%0.01 من السكان يستحوذون على %79.5 من الثروة الشخصية عالمياً

جمال محمد غيطاس

إذا امتلك شخص ما مليار دولار في عام ما، فهذا معناه أن ثروته خلال هذا العام تعادل ثروة مليون و 441 الفا و961 شخص يعيشون تحت خط الفقر، أي الذين يمكن لكل منهم تكوين ثروة قدرها 693.5 دولار في العام بواقع 1.9 دولار في اليوم، طبقا لتعريف خط الفقر الصادر عن البنك الدولي في 2015، وتبعا لهذا المثال البسيط، ليس مستغربا أن تخرج أحدث الأرقام الخاصة بالثروة الشخصية داخل مؤشر حالة “عدم المساواة في الدخل” عالميا، لتؤكد أنه خلال السنوات السبع والعشرين الأخيرة ــ أي من 1995 الي 2021 ـ تركزت الثروة الشخصية عالميا لدي عدد ضئيل جدا من الافراد، ففي المتوسط، كانت هناك خلال هذه الفترة شريحة تقدر بـ %0.01 من البشر، تستحوذ وتمتلك %79.5 من الثروات الشخصية القائمة على كوكب الأرض، فيما يملك %99.99 من البشر على الـ %20.5 الباقية من الثروة الشخصية.

في الثلاثين من يونيو 2022، نشر مشروع قاعدة بيانات عدم المساواة في الدخل عالميا https://www.wider.unu.edu/project/world-income-inequality-database-wiid ، التابع لجامعة الأمم المتحدة أحدث ما لديه من بيانات حول أنماط توزيع الثروة الشخصية عالميا، وقام مركز جسور بمراجعة وتصنيف وتحليل هذه البيانات الأولية، ويعرض الجدول رقم «1» المستخلص من التحليل، النسب المئوية التي ترصد حالة عدم المساواة في توزيع الثروة على الشرائح الأدنى والأعلى ثروة بين سكان العالم طبقا لصافي الثروة الشخصية للأفراد، بحسب حجم كل شريحة سكانية بالنسبة لإجمالي عدد السكان ونصيبها من الثروة الشخصية.
وعند مراجعة النسب المعروضة بالجدول يتبين أن شريحة الـ %10 من البشر الاشد فقرا بين سكان العالم، كان متوسط حصة ثرواتهم خلال الفترة من عام 1995 الي 2021 حوالي %0.01، أي تحت خط الفقر ويعانون الفاقة والديون، وعند مراجعة الدرجة الأعلى في سلم الثروة، يلاحظ أن ضآلة الثروة أو ربما انعدامها شملت أيضاً شريحة أوسع تضم نصف سكان العالم، حيث تشير البيانات إلي أن %50 من سكان العالم ينضوون في الشريحة التي يوجد بها تنوع في الفقر ودرجاته، كالفقر المدقع، والفقر الأقل وطأة، ويستحوذ هؤلاء جميعا على حصة قدرها %0.0017 فقط من الثروة الشخصية حول العالم، على الرغم من أنهم يمثلون نصف عدده.
في الدرجة الأعلى قليلاً من الثروة، تقع شريحة تمثل %40 من سكان العالم، تستحوذ على حصة من الثروة الشخصية أعلى بصورة طفيفة من الحصة التي تستحوذ عليها شريحة الـ %50 السابقة، حيث بلغ متوسط هذه الحصة خلال الفترة المشار إليها %0.03.
في معرض شرحه للبيانات، يقول مشروع « بيانات عدم مساواة في العالم» أن الشرائح الثلاث السابقة تمثل %89 من سكان العالم، وبالنظر الي الجدول يتضح أن هؤلاء جميعا يستحوذون على ما مقداره %0.032 فقط من الثروة الشخصية عالميا، ويأتي بعدهم شريحة أعلى %10 من السكان من حيث الثروة الشخصية، والتي تستحوذ بمفردها على %0.65 من الثروة، وبالتالي يمثل الشرائح الأربع %99 من سكان العالم، بحصة اجمالية %0.684 في المتوسط، أي أعلى من النصف في المائة بقليل.
في الـ %1 المتبقي من السكان، تبين أن %0.9 منهم يستحوذون على %3.54 من الثروة الشخصية، ويستحوذ عشر العشر المتبقي وهو %0.1 من السكان على %16.29 من الثروة، وأخيرا تستحوذ شريحة بالغة الضآلة، تعادل جزء من مائة جزء من الواحد في المئة، أو %0.01 على %79.53 من الثروة، وذلك كله كمتوسط عام خلال الفترة المشار إليها.
ولو تتبعنا تطور حالة الفقر المدقع والأشد ضراوة، الذي تمثله حصة شريحة أدني %10 من سكان العالم من حيث الثروة الشخصية خلال الفترة من 1995 الي 2021، سنجد أن هذه الحصة ظلت دون الصفر في المائة لمدة 26 سنة متصلة من بين الـ 27 سنة محل الدارسة، أي منذ عام 1995 الي 2020، وفي العام الماضي 2021 تحركت لأعلى قليلا لتسجل %0.006 كرقم موجب لأول مرة.

