وتحليل المضمون والارقام الواردة بها، لاستخلاص فئات الحوادث ونوعياتها واسبابها، وأماكن حدوثها واعمار من فعلوها.

المنهجية

سيتم اختبار فرضية الارتباط بين طبيعة مهنة الجزارة والحوادث التي يقدم عليها ممتهنيها من خلال طرح عدة أسئلة والبحث عن اجاباتها فيما تحمله البيانات من دلالات ومعاني، والاسئلة هي:
ـــ ما هي طبيعة الحوادث التي يفعلها الجزارون من حيث الفئة والنوعية؟
ــ هل سلوك الجزارين يفضي الي حادثة واحدة في الفعل الواحد ام أكثر؟
ـــ ما هي الأسباب التي تدفع الجزارين لفعل الحوادث ؟
ــ هل يؤثر عمر الجزارين في نوعية الحوادث التي يفعلونها؟
ــ ما طبيعة الوضع القانوني للجزارين في الحوادث التي يرتبطون بها: هل هم جناة ام مجني عليهم؟
ـ هل ثمة علاقة بين المكان الجغرافي وكم ونوع الحوادث؟
ـ كيف يبدو التطور الزمني لحوادث الجزارين .. هل يميل للارتفاع  ام يتراجع ام يتذبذب؟

السؤال الأول: الفئة والنوعية
السؤال الثاني: ازدواجية وتعددية الفعل

بتحليل الـ 1032 حادثة من حيث الفئة أو النوعية، وجد أن حوادث الجزارين تتوزع على 22 فئة، على رأس القائمة تأتي فئتان تستحوذان علي ما يناهز النصف، أو تحديدا 514 واقعة تعادل 49.8% من اجمالي حوادث العينة، وهما الحوادث المتعلقة بكل من جرائم الغذاء وجرائم القتل، بواقع 267 واقعة جرائم اغدية تعادل 26.7%، و 238 واقعة قتل تعادل 23.1%، فيما يتوزع النصف المتبقي من الحوادث على العشرين فئة المتبقية، وهي حوادث تتعلق بجرائم السرقة والمشاجرات والمخدرات والاعتداءات واللجوء للقوة والسلاح والجنس واهدار المال العام والهروب من السجن واطلاق النار والتزييف والتزوير وجرائم الاسرة والآثار والصراع والعنف السياسي والشروع في القتل، فضلا عن حوادث العثور علي الجثث الملقاة في الشوارع وضفاف الترع وحوادث الوفيات والإصابات وحوادث الطرق، والحوادث المتنوعة أو المتفرقة.
بمزيد من النظر إلي الأرقام الخاصة بفئات الحوادث العشرين التي تستحوذ علي 50.2%، لوحظ أن من بينها سبعة فئات يجمع بينها السلوك العنيف، الذي يقود بدوره الي جرائم قائمة علي العنف، وهي جرائم المشاجرات والاعتداء واللجوء للقوة والسلاح واطلاق النار والشروع في القتل والإصابات، وتشكل مجتمعة 213 واقعة تعادل 20.6% من إجمالي حوادث العينة، ومن حيث الترتيب العددي والنسبة المئوية لهذه الفئات، جاءت حوادث المشاجرات أولا ثم الاعتداء واللجوء للقوة وجرائم السلاح بواقع 8% و4.7% و3.1% و2.9% على التوالي.
إذا ما جمعنا حوادث السلوك العنيف، مع حوادث القتل التي تقوم في جوهرها علي السلوك العنيف المنفذ في معظم الأحيان بأدوات الجزارة من سكاكين وسواطير وخلافه، سنجد أن حصيلة الحوادث القائمة علي العنف عموما في سلوك الجزارين تشكل 43.7% من العينة، ما بين 23.1% جرائم قتل معظمها بأدوات الجزارة، و20.6% جرائم مشاجرات واعتداء ولجوء للقوة واستخدام وسلاح واطلاق نار وإحداث إصابات وشروع في قتل.
أما الحوادث التي تقوم علي سلوك اقل خشونة أو اقرب الي النعومة، بعيدا عن السلوك العنيف، فهي نوعيا تضم 13 فئة تشكل 56.3% من اجمالي الحوادث، يقع نصفها تقريبا ــ 26.7% ــ في فئة جرائم الغذاء التي تتركز بالأساس في الذبح خارج السلخانة، وبيع اللحوم الفاسدة، وذبح الحيوانات النافقة، وذبح الحمير وغيرها من هذه الشاكلة، ثم بعد ذلك جرائم الجنس واهدار المال العام والهروب من السجن والتزييف والتزوير وجرائم الاسرة والآثار والتورط في حوادث الصراع والعنف السياسي، والعثور علي الجثث الملقاة في الشوارع وضفاف الترع وحوادث الوفيات والإصابات وحوادث الطرق، وأخيرا الحوادث المتنوعة أو المتفرقة التي وقعت بأعداد بسيطة يتراوح عددها بين 1 و5 حوادث، من بينها الانتحار والتعذيب والاعمال بدون ترخيص والنصب وتكوين تشكيلات عصابية وانفجارات ومخالفات مباني وغيرها.
تبين من التحليل أيضا أن ثلاثية الحوادث الشهيرة التي عادة ما تظهر بصورة مترابطة الي حد ما في عالم الجريمة، وهي المخدرات والسلاح والجنس، تظهر باهتة وضعيفة، فالفئات الثلاث يشكلن معا 11.8% من إجمالي حوادث الجزارين، بواقع 6.1% و2.9% و2.8% علي التوالي، ما يعني أن هذه النوعية من الحوادث والجرائم ليست جزءا أصيلا وفاعلا في حوادث الجزارين، وليست سلوكا أو فعلا مرتبطا علي نحو واضح وعميق بطبيعة مهنتهم.
استنادا الي ما سبق، يكون السؤال الأول في اختبار الفرضية العامة، والمتعلق بفحص طبيعة الحوادث التي يفعلها الجزارون من حيث الفئة والنوعية قد انتهي بنا الي نتيجة واضحة، وهي أن هيكل حوادث الجزارين من حيث النوعية والفئة، يقوم في معظمه علي السلوك العنيف الذي تظهر فيه أدوات الجزارة بنسبة واضحة كأدوات تنفيذ، وينتهي بإسالة الدماء وازهاق الأرواح أو إصابة الأجساد.

