دفتر يوميات حرب كورونا يتضمن الآن عشرات المئات من مدن الأشباح، مطاراتها ومرافقها فارغة، وميادينها ملفوفة بالصمت المخيف، إلا من رجال بملابس العزل التام، ينفذون بصرامة وشدة، أوامر الإخلاء والتعقيم، ويجمعون مئات النعوش المحتوية جثامين الضحايا في طوابير طويلة، تهيئة لنقلها لمقابر جماعية، من دون كلمة وداع، ومئات الملايين الملزمين بالبقاء بالمنازل جبرا وقسرا، يأكلهم القلق من مستقبل مجهول، ويطبق عليهم الاكتئاب من وقت ثقيل الوطأة، ليس من الواضح إلي متي سيطول، والجميع ينتظر بفارغ الصبر، اليوم التالي للحرب، أو اليوم الذي يعلن فيه انكسار وانحسار الفيروس، وبدء عودة الحياة الطبيعية، فما هي ملامح هذا اليوم؟
استنادا للكثير من المؤشرات المتاحة، فإن اليوم التالي سيكون عاصفا مختلفا، فعلي الصعيد الاجتماعي والمجتمعي هناك أربع تغيرات يتوقع حال حدوثها أن تهز الواقع الاجتماعي القائم، أولها يخص الحياة اليومية الاجتماعية، وثانيها التحول نحو الاكتفاء الذاتي والاقتصاد الطبيعي، وثالثها نشر التباعد الاجتماعي والعمل عن بعد، والرابع العيش تحد عيون “البيانات الحية”.، وعلي المستوي القانوني ستكون هناك خمسة ارتدادات، تهز عناصر المنظومة القانونية التي تحكم اليوم حركة انتقال الأفراد عبر حدود الدول، وتؤثر بقوة في الكثير جداً من العلاقات التعاقدية القائمة “العقود”، وتغير النظم القانونية للتأمين، والتشريعات الصحية والطبية وفي وضعية المؤسسات الدولية الأممية والإقليمية. كما ستؤذن باندلاع أكبر حركة مراجعة فكرية وسياسية واجتماعية لدور الدولة وما إذا كان مفهوم الدولة الحارسة أم المتدخلة هو الأكثر نجاعة لمواجهة مثل هذه الحروب، وعلي المستوي الاقتصادي، فإنه مع دوران عجلة الحياة مجددا، ستكون الخسائر قد بلغت 2.7 تريليون دولار، مع تراجع في النمو السنوي الإجمالي العالمي عام 2020 بنسبة 1.5%، ليكون الوجه الاقتصادي لليوم التالي للحرب هو انكماش وركود وازمة خانقة، وعلي المستوي الصحي، سيفيق العالم علي آخرين من المرضي والموجوعين في حاجة للرعاية، أعدادهم أكبر، والمخاطر التي تواجههم أعمق وأشد وأطول أمدا، وجري نسيانهم مؤقتا خلال فترة الحرب، ولعل 9.4 مليون وفاة سنويا بسبب أمراض شريان القلب التاجي، تقدم دليلا صارخا علي ذلك، فلنقرأ معا جانب من يوميات اليوم التالي للحرب.