وعلى الرغم من أن ثروة هذه الفئة من الناس كانت دون الصفر طوال هذه السنوات، إلا أن مستوي حدة الفقر لم يكن واحداً، بل شهد تغيرات من آن لأخر، حيث بدأ منحني التطور من نقطة منخفضة تعبر عن أشد حالات الفقر خلال الفترة بأكملها، وساعتها كان الحصة %0.023-، ثم بدأت تتصاعد بصورة طفيفة حتي اقتربت من الصفر في عام 2000 حينما سجلت %0.004، ثم أخذت في التدهور مجددا خلال العقد الأول من القرن الحالي، لتصل لأقل مستوي لها في العام 2009، حينما سجلت %0.024-، ثم عادت للارتفاع التدريجي البطيء للغاية بصورة مستمرة خلال الـ 12 عاما التالية، لتتجاوز الصفر بقليل وتنتقل للحالة الموجبة العام الماضي.
سنجد النقيض تماما في رحلة الغني الفاحش والتركيز المخيف للثروة، الذي تمثله شريحة الـ %0.01 الأكثر استحواذا على الثروة الشخصية حول العالم، حيث يشير المنحني الخاص بثروات هذه الفئة الموضح بالشكل رقم «2»، إلى أن حصة هذه الشريحة بدأت من نقطة مرتفعة جدا، حيث بلغت %77.6 في العام 1995، ثم تصاعدت لتصل الي %78.8 في عام 2000، ثم هبطت الي %78.4 في عام 2003، ثم شهدت رحلة صعود جديدة قادتها الي %80.2 في عام 2008، ثم هبطت للمعدلات السابقة وبلغت %78.9 في 2009، لتبدأ بعدها رحلة جديدة من الارتفاع المستمر حتي انتهت عند حصة قدرها %81.6 العام الماضي 2021.
يتوافق الاتجاه العام الذي يجسده هذا المنحني مع الأرقام الخاصة بعدد المليارديرات وثرواتهم حول العالم المذكورة بقائمة مجلة فوربس لعام 2021، حيث ورد بالقائمة أن عدد المليارديرات حول العالم بلغ 2095 مليارديرا في عام 2020، بثروة قدرها 8 تريليونات دولار، وذلك بعد أن كان العدد 470 مليارديرا في عام 2000 بثروة قدرها 898 مليار دولار.
وإذا ما عدنا للمثال البسيط الذى أوردناه آنفا، من أن كل مليار دولار يعادل ثروة مليون و 441 الفا و961 شخص يعيشون تحت خط الفقر، فهذا معناه أن ثروة الـ 2095 ملياردير والبالغة 8 تريليونات، تعادل ثروة 11.5 مليار شخص ممن يعيشون تحت خط الفقر.
نخلص من ذلك إلي أنه بين الفقر المدقع الأشد وطأة، والغني الفاحش الاشرس تركيزا، بات عالمنا مقسما بين غالبية ساحقة أو شبه ساحقة تزيد نسبتها وتنكمش ثروتها مع الوقت، وأقلية بالغة الضآلة، تقل نسبتها وتتضخم ثرواتها مع الوقت، مما يرسخ حالة عدم مساواة الخانقة والتركيز المخيف في الثروة الشخصية، ويجعل أحلام العدالة والمساواة اثرا بعد عين، أو حلم يقظة يستعصي على الحدوث.