جرى تحليل الـ 1032 حادثة من منظور الأحادية والازدواجية والتعددية في الحادثة، لتبيان ما إذا كان الفعل الذي يقدم عليه الجزارون يفضي إلي حادثة واحدة أم اكثر في الفعل الواحد، وكشف التحليل عن أن 763 حادثة تعادل 74% من الحوادث وقعت بصورة أحادية غير مصحوبة بأية وقائع اخرى، و269 حادثة تعادل 26% من الحوادث كانت إما مزدوجة أو متعددة، ما يعني تقريبا أن ربع حوادث الجزارين لا يفعلونها فرادى، بل يفعلون معها واقعة أخرى او اكثر في الوقت نفسه.
بتعميق التحليل، وترتيب الحوادث التي تأتي مصحوبة بحوادث اخرى، استنادا الي نسبتها المئوية وليس عددها، وجد أن حوادث اطلاق النار تأتي في المركز الأول من حيث مصاحبتها لحوادث اخري، فمن بين 14 حادث اطلاق نار فعلها الجزارون، كان هناك 13 حادثة تعادل 90% منها مصحوبة بحوادث اخري متعلقة بكل من جرائم إحداث الإصابة وجرائم الاسرة.
في المركز الثاني جاءت حوادث المشاجرات، فمن بين 83 مشاجرة فعلها الجزارون، كان هناك 66 مشاجرة تعادل 80% من المشاجرات مصحوبة بحوادث اخرى، و17 مشاجرة فقط تعادل 20% غير مصحوبة بحوادث اخرى، وتمثلت الحوادث التي صاحبت المشاجرات في حوادث لها علاقة بجرائم الاسرة وإحداث الإصابات والسرقة والسلاح والقتل والإصابة والقتل معا، وبطبيعة الحال كانت الإصابات والقتل هي الحوادث الأكثر مصاحبة للمشاجرات عن غيرهما، حيث بلغ عدد مرات حدوثهما مع المشاجرات 25 و26 علي التوالي.
في المركز الثالث جاءت حوادث الهروب من السجون، والتي بلغت 15 واقعة، كان من بينها 8 وقائع تعادل 53% مصحوبة بحوادث اخرى لها علاقة بجرائم الاسرة والسرقة والمخدرات وتنفيذ الاحكام.
في المركز الرابع جاءت حوادث الجنس، التي بلغت 29 حادثة، كان من بينها 14 حادثة تعادل 48% مصحوبة بحوادث اخرى لها علاقة بجرائم الاسرة والقتل واللجوء للقوة والمشاجرات.
وفي المركز الخامس جاءت حوادث القتل، فمن بين 238 حادثة قتل وردت بالعينة، كان هناك 96 حادثة تعادل 40% من إجمالي حوادث القتل مصحوبة بحوادث أخرى، و142 حادثة قتل تعادل 60% فعلها الجزارون فرادى من دون وقائع مصاحبة.
أما الحوادث التي صاحبت القتل فكانت حوادث لها علاقة بجرائم في نطاق الاسرة واحداث الإصابات وجرائم الجنس والاعتداء علي الحيوانات والسرقة وجرائم السلاح والمخدرات والمشاجرات.
في المركز السادس جاءت حوادث السرقة، فمن بين 90 حادثة سرقة، كان هناك 33 حادثة تعادل 37% مصحوبة بحوادث اخرى لها علاقة بجرائم الاسرة وإحداث الإصابات وإطلاق النار والسلاح والقتل، ويلفت النظر في هذه الفئة أنه كانت هناك 22 حادثة سرقة ارتكب فيها الجزارون جريمة القتل من اجل السرقة، وبعضها كان بغرض سرقة توك توك بعد قتل سائقه.
في المركز السابع جاءت حوادث الاعتداء، التي بلغت 49 حادثة، كان من بينها 13 واقعة تعادل 27% مصحوبة بحوادث لها علاقة بجرائم الاسرة وإحداث الإصابات والشروع في القتل واللجوء للقوة.
ظهرت الحوادث المزدوجة والمتعددة بنسب 17% و13% و13% و3% في الحوادث المتنوعة وحوادث المخدرات واللجوء للقوة والسلاح على التوالي، ولم تكن هناك حوادث مصاحبة في كل من حوادث الأغذية والآثار والإصابات واهدار المال العام والاسرة والتزييف والتزوير والشروع في القتل والصراع والعنف السياسي.
اختلف ترتيب الحوادث عند ترتيبها بحسب اعداد الحوادث المصاحبة، اذ تبين في هذه الحالة أن الحوادث التي يفعلها الجزارون في نطاق الاسرة والعائلة، هي الأكبر علي الإطلاق من حيث عدد الحوادث المصاحبة لها، حيث اشارت الأرقام إلي أن الحوادث التي كانت بالأساس حوادث في نطاق الاسرة والعائلة، بلغت 13 حادثة، لكنها كانت مصحوبة بـ 91 حادثة مرتبطة بها، منها اطلاق نار ومشاجرات وجرائم جنس وقتل وسرقة واعتداء، وكان أعلى الجرائم المصاحبة لحوادث الاسرة هي القتل، حيث اسقط الجزارون 73 قتيلا في حوادث كانت في الأصل في نطاق العائلة والاسرة.
أما الحوادث التي كانت بالأساس قتل وبلغت كما سبقت الإشارة 238 حادثة، فكان من بينها 64 حادثة مصحوبة بحوادث اخرى، منها المشاجرات وجرائم الجنس والسرقة،ولذا احتلت المركز الثاني
في المركز الثالث جاءت الحوادث التي كانت في الأصل إحداث إصابات، وعددها حادثتين، وكانتا مصحوبتان بـ 47 حادثة، منها 11 حادثة اطلاق نار و25 مشاجرة، و5 حوادث قتل وواحدة سرقة وثلاثة اعتداء.
وتكشف هذه الأرقام عن أن الوقائع التي كان يستهدف فيها الجزارون إحداث الإصابة، فعلوا فيها حوادث اخري لم تفض الي شيء، ابرزها حوادث اطلاق النار والدخول في المشاجرات، وهو امر يختلف عما يحدث في حالة القتل، سواء كان واقعة أساسية أو مصاحبة، حيث يحدث القتل بكثافة أعلى كثيرا من الإصابات، ما يعني في النهاية أن السلوك العنيف في حوادث الجزارين لا يتركز في حوادث الخلاف الخالية من العنف، ولا يتركز كذلك في حوادث الإصابة التي تمثل المرحلة الوسط من العنف، بين والسلوك بل يميل للقفز الي نهاية الشوط ويتركز في قمة العنف بالقتل.
في المركز الرابع جاءت حوادث السلاح التي بلغت 30 حادثة، كان من بينها 17 حادثة مصحوبة بحوادث اخرى هي المشاجرات والقتل والسرقة والمخدرات، وفي المركز الخامس جاءت الحوادث التي كانت في الأصل حوادث سرقة، وعددها 90 حادثة، كان من بينها 15 حادثة مصحوبة بحوادث أخرى هي المشاجرات والهروب من الأقسام والسجون والقتل واللجوء للقوة.
أما الحوادث التي كانت في الأصل مشاجرات فجاءت في المركز السادس، وبلغ عددها 83 حادثة كان من بينها 8 حوادث مصحوبة بحوادث اخري، هي الشئون الطبية وحوادث الحيوانات والاحتجاز والاحوال الشخصية، وفي المراكز التالية جاءت الحوادث التي كانت في الأصل شروع في قتل وخدرات ولجوء للقوة واعتداء وجرائم الجنس وإطلاق النار، وجميعا كانت مصحوبة بأعداد ضئيلة من الحوادث الأخرى، في حدود سبعة حوادث فأقل.
ينتهي التحليل السابق إلي أن الجزارين يفعلون حوادثهم فرادي في الاغلب الاعم، لأن 26% منها وقائع مصحوبة بأخرى، و74% وقائع غير مصحوبة بأخرى، ما يعني أنه من بين كل أربع حوادث، هناك ثلاثة تقريبا يقعن فرادي، وواحدة مصحوبة بحادثة اخرى أو اكثر.

