كارثة التعاطي تبدأ في سن 7 سنوات لدي 1.5 % من سكان العالم

يولد الإنسان وجسده كالثوب الأبيض الخالي من كل شائبة إدمان علي أي من المخدرات، ويظل جسده كذلك حتي يبدأ تعاطي شيء ما من المخدرات في وقت ما، فتظهر بجسده النقطة السوداء الأولي، أو بالأحرى نقطة بداية ماراثون السقوط السريع المريع ببئر الإدمان، مكبلا بأعباء التعاطي الثقيلة، سواء من الناحية الجسدية أو النفسية أو المادية، وكلما ظهرت نقطة البداية في سن مبكرة، بدأ الانسان ماراثون السقوط وهو في وضعية هشة، ربما تعد الاضعف جسديا ونفسيا وسلوكيا وقيميا، والمؤسف أن بداية ظهور النقطة السوداء، أو “سن بدء التعاطي” حدث في السابعة من العمر، لدى شريحة تقدر بنحو 1.5% من سكان العالم، وذلك خلال الفترة من 2016 الى 2021.
تبدو الارقام صادمة سواء فيما يتعلق بالسن او النسبة، ومن ثم فهي دافع معقول لتتبع قضية بدء سن التعاطي، والوقوف علي ابعادها، وفي هذا السياق قام مركز جسور بتصنيف وتحليل البيانات الخاصة بالشرائح العمرية الواردة بقاعدة بيانات تقرير المخدرات العالمي لسنة 2023، لرصد سن بدء التعاطي في فئات المخدرات التسع الرئيسية المعتمدة لدي الامم المتحدة، ومن خلال التحليل امكن التوصل للنقاط التالية:
فيما يتعلق بفئة الأفيونات الاصطناعية وشبه الاصطناعية، فتتركز سن بدء تعاطيها بين سن العاشرة والخامسة عشرة بالأساس، حيث تشير الأرقام إلي أن نحو 8.5% من سكان العالم بدأوا تعاطيهم لهذه النوعية من المخدرات وهم في سن الخامسة عشرة، خلال الفترة الزمنية المشار إليها، أما الذين بدأوا وهم في سن الرابعة عشرة فنسبتهم 3.5% من السكان، وفي المركز الثالث جاء من هم في سن العاشرة، الذين بلغوا 2.1% من السكان، ثم تساوي من هم في سن السابعة عشرة والسابعة من العمر، حيث بلغت نسبة كل منهما 0.4%.
يختلف الحال مع فئة الأفيونات المشتقة من نبات الخشخاش، التي لا يبدأ تعاطيها إلا في سن العاشرة والأعمار التي تليها بنسب طفيفة في مجملها، حيث يبدأ 1.4% من السكان وهم في سن العاشرة، ثم 0.1 % و 0.3% و0.6%، وهم في سن الـ 12 و14 و15 سنة على التوالي، لتصل بعد ذلك الى ذروتها في سن الثامنة عشرة، وهي السن التي يبدأ فيها 2.7% من السكان تعاطيها.
لوحظ من الأرقام أن الأفيونات الموصوفة طبيا هي الأقل علي الإطلاق بين المخدرات الأفيونية من حيث انتشار تعاطيها، حيث يبدأ عليها 1% من السكان وهم في سن العاشرة ، و3.7% وهم في سن الرابعة عشرة.
يبدأ الإقبال تعاطى فئة مخدرات “الاكستاسي” التي تضم المواد المخدرة المسببة لإحساس النشوة او الانتشاء في السن ما بين الرابعة عشرة والسابعة عشرة، ففي سن الرابعة عشرة يقبل 2.7% من السكان على تعاطيها، أما في سن الخامسة عشرة فتنخفض النسبة الي 1.1%، لتصل الي ادني معدلات انتشارها في سن السابعة عشرة وتصبح 0.9%، ولا ترصد البيانات أي بدايات لتعاطيها هذه النوعية في سن عشر سنوات وأقل كما هو الحال مع الأفيونات الاصطناعية.

