ما هو الاندماج النووي؟

 

يقصد بالاندماج النووي اندماج نواتان- غالبًا هيدروجين- لتشكيل نواة أثقل، مثل الهيليوم، في عملية ينجم عنها إطلاق كميات هائلة من الطاقة، ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يُولِد الاندماج أربعة أضعاف الطاقة لكل كيلوغرام من الانشطار المُستخدم لتشغيل المحطات النووية، وحوالي 4 ملايين مرة أكثر من حرق النفط أو الفحم. وعلى عكس الوقود الأحفوري، لا يُطلِق الاندماج في الغلاف الجوي ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة التي تُعَد السبب الرئيسي لتَغيُر المناخ كما أنه لا ينتج نفايات مُشِعة طويلة الأمد.

استلهم العلماء فكرة الاندماج من العملية الكونية الطبيعية التي تحدُث في قلب الشمس والنجوم والمدفوعة بقوة الجاذبية الهائلة للشمس ودرجات الحرارة المرتفعة، ومن ثم بدأوا في محاولات مُحاكاتها على الأرض منذ خمسينيات القرن الماضي.

وبما أن الأرض لا تمتلك قوة الجاذبية الهائلة المطلوبة لحصر نوى الهيدروجين كما هو الحال مع الشمس والنجوم، لجأ العلماء لنهج مختلف لتحقيق تفاعلات الاندماج عليها، وهو تسخين الغازات إلى درجات حرارة شديدة الارتفاع تبلغ حوالي 150 مليون درجة مئوية، أي أكثر بعشر مرات من درجات الحرارة داخل الشمس، ثم توصلوا إلى أن أسهل ما يمكن تحقيقه هو تفاعل الاندماج بين نظيرين للهيدروجين: الديوتيريوم (رمزه العلمي D) المُستخرَج من الماء، والتريتيوم (نظير نادر رمزه العلمي T) الذي يُنتَج أثناء تفاعل الاندماج من خلال التلامُس مع الليثيوم، وبإدماج نواتيّ الديوتيريوم والتريتيوم، تتشكَل نواة هيليوم/ البلازما، أوما يسمى نيوترون، ومن هنا يحدث إطلاق الطاقة، وعلي الرغم أن مردود مادتيَ D-T هو محور الاهتمام الرئيسي حالياً، يتطلع الباحثون لخطة طويلة المدى لتفاعل الديوتيريوم / الديوتيريوم أو تفاعل D-D الذي يتطَلَب درجات حرارة أعلى بكثير.

يوجد الديوتيريوم طبيعيا في مياه المحيطات بنسب تبلغ نحو 156.25 جزء في المليون، وهي ذرة واحدة من 6400 من الهيدروجين، أي أن 99.98٪ من الهيدروجين في المحيط عبارة عن بروتيوم و 0.0156٪ فقط ديوتيريوم، ويتم الحصول على الديوتيريوم النقي عن طريق فصل الماء الثقيل من الماء الطبيعي وهذا الماء الثقيل أكثر لزوجة وكثافة من الماء العادي بنسبة 10.6%.

خضع الاندماج لطرق تطوير كثيرة منها تسخين البلازما إلى درجات حرارة تصل إلى 150 مليون درجة مئوية. وحيث أنه لا توجد مادة تحتوي على بلازما تصل لمثل هذه الدرجات الحرارية فائقة التصور، لجأ العلماء لأساليب مختلفة لحصر البلازما، أحدها هو الحصر المغناطيسي حيث يتم احتواء جزيئات البلازما الساخنة في “صومعة” مغناطيسية مصنوعة من مجالات مغناطيسية قوية تمنع الجسيمات من الهروب، وحصر البلازما لفترة طويلة بما يكفي لحدوث الاندماج. ومن هنا ظهر المصطلح المُختَصر “توكاماك” المأخوذ عن الروسية وهو اختصار لـ “غرفة فراغ على شكل حلقة محاطة بدوائر مغناطيسية لتوليد مجالًا مغناطيسيًا حلقيًا”.

ويكمُن التحدي أن كثافة الطاقة لتفاعلات الاندماج في الغاز أقل بكثير من تفاعلات الانشطار في الوقود الصلب، بمُعدل 70 مرة أقل، مما يعني أن يكون حجم مفاعل الاندماج أكبر وبالتالي أكثر تكلفة من مفاعل الانشطار. بالإضافة إلى أن مفاعلات الانشطار النووي تستخدم وقودًا صلبًا أكثر كثافة من البلازما النووية الحرارية، وبالتالي تكون الطاقة المنبعثة أكثر تركيزًا. كما أن طاقة النيوترون الناتجة عن الاندماج أعلى من الانشطار، أى 14.1 ميغا إلكترون فولت مقارنةً بـ حوالي 2 إلكترون فولت.

ويشرح أحد البحوث المنشورة في المجلة الإنجليزية “المداولات الفلسفية للجمعية الملكية” أن اندماج الحصر بالقصور الذاتي يمكن أن يوفر ما يُسمى بالتكلفة المستوية للطاقة (LCOE)- وهي القيمة الحالية الصافية لتكلفة توليد الطاقة على مدار عُمر مشروع الطاقة المُولَدة- وقدرُها 25 دولارًا/ ميجاوات/ الساعة مقارنة بـ 100 دولار/ ميجاوات/ الساعة للطاقة النووية وما يصل إلى 50 دولارًا/ ميجاوات في الساعة للرياح البرية. كما قد تكون الطاقة الاندماجية الحل الأكثر فعالية من حيث التكلفة للطاقة النظيفة الأساسية، وأرخص أربع مرات من الطاقة النووية.

وفي الوقت الحاضر، يتم دراسة نهجين تجريبيين رئيسيين: الحصر المغناطيسي والحصر بالقصور الذاتي. تستخدم الطريقة الأولى مجالات مغناطيسية قوية لاحتواء البلازما الساخنة، بينما يتضمن الثاني ضغط حبيبة صغيرة تحتوي على وقود اندماجي إلى كثافات عالية للغاية باستخدام أشعة الليزر القوية أو حزم الجسيمات. وفي هذا السياق، تأتي أهمية التفاعل الجديد الذي ابتكره الباحثون في مختبر “لورانس ليفرمور الوطني” بكاليفورنيا وانتج طاقة أكثر مما استُهلِكت لتوليده.

مركز جسور للدراسات والاستشارات الثقافية والتنموية هو مركز يستهدف تقديم الاستشارات والدراسات في مجالات التعليم وسوق العمل والثقافة والقانون والإعلام واقتصادات المعرفة بوجه عام، وليس للمركز أي أنشطة أو أهداف أو اهتمامات سياسية أو حقوقية.