السؤال الثالث: الدوافع والأسباب
السؤال الرابع:الحوادث والشريحة العمرية

تم فحص وتحليل مضمون النصوص المتعلقة بالحوادث، بحثا عن الأسباب التي دفعت الجزارين للإقدام علي فعل هذه الحوادث، وتبين أن هناك ثمانية مجموعات رئيسية من الأسباب والدوافع في هذا السياق، وكانت علي النحو التالي:
1ـ النهم للمال: كان هذا الدافع وراء الاقدام على فعل 498 حادثة، تعادل 48.3% من اجمالي العينة التي خضعت للتحليل، وبمزيد من الفحص والمراجعة، وجد أن هذا الدافع ترجم نفسه في سلوكيات عديدة، كان من بينها الترويج والاتجار في الحشيش والافيون والهيروين والاقراص المخدرة والسرقة والاتجار في الأعضاء وبيع اللحوم الفاسدة والترامادول، وسرقة السيارات وبيع اللحوم الفاسدة والمسممة والمغشوشة ومنتهية الصلاحية، والقضايا التموينية والاحتكار والحيازة، وذبح الحيوانات النافقة والمريضة والحوامل والذبح خارج السلخانة والذبح غير الشرعي، والرشوة وبيع السلع مجهولة المصدر ومخالفات المباني، والاتجار في الآثار.
عند ترتيب هذه السلوكيات بحسب نسبتها المئوية من اجمالي الحوادث المنضوية تحت هذا الدافع، وجد أن بيع اللحوم غير الصالحة للاستهلاك يشكل 42.04% % تليها السرقة 11.3%، والترويج والاتجار في المخدرات 9.6%، والقتل للسرقة 3.9%، والاحتكار 2.5%، وقضايا التموين 2.5%، والنسبة الباقية موزعة علي سلوكيات اخري متفرقة.

2ـ الخلافات : تسبب هذا الدافع في اقدام الجزارين علي فعل 219 حادثة، تشكل 21.2% من اجمالي العينة، وانقسم داخليا الي خمس نوعيات فرعية، هي الخلافات الاسرية والعائلية التي كانت وراء 84 حادثة تعادل 37.6% من حوادث الخلاف، وكان من بينها حوادث طلاق نار وتبديد منقولات وخلافات مصاهرة وسرقة وضرب وقتل في نطاق الاسرة والعائلة، وخلافات الجيرة التي وقع بسببها 29 حادثة تمثل 13% من حوادث الخلاف وتضمنت إصابات بطلق ناري وتمزيق وذبح وحيازة سلاح وضرب وطعن بالسكاكين، والخلافات غير المحددة التي وقع بسببها 52 حادثة تعادل 23.32% من حوادث الخلاف، وتضمنت اشتباكات بالأيدي وتحريض علي الفسق وإصابة بجروح وانتقام لخلافات قديمة، وطعن وشروع في قتل، والخلافات المالية التي كانت وراء 50 حادثة تعادل 22.42% من حوادث الخلاف، وكان من بينها الاشتباكات واطلاق النار والاستيلاء علي أموال وتمزيق وطعن وقتل ومتفرقات، ونزاعات الملكية التي وقع بسببها 8 حوادث تعادل 3.4% من حوادث الخلاف، وكانت جميعها تقريبا بسبب أراض وعقارات، ودارت فعالياتها داخل المحاكم.

3ـ الأسباب التافهة: هي أسباب تافهة وبسيطة، تثير ردود فعل تنشأ في لحظة عابرة، ويفترض ان يتم السيطرة عليها ولجمها بسهولة، لكنها بدلا عن ذلك تتحول إلي سلوك عبثي خطير لا مبرر له، يسيطر علي النفس ويسيرها للحظة قصيرة تقع خلالها الحادثة، من دون أن يكون سمة دائمة أو خصيصة متجذرة أو ميل الي شيء بذاته، مثلما هو الحال مع الهوس والنهم للمال، أو الخلافات التي تترك اثرا طويل الأمد.
ويلفت النظر أن هذا النوع من الدوافع كان وراء 125 من الحوادث، وعند تحليله وجد أن به 51 حادثة تعادل 40.8% منها وقعت بسبب احاديث بدأت عادية ثم تحولت لنقاش احتد فيه احد الطرفين علي الآخر، فتحول الي مشادة كلامية تطورت سريعا الي مشاجرة، افضت الي تشابك بالأيدي وإصابات وشروع في قتل ثم قتل أو غير ذلك.
ثاني الأسباب التافهة التي أدت الي حوادث خطيرة وغير تافهة علي الإطلاق كان لهو الأطفال ومشاجراتهم والعابهم مع بعضهم البعض، أو ما يطلق عليه بالتعبير الدارج “لعب العيال”، وهي حوادث عادة ما تقع بعد ذهاب الطفل الي والديه شاكيا اعتداء آخر عليه، أو حتي مجرد صراخه وبكائه، فيتدخل الكبار وتقع الحوادث، وبالأرقام تسبب “لعب العيال” في وقوع 16 حادثة، تعادل 21% من حوادث الجزارين تافهة الأسباب، وتدرجت هذه الحوادث من المشاجرات الي اطلاق النار الي الاعتداء الي الشروع في القتل الي القتل واللجوء للقوة والبلطجة.
السبب الثالث التافه هو الاسبقية والأولوية، ويقصد به الإقدام علي فعل حادثة بسبب الإصرار علي فعل شيء قبل ان يفعله طرف آخر، وبسبب الصراع علي الأولوية والاسبقية، اقدم الجزارون علي فعل 11 حادثة، تمثل 8.8% من حوادث الأسباب التافهة، كان من بينها الإصرار على الاسبقية في اللعب وفي المرور بالشوارع وفي تحميل الركاب بمحطات الركاب وفي ركوب التوك توك وفي شراء ساندويتش وفي أولوية البيع والذبح.
بعد ذلك تأتي قائمة من الأسباب التافهة المتفرقة التي وقع بسبب كل منها حادثة واحدة او حادثتين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ركن سيارة وركن توك توك واسطوانة غاز، وتأخر احضار الشاي وتأخر احضار الطعام، وتبول حمار امام منزل، وتربية حمام بمنزل، وخلاف على ثمن خروف وخلاف علي كوب شاي، وصوت كاسيت توك توك، وعدم تنظيف المنزل، وعدم تنظيف سرير، وفرم كمية لحوم، ورش مياه جزارة علي فرشة جرجير.
وعند مراجعة هذه النوعية من الحوادث، تبين أنها قادت في كثير من الأحيان الي جريمة القتل، وبدا فيها بوضوح مسألة الانفعال الشديد السريع، أو “الدم الحامي” كما أشرنا في البداية، مع توفر أداة تسهل الوصول الي حد القتل.