ينتشر موعد بدء تعاطى المخدرات من فئة الأمفيتامينات في الأعمار من السابعة وحتي الثامنة عشرة، بمعدلات متقاربة الي حد ما، فبدء التعاطي في سن السابعة يحدث لدي 1.1% من السكان، ثم 2% في العاشرة ثم 1.7% في الرابعة عشرة، ثم 0.3% في الخامسة عشرة، ثم 0.7% في السابعة عشرة، ثم 0.9% في الثامنة عشرة، وعليه تكون هذه المخدرات من الفئات التي تدفع الي ماراثون الإدمان بشريحة عمرية هائلة تضم نحو عشر سنوات، تمثل الحلقة الأضعف نفسيا وقيميا في مقاومة هذا الوباء والوعى بخطورته.
يتربع مخدر القنب علي قمة فئات المخدرات المختلفة من حيث مستوى الانتشار، وتنوع سنوات بدء التعاطي، ومن أسف أن 3.1% من السكان يبدأون تعاطيه وهم في سن السابعة من العمر، و2.8% وهم في سن العاشرة، و.5% وهم في سن الثانية عشرة، وتقفز النسبة الي 8.9% لمن في سن الرابعة عشرة، ثم تقفز مرة اخري الي 10.7% لمن في سن الخامسة عشرة، أي ان القنب يجد طريقه الي أجساد واحد من بين كل عشرة اشخاص حول العالم يبلغون من العمر الخامسة عشرة، وتنخفض النسبة في سن السابعة عشرة لتصبح 3.2% قبل ان ترتفع مجددا الي 7.8% في سن الثامنة عشرة.
أما مخدر الكوكايين فيبدأ 0.1% من سكان العالم تعاطيه وهم في سن العاشرة، و2.7% وهم في سن الرابعة عشرة، وهي السن التي تمثل الذروة بالنسبة لبدء الإقبال علي الكوكايين، تليها سن الخامسة عشرة، التي يبدأ فيها 1.6% من سكان العالم بدء تعاطي الكوكايين، ثم سن السابعة عشرة، التي يبدأ فيها 1.2% من السكان تعاطيهم لهذا المخدر، وأخيرا تقول الأرقام أن المنشطات الطبيعة يبدأ تعاطيها في الغالب في سن الخامسة عشرة، وهو فعل يقدم عليه نحو 0.4% من السكان.
لو تتبعنا حالة بدء التعاطي لكل فئات المخدرات لكل سنة عمرة علي حدة، سنجد أن نسبة من يبدأون التعاطي وهم في سن السابعة من العمر بغض النظر عن نوع المخدر، يمثلون 1.5% من سكان العام في المتوسط، وتنخفض هذه النسبة الي 1.3% في سن العاشرة، و0.1% في سن الثانية عشرة، ثم تقفز النسبة الي 3.5% في سن الرابعة عشرة، و5% في سن الخامسة عشرة، ما يعني أن ذروة بدء التعاطي تتركز في الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر.
نخلص من ذلك إلي القول بأن ثمة علاقة قوية بين التقدم في السن وتعاطي المخدرات في الشريحة العمرية من 7 إلى 18 سنة وهي علاقة تمثل في حد ذاتها مشكلة خطيرة، ينجم عنها مشكلات صحية وأكاديمية وسلوكية واجتماعية، وتدل كذلك علي عدة أمور، منها سهولة الوصول إلى المخدرات، في الشوارع وعبر الإنترنت، وضعف التوعية بمخاطرها، حيث لا يزال الكثير من الشباب لا يعرفون هذه المخاطر أو كيفية تجنبها، كما أنها تعكس في الوقت نفسه معاناة الكثير منهم لمشكلات اجتماعية واقتصادية كالفقر والإهمال، تجعلهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات.