مستقبل التعليم عن بعد: دروس مستقاه من تجربة كوريا الجنوبية

ترجمة نهال زكي

مرت عملية تطبيق التعليم عن بُعد في كوريا الجنوبية بطريقة سلسة نسبيًا، بعد أن أجبرت جائحة COVID-19 جميع المدارس والجامعات تقريبًا للتحول إلى التعليم عن بُعد وذلك بفضل امتلاكها لواحدة من أفضل البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات في العالم. فقد حققت الدولة قبل الوباء %99 من تغطية الجيل الرابع 4G، في حين كان الجيل الخامس 5G قيد التنفيذ؛ علاوة على أمتلاك حوالي %75 من الأسر لأجهزة كمبيوتر، واتصال نسبة %99.5 منهم بالإنترنت.

بالإضافة الي إعطاء أولوية للتعليم، مما سهَل تطبيق التعليم عن بُعد وقبول واسع النطاق له من قبل الطلاب والمعلمين. وقد بُذلت كل الجهود لضمان استمرار عملية التعليم في هذه الأوقات الصعبة، حيث تم توسيع البنية التحتية العامة من خلال زيادة قدرة منصات التعلُم الإلكتروني لدعم ملايين الطلاب. علاوة على مساعدة المعلمين في بناء قدراتهم التدريسية من خلال تزويدهم بالبرامج الإرشادية والتعليمية بين الأقران، مثل”مجتمع الـ 10000 ممثل من المعلمين”، والذي يشجعهم على مشاركة أفكارهم ومعلوماتهم حول التعليم عن بُعد. كما تم تقديم دعم فوري للمعلمين وأولياء الأمور والطلاب لاستخدام منصات التعليم عبر الانترنت، وتم التعاون أيضاً مع القطاع الخاص لحل الفجوة الرقمية، وتوفير أجهزة قابلة للتأجير بدون تكلفة لآلاف الطلاب من خلال المؤسسات التعليمية لضمان إلتحاق الطلاب غير القادرين بالفصول الدراسية عبر الإنترنت.ومع ذلك، فإن البنية التحتية الرائعة لتكنولوجيا المعلومات في كوريا الجنوبية والخطوات الاستباقية الحكومية لتنفيذ التعليم عن بُعد لم تحظي بقبول واسع النطاق. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي، أن معدلات الرضا عن التجربة منخفضة للغاية بين الطلاب، حتى أن %50 منهم فكَروا في أخذ عطلة خلال الفصل الدراسي الثاني، وأرجعوا استيائهم لسببين أساسيين هما: انخفاض جودة الدروس بنسبة (%37.9)، وعدم رضاهم عن الرسوم الدراسية بنسبة (%28). علاوة على افتقار كل من الطلاب والمعلمين إلى المهارات التقنية للتفاعل بكفاءة في بيئات الفصول عن بُعد، حيث إنهم لم يُدَربوا للتفاعل في مثل تلك البيئة، بالإضافة الي تفاقم الفجوة التعليمية نتيجة ممارسات متنوعة بين المدارس لعدم وجود سياسة موحدة لهذا النظام.والخلاصة، أن الأنظمة الأساسية والتقنيات عبر الإنترنت ليست جاهزة لتقديم محتوى تعليمي فعال كما هو الحال في الفصول الدراسية “وجهًا لوجه”. وكان الوضع أسوأ في كليات الهندسة؛ حيث أظهر استطلاع استهدف طلاب وأساتذة أقسام الهندسة بالجامعات المختلفة، عدم فاعلية %33 من الفصول، بينما أعرب %5 فقط عن رضاهم عن الفصول الدراسية. كما أظهر عدم رضاء %42 من أساتذة العلوم والهندسة، مقابل نسبة رضاء %12 فقط منهم. ومن التحديات الأخرى التي يذكرها رؤساء الجامعات، هي صعوبات إصلاح المؤسسات التعليمية وإعداد المحتوى، وعدم وفرة الموارد المالية الإضافية، ونقص الدعم الحكومي ومقاومة دمج التكنولوجيا في التعليم.