4 ـ البلطجة واستعراض القوة: حملت تفاصيل العديد من الحوادث ما يدل علي أنه في بعض الأحيان يكون الدافع لفعل الحادثة هو الرغبة في استعراض القوة والبلطجة والظهور بمظهر المسيطر الذي يفرض كلمته علي الجميع، وأمكن رصد هذا الدافع في نحو 60 حادثة، تشكل 5.8% من اجمالي حوادث العينة، وتضمنت جرائم اعتداء وحيازة واشهار سلاح منها بنادق وسلاح ابيض وقنابل وطلقات رصاص، وحادثة استيلاء علي توك توك بالقوة، وحادثة قتل وحوادث ترويع وخطف وسطو وهروب من قبضة العدالة ومشاجرات.

5ـ لم تكن الرغبة في استعراض القوة هي المظهر الوحيد في هذا المضمار، إذ رافقها مظهر آخر قريب منها وإن اختلف في ادواته والسلوكيات التي تجسده، وهو دافع الاعتراض والرفض وعدم الرضا بمجريات الأمور، والإصرار علي فرض وجهة النظر، وظهر هذا الدافع في نحو 54 حادثة تمثل 5.2% من العينة، وكان من نتيجته الاقبال علي فعل حوادث اطلاق نار واعتداء وشروع في قتل ونحو 23 حادثة قتل، وحادثة لجوء للقوة وفرار من قبضة العدالة، أما وقائع الرفض نفسها فشملت العديد من التفاصيل منها رفض زواج البنات واعتراض علي دفع ايجار محالات الجزارة والانتقام ورفض تسعير ماشية ورفض دفع دين عليه خلاف، ورفض قطع شجرة، ورفض فحص رخصة قيادة من قبل رجال مرور وغيرها.

6 ـ ظهرت الرغبات الجنسية كدافع رئيس من دوافع ارتكاب نحو 40 حادثة تمثل 3.9% من العينة، وتنوعت اشكال هذا السلوك ما بين الدعارة والتحرش والفعل الفاضح والتصارع علي فتيات سواء للزواج أو العلاقات العابرة، وبسبب هذا الدافع وقعت حوادث في نطاق الاسرة والعائلة وحوادث اطلاق نار واعتداء وافعال تصنف ضمن جرائم الجنس وثلاث حوادث قتل ومشاجرتين كبيرتين.

7ـ تم خلال التحليل رصد عدد ضئيل من الحوادث التي وقعت بصورة عرضية، لم يكن ورائها دوافع محددة لدي الجزارين، وبلغت نحو 28 حادثة تمثل 2.7 % من العينة، وكان من بينها حوادث إصابات وإطلاق نار واعتداء وحوادث طرق و8 حوادث قتل، و9 متنوعة، أما تفاصيل الوقائع فكان من بينها الغرق والوفاة اثناء الاستحمام بالشواطئ والترع، والاعيرة النارية غير المقصودة في الافراح والحوادث المرورية والخطأ غير المتعمد في ذبح الاضاحي وحوادث السقوط والصعق الكهربائي العرضي، والتعرض لهجمات الحيوانات اثناء الذبح وغيرها.

8ــ وقعت كذلك 12 حادثة تمثل 1.2% من العينة، وكان ورائها دوافع متفرقة لم تتكرر كثيرا، وكان من بينها حوادث ذات علاقة بالصراع والعنف السياسي والقتل، وحملت تفاصيل خلافات مع جماعة أعضاء من جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين، وخلاف علي القمار او التعرض لاعتداءات او اشتباكات اثناء الحجز بأقسام الشرطة، واحيانا تقع الحادثة وتكون الأسباب غامضة لا تفصح عنها التفاصيل المنشورة عن الحادث.

يتبدى مما سبق أنه في كثير من الأحيان، لا يمكن الفصل بين دوافع وأسباب فعل الحوادث، وبين المناخ العام الذي تمارس فيه المهنة والأدوات المستخدمة فيها، فالأرقام والتحليلات تشير إلى أن الكثير منها وقع ومورس فيه مستوى فج من العنف، يبدأ وينتهي عند ما يمكن أن نطلق عليه التأثير النفسي للمهنة، الذي يقع البعض تحت طائلته ويلعب دورا ما في صنع هذه الدراما.