قيود التعليم عن بعد: من الواضح أن بعض جوانب التعليم الجامعي مثل: التعلم مع الأقران والتفاعل مع الأساتذة، وحياة السكن الجامعي والأنشطة الجامعية، لا يمكن تطبيقها في نظم آخرى. ومن ثمَ، فقد بدأت الجامعات والكليات الكورية مؤخرًا في تنفيذ نموذج تعليمي مختلط، حيث يتم تفعيل كلا من الفصول الدراسية وجهاً لوجه، وكذا فصول التعليم عن بُعد. وهي حقبة جديدة يتم فيها تحسين أفضل ميزات النظامين لتقديم أفضل خبرات التدريس والتعلُم للمعلمين والطلاب. فمن خلال الاستفادة من إمكانات الإنترنت والمنصات الالكترونية، يمكن للمؤسسات التعليمية تحسين مواردها لتعزيز وصول ملايين الطلاب إلى تعليم أقل تكلفة. وتمثل “الدورات التدريبية المفتوحة الضخمة عبر الإنترنت” (MOOCs)، والدورات مثل ماجستير Georgia Tech عبر الإنترنت في علوم الكمبيوتر مثالاً على هذه الإمكانات. وبالرغم أن وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكورية نفذت برنامج K-MOOC المتاح للجمهور والذي يستهدف جامعات العلوم رفيعة المستوى، إلا أن استيعابه كان بطيئًا ولا يزال هناك نقص في التسجيل به.
الحاجة إلى التغيير المنهجي: مع الإجماع على أن مستقبل التعليم هو “الأسلوب المختلط”، فإنه يجب على الحكومات النظر في إصلاحات التعليم التي تتجاوز البنية التحتية والتدابير للوصول الي هذا الهدف. وتُظهر تجربة كوريا الجنوبية أن إصلاح التعليم يتطلب خطة طويلة الأمد وتحولات منهجية تسعى إلى صنع تقنيات، تشمل المنصات عبر الإنترنت والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، ومكونات متكاملة لأنظمة التعليم. كما يجب على الحكومات أيضًا تسهيل التدريب ومشاركة المعلمين والأساتذة والطلاب وأولياء الأمور على نطاق أوسع. بالإضافة إلى أنه يجب إحداث نقلة في منظومة التعليم والتعلُم؛ والعمل بجِد لتغيير الثقافات وخلق حوافز للأساتذة والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور؛ وتحويل النماذج التعليمية لتلائم متطلبات الحقبة الجديدة. لذلك، فنحن نقترح أن تركز الحكومات وأصحاب المصلحة على السياسات التي تعزز البيئات الصديقة للتكنولوجيا، والتي تتمثل في خبرات التعليم والتعلُم الحالية عبر الإنترنت، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تطوير الثقة الاجتماعية والتوافق فيما يتعلق بالتعليم “المختلط”.
ومن ناحية آخري، هناك حاجة إلى تنفيذ السياسات التي تدعم البنية التحتية للتعليم عن بُعد، مثل المنصات والأجهزة ووسائل الاتصال بالإنترنت، جنبًا إلى جنب مع السياسات التي تستهدف الأنظمة والتحولات الاجتماعية التي تشمل تعزيز القدرات مثل تطبيق مناهج تدريب الطلاب والمعلمين وموظفي المدرسة علي نظام التعليم عن بُعد، وإصلاح الأنظمة الجامعية، وتشجيع تعاون المؤسسات فيما بينها.
وأخيرًا، وبعد التشاور مع أصحاب المصلحة، يجب سن القوانين والسياسات لوضع أساس قانوني للتعليم عن بُعد، ودعم توحيد المعايير الالكترونية عبر المؤسسات التعليمية، مما سيساعد في تقليل الارتباك بين المعلمين والطلاب وسد الفجوة التعليمية.
وختاماً، تكشف حالة كوريا الجنوبية أن امتلاك البنية التحتية الضرورية وإمكانية الاتصال بالإنترنت لا يكفيان بذاتهما لضمان تطبيق هذه المنظومة بكفاءة. فهناك حاجة إلى تفكير منهجي وإصلاحات على مستوى النظام لاحتضان الإمكانات التي توفرها التقنيات والتدريب والمشاركة على نطاق واسع من جانب أصحاب المصلحة.

المصدر: المنتدي الاقتصادي العالمي World Economic Forum

الرابط