من اجل استكشاف العلاقة بين الإقدام على فعل الحوادث والشريحة العمرية لفاعليها، تم رصد أعمار الجزارين التي وردت في النصوص المنشورة عن الحوادث، ثم تصنيفها في شرائح عمرية، كل شريحة عشر سنوات، بدءا من سن الخامسة عشر وحتي السن الأكبر من 70 عاما، ثم فرز اعداد وفئات الحوادث التي وقعت في كل شريحة.
تبين من الفهرسة والتحليل أن الجزء الأكبر من حوادث الجزارين وتحديدا 62.6% منها، يقدم عليها من هم بين سن 21 و 40 سنة، بينما تتقارب بشدة نسبة فعل الحوادث في الشريحة من 15 الي 20 عاما، مع النسبة في الشريحة من 41 الي 50 عاما، ثم تتراجع النسبة بصورة حادة بعد الخمسين لتصل الي ادني مستوياتها فيما بعد السبعين.
بتفصيل اكثر وجد أن 13.3% من الحوادث فعلها اشخاص يقعون في الشريحة العمرية بين 15 و20 عاما، و34.8% من الحوادث فعلها اشخاص يقعون في الشريحة العمرية 21 الي 30 عاما، و27.8% من الحوادث فعلها اشخاص في الشريحة 31 الي 40 عاما، و12.2% من الحوادث فعلها اشخاص في الشريحة 41 الي 50 عما، و6.3% من الحوادث فعلها اشخاص في الشريحة 51 الي 60 عاما، و3.3% من الحوادث فعلها اشخاص في الشريحة 61 الي 70 عاما، و2.2% فعلها اشخاص اكبر من 70 عاما.
لوحظ أيضا أن العلاقة بين العمر وفعل الحوادث يختلف اختلافات طفيفة بحسب فئة او نوع الجريمة المترتبة علي الحادثة، حيث تبين مثلا ان حوادث سرقة الاثار والتنقيب غير المشروع تنحصر في السن بين 21 و60 عاما، ولا تقع قبل العشرين أو بعد الستين، عكس جرائم الاسرة التي تمتد من سن العشرين وحتي ما بعد السبعين، بينما جرائم العنف الكبرى كالقتل، تظهر في جميع الشرائح العمرية، حيث أظهرت الأرقام انه يتم اقترافها منذ الخامسة عشر وحتي ما بعد السبعين من العمر، وكذلك الحال جرائم المشاجرات واللجوء للقوة والبلطجة.
هكذا تدل الأرقام علي أن حوادث الجزارين تبدأ في فترة مبكرة من العمر منذ الخامسة عشر، وتستمر في نشاطها العالي حتي بلوغ الخمسين، قبل ان تتراجع عن مستواها في الخامسة عشر ثم تكاد تختفي بعد السبعين، ومن ثم فإن تأثير العمر يكاد يكون مقصورا علي كثافة ومستوي العنف الذي يمارس في فعل الحوادث ويصل ذروته في فترة الشباب، لكن صغر السن او التقدم في العمر لا يمنع الإقدام علي فعل الحوادث أو يلغيها كلية، ما ينبئ عن أن عامل العمر لا يلغي التأثير النفسي للمهنة، سواء في السن المبكرة او بعد التقدم في العمر.

السؤال الخامس: جاني ام مجني عليه
السؤال السادس: أين تقع الحوادث
السؤال السابع: كيف تتطور الحوادث سنويا

من الطبيعي أن يكون الجزار إما جاني أو مجني عليه في الحوادث التي يكون طرفا فيها، وبالطبع فإن الوضع لا يسير علي وتيرة واحدة، وقد كشف فحص الحوادث عن أنه في 87% من الحوادث كان الجزارون جناة، وفي 13% من الحوادث كانوا مجني عليهم، وعلي مستوي نوعيات وفئات الحوادث تبين انهم كانوا جناه بنسبة 100% في تسع نوعيات من الحوادث، هي الاثار والاسرة والاصابات والتزييف والسلاح والشروع في القتل والعثور علي الجثث والهروب من قبضة العدالة والأغذية.
أما النوعيات الـ 12 الأخرى، فتباينت في النسبة بين حالة الجاني والمجني عليه، فقد كانوا جناه في 98% من جرائم المخدرات، وفي 95% من جرائم اهدار المال العام، وفي 94% من الجرائم المتنوعة، وفي 93% من جرائم الجنس، و90% من جرائم السرقة، و84% من جرائم اللجوء للقوة، و76% من جرائم القتل، و73% من جرائم الاعتداء، و67% من المشاجرات و50% في كل من حوادث الطرق والصراع السياسي و29% من حوادث إطلاق النار، اما النسب الباقية في كل هذه الجرائم فكانوا مجني عليهم.
تدل هذه الأرقام علي أنه من الخطأ اعتبار التأثير النفسي والسلوكي لمهنة الجزارة أمرا مطلقا في كل الأحوال، ومن الخطأ أيضا اعتبار ان حالة ” الدم الحامي” مع توفر الساطور الحاد، لابد وان تفضي حتما الي حادثة يكون الجزار طرفا فيها او فاعلها، فلو اخذنا حوادث القتل التي كان الجزارون طرفا فيها علي سبيل المثال، سنجد ان 24% منها كانوا فيها مجني عليهم، حتي وإن كانت دوافع الحادثة بدأت لدي الجزار، ويمكن ملاحظة الشيء نفسه في حوادث اطلاق النار، التي كانوا مجني عليهم في 71% منها، والمشاجرات التي كانوا مجني عليهم في 33% منها.

كان المفترض أن يتم حساب التوزيع الجغرافي لحوادث الجزارين داخل مصر استنادا الي عدد الحوادث في عدد محدد من السكان، مثل 1000 شخص او 100 الف شخص او غير ذلك، لكن البيانات المنشورة عن الحوادث التي تم الاستناد اليها في التحليل لم توفر مثل هذه البيانات المعيارية التي تقود الي معدل وقوع الحوادث بين السكان، ووفرت فقط عدد الحوادث في كل محافظة ككل، بغض النظر عن الكثافة السكانية بالمحافظة، ولزم هذا التنويه تحريا للدقة.
علي اية حال كشفت البيانات عن ان 24.7% من الحوادث وقعت في محافظة الجيزة، و20.2 منها في محافظة القاهرة، و7.2% في القليوبية و5% في سوهاج بقلب الصعيد، و4.7% في الشرقية، و3.3% في كل من الإسكندرية والبحيرة والدقهلية، و2.9% في الغربية و2.5% في المنوفية و2.1 في كل من المنيا واسيوط، فيما كانت النسبة أقل من 2% في 12 محافظة هي الفيوم وبني سويف ودمياط والاسماعيلية وقنا وكفر الشيخ وبورسعيد واسوان والبحر الأحمر والاقصر وجنوب سيناء والسويس، فيما لم يتم رصد حوادث جزارين في ثلاث محافظات هي الوادي الجديد ومرسي مطروح وشمال سيناء.
يتبين من هذا التوزيع أن مركز الثقل الأساسي لحوادث الجزارين هي منطقة القاهرة الكبرى، حيث وقع بها اكثر من نصف حوادث الجزارين او تحديدا 52% منها، فيما توزعت النسبة الباقية علي 22 محافظة، وعلي الرغم من ان التوزيع علي هذا النحو ليس دقيقا بدرجة كافية للدلالة علي نمط التوزيع الجغرافي كما سبقت الإشارة، إلا أنه يقدم نتيجة عامة، مفادها ان حوادث الجزارين تظهر في كل ارجاء مصر ، وليست قاصرة علي منطقة دون الأخرى، باستثناء ثلاث من محافظات الحدود النائية.

بعد فحص التطور السنوي في أعداد حوادث الجزارين، تبين أنه في عام 2009 وقعت 45 حادثة، ارتفعت الي 62 حادثة في العام التالي 2010، ثم انخفضت الي 51 في عام 2011، قبل ان ترتفع بوتيرة متصاعدة في العامين التاليين، حيث قفزت الي 80 حادثة في 2012، ثم 103 حادثة في العام 2013، محققة بذلك واحدة من ذروتين بلغتهما خلال الـ 14 سنة، ثم هبط العدد في السنتين التاليتين مسجلا 88 حادثة في العام 2014، و67 حادثة في العام 2015، مقتربا مما كان عليه الحال في العام الثاني للرصد.
قفز المنحني لذروته الثانية التي تعد الأعلى على الإطلاق في العام 2016، وسجل 108 حادثة، بعد الذروة الأولي في العام 2013،وبدءا من العام 2017 عادت الأعداد للتراجع مرة اخري وسجلت 101 حادثة، ثم 97 حادثة في العام 2018، ثم 66 حادثة في العام 2019، ليعود بنا التذبذب مرة اخري إلي وضع قريب للغاية مما حدث في عامي 2015 و 2010، ثم عاود عدد الحوادث ارتفاعه مرة اخري في العام 2020 مسجلا 87 حادثة، قبل ان ينخفض الي 51 في العام 2021.

وتشير الأرقام السابقة إلي أن حوادث الجزارين التي وقعت خلال الـ 13 عاما الأخيرة في مصر، لم تكن تمضي علي وتيرة واحدة، بل تزداد في سنة وتقل في أخرى، وفق منحني اتخذ من التذبذب والهبوط سمة عامة، خاصة عند المقارنة بين الوضح في نقطة الأساس عام 2009 ونقطة النهاية في 2021، ويمكن الخروج من هذه النقطة بنتيجة مفادا أن إقدام الجزارين علي فعل الحوادث ليس امرا كامنا لديهم ويتخذ ويترة ثابتة، بل هو فعل وسلوك يتغير مع الوقت، ووليد بيئته في الاغلب، حتي وإن كان عنصر التأثير النفسي للمهنة حاضرا في بعض الوقائع والأوقات.

الخلاصة والنتائج

في ضوء التحليلات والأرقام السابقة يمكننا أن نعرض النتائج التالية:

1ـ هناك حوادث يفعلها أشخاص ينتمون لصناعة ذبح الحيوانات وتجهيزها للاستهلاك البشري، ويمارسون فيها فعل مؤثم وينجم عنها جرائم متنوعة، لكن العدد الإجمالي الذي أمكن رصده من هذه الحوادث خلال فترة الـ 14 سنة، بلغ 1032 حادثة، وهو عدد ضئيل بالقياس الي أعداد العاملين في هذه المهنة بمصر الذين يقدرون بالآلاف، وبالتالي فإنه عند تقسيم عدد الحوادث علي عدد الجزارين وعدد سنوات الرصد، يتبين أننا إزاء وقائع ترتكب من قبل أقلية ضئيلة من العاملين في هذه الصناعة، ولا تمثل الجزارين بشكل عام، ومن ثم يتعين ابتداء ان يتم التعامل مع ما يقال ويشاع عن حوادث الجزارين بمسئولية، وبالاستناد إلى الحقائق الموثوقة والبيانات الدقيقة، ووفقًا للقوانين والأنظمة القضائية المعمول بها، ويجب عدم إظهار العمال في صناعة الذبح بشكل سلبي أو إلقاء اللوم عليهم دون وجود أدلة قوية وموثوقة تدعم ذلك.

2ـ وفقا للأرقام الواردة في التحليل، لا يجب التعميم وإلصاق تهمة استسهال ارتكاب الجرائم ـــ خاصة جرائم القتل ـــ من قبل الجزارين، لأن الأمر يعتمد في كل الاحوال على الأفراد والعوامل الفردية، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية والنفسية التي قد تؤثر على سلوك الأشخاص.

3ـ تدل الأرقام والتحليلات السابقة على أن مهنة الجزار تكون احيانا محفزًا لفعل الحوادث التي يمارس خلالها السلوك المؤثم المفضي للعديد من الجرائم، وهو ما اطلقنا عليه التأثير النفسي للمهنة، لكن هذا يحدث لدي بعض الأفراد، خاصة الذين يعانون من انحرافات نفسية أو توجهات عنفية متأصلة في نفسياتهم، تم تغذيتها وتقويتها في أجواء المهنة، وهذه التوجهات تجعل بعض الأشخاص يستشعرون نوعا من القوة أو السيطرة الوهمية، وقد يجدون في مهنة الجزار فرصة تمكنهم من تحقيق ذلك. ومع ذلك، يجب أن نفهم أن هؤلاء الأفراد يمثلون نسبة صغيرة جدًا من الجزارين، ولا يمكن تعميم سلوكهم على كل العاملين في هذه المهنة.

4ـ إن الفرضية الخاصة بأن بيئة العمل في مهنة الجزارة تسهل ارتكاب جرائم في حق الآخرين من البشر، هي فرضية ليست صحيحة على إطلاقها، لكن ثبت من التحليلات والوقائع أنه قد توجد بعض العوامل في بيئة العمل يمكن أن تؤثر على بعض الأفراد وتزيد من احتمالية ارتكابهم أعمال عنف، وعليه من الأهمية بمكان أن تكون هناك إجراءات وسياسات صارمة في مكان العمل لضمان سلامة العمال والوقاية من أي انحرافات سلوكية.

5 ـ إن الفرضية القائلة بأن اعتياد الذبح واستعمال السكين ورؤية الدماء فى مهنة الجزارة يسهل اساءة استخدامها في أذي البشر والتعدي عليهم، هي فرضية غير صحيحة على إطلاقها هي الأخرى، ومن الخطأ التعميم في تداولها، فالأعداد الكلية للحوادث المرصودة في الدراسة، ونوعياتها لا تدعم ذلك، فالسلوك العنيف في الحوادث المرصودة ظهر في أقل من نصفها، وإذا ما عدنا إلي حقيقة أن الحوادث في حد ذاتها قليلة العدد قياسا الي العدد الكبير للجزارين، يتأكد مرة اخري خطأ التعميم والتعامل مع صحة الفرضية بصورة مطلقة، ويتأكد أيضا ضرورة الوعي بأن اعتياد الذبح واستخدام السكين ورؤية الدماء قد يؤثر على تحمل بعض الأفراد للعنف أو يسهل تعاملهم مع المشاهد العنيفة، وهذا يظهر اثره فقط في النسبة الضئيلة من الحوادث التي ارتكبها افراد لهم ظروفهم الخاصة بالخلفية النفسية والاجتماعية للفاعل والتجربة الشخصية وعوامل الضغط والتحفيز المحيطة به.

6ـ أن الشواهد الواردة في التحليلات السابق، والدالة علي التأثير النفسي لمهنة الجزارة في العديد الحوادث التي تم تحليلها، لابد وأن يؤخذ في الاعتبار عند تناولها أن مهنة الجزارة وظيفة مجهدة بدنيًا ونفسيًا، حيث يتعين على الجزارين التعامل مع المواقف الصعبة والمشاهد العنيفة يوميًا، والتعرض لمشاهدة الدماء والألم المصاحب للذبح بشكل متكرر، ما قد يؤثر على صحتهم ويزيد من مستوى التوتر النفسي، وقد يتأثر البعض من الجزارين بهذه الظروف ويشعرون بالتجاهل أو العزلة أو الإحباط، مما يؤدي في بعض الحالات إلى زيادة احتمالية الميل للعنف أو التعدي على الآخرين، وقد يتأثر نظام القيم والتصورات الشخصية لدى افراد منهم بسبب ذلك، وينعكس سلبا على تصرفاته وسلوكه في الحياة اليومية، ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الآثار ليست حتمية الحدوث، وإنما تعتمد على العديد من العوامل الأخرى مثل الشخصية الفردية والدعم الاجتماعي والظروف المحيطة.

7ـ فيما يتعلق بالفرضية القائلة بأن طبيعة المهنة، وسهولة استخدام أدوات الجزارة كسلاح للجريمة، وراء سرعة ارتكاب الجزارون للجريمة وعفوية وسرعة الإقدام على سلوك الطعن او الذبح بالسكين، من دون ترو او تفكير حتي لو كان سبب الخلاف شديد التفاهة، لا يمكن القول بشكل قاطع أن مهنة الجزارة نفسها هي السبب المباشر في كل الأحوال، لأن عدد الحوادث من هذا النوع ضئيل مقارنة العدد الإجمالي للجزارين، ما يعني أن هناك أيضًا عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على سلوك الأفراد، مثل التربية والبيئة الاجتماعية والثقافية والعوامل الاقتصادية والقيم المجتمعية.