123 مليار دولار و83 ألف بحث أبرز عناصر التنافس الصيني الأمريكي في الذكاء الاصطناعي خلال 2015 : 2020

جمال محمد غيطاس

على الرغم من أن الولايات المتحدة احتلت المركز الأول في تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي لهذا العام، وجاءت بعدها كل من سنغافورة وسويسرا، ثم الصين في المركز الرابع، إلا أن التسارع في معدل النمو الذي تحققه الصين في الذكاء الاصطناعي، يجعلها تنتقل من مركز لآخر أكثر وتقترب من القمة بوتيرة أسرع من سائر الدول تقريبا، وإذا ما أضيف لذلك مجمل أوضاع الصين اقتصاديا وعلميا وتقنيا، تصبح المنافسة الكبرى في عالم الذكاء الاصطناعي، محصورة تقريبا بينها وبين الولايات المتحدة وليس أية دولتين أخريين، ومن أبرز عناصر المنافسة الحالية بين الدولتين أنهما خلال الفترة من 2015 إلي 2020، أنتجتا ما يزيد على 83 ألف بحث علمي جديد في مجال الذكاء الاصطناعي، وأنفقتا ما يزيد على 124 مليار دولار فى بحوث واستثمارات الذكاء الاصطناعي، وفوق ذلك بينهما تاريخا طويلا من الصراع المعقد المرير العلني والخفي في هذا المجال لما يقترب من عقدين من الزمان، كانت الدولتان خلاله أعداء وخصوم ألداء معظم الوقت، وأصدقاء متعاونين بعض الوقت.

لتحليل الموقف التنافسي بين الدولتين، تم الرجوع الي البيانات الخام بقاعدة بيانات تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2021، والتابعة لجامعة ستانفورد الامريكية العريقة والشهيرة، وهي بيانات ترصد عناصر المنافسة بين الدول المختلفة التي تمكنت من الانخراط في هذه الساحة الحديثة والمتقدمة.
وكما هو موضح بالجدول المستخلص من قاعدة البيانات المشار إليها، فإنه من أبرز الأرقام الدالة على المنافسة بين الدولتين أن علماء وباحثي الولايات المتحدة نشروا عن الذكاء الاصطناعي 43 ألفا و480 بحثا في المؤتمرات العلمية العالمية، و41 الفا و291 بحثا في المجلات العلمية، وذلك خلال الفترة من 2015 الي 2020، في حين نشر الصينيون 39 الفا و754 بحثا في المؤتمرات العلمية و 50 الفا 860 بحثا في المجلات العلمية خلال الفترة نفسها، وهنا يبدو الأمر سجالا بين الطرفين، ففي حين تفوق الأمريكيون في النشر داخل المؤتمرات، تفوق الصينيون في النشر داخل المجلات.
لكن البحوث الأمريكية في الذكاء الاصطناعي تبدو أكثر جودة وتلقي انتشارا عالميا اكثر من نظيرتها الصينية، ففي حين بلغ عدد الاقتباسات من الأوراق البحثية الامريكية المنشورة في المؤتمرات العلمية مليونا و240 الفا و612 اقتباس، بلغ عدد الاقتباسات من نظيرتها الصينية 261 الفا و456 اقتباس، وفي البحوث المنشورة بالمجلات العلمية بلغ عدد الاقتباسات من البحوث الامريكية 858 الفا و988 اقتباس، وبلغت نظيرتها الصينية 552 الفا و742 اقتباسا.
في موضع آخر يظهر التقارب الشديد بين الدولتين، ففي مجال الموارد البشرية، نجد أن معدل الانتشار النسبي للمهارات في الذكاء الاصطناعي يبلغ 7 درجات لدي الصين و8 درجات لدي الولايات المتحدة، أي يصبح الصراع بينهما شديدا والقوة متقاربة في هذا العنصر المهم، لكن في عناصر اخري تتقدم الولايات المتحدة بوضوح، حيث نجد الانفاق الاستثماري الخاص بالولايات المتحدة يكاد يكون ضعف نظيره بالصين، حيث أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد على 80 مليار دولار خلال السنوات الخمس المشار إليها في حين انفقت الصين ما يزيد قليلا على 43 مليار دولار.
في هذا السياق قالت إحصاءات صادرة عن مؤسسة «اية بي آي» المتخصصة في بحوث الاستثمار بتقنية المعلومات، أن الصين تفوقت على الولايات المتحدة من حيث التمويل في العديد من الأحيان، على الرغم من أن الرقم الإجمالي للإنفاق يكاد يمثل نصف الرقم الأمريكي، لكن الولايات المتحدة في المقابل كانت متفوقة من حيث سعة وحجم القاعدة الاستثمارية، ففي حين أن الولايات المتحدة جمعت أموالها من 155 مجالا استثماريا، جاءت الأموال الصينية من 19 مجالا استثماريا فقط.
وإجمالا يظهر الجدول أن عناصر المنافسة بين الدولتين تضم 22 مؤشرا فرعيا، موزعين على ستة مجموعات رئيسية، وللوهلة الأولي يشير الجدول الي أن الولايات المتحدة متقدمة على الصين في 21 عنصر من عناصر المنافسة، فيما تتقدم الصين في مؤشر واحد، وعند التدقيق في الجدول، سرعان ما نكتشف أن الفارق بين الدولتين إما قليل أو ضئيل فيما يتعلق بكل عناصر المنافسة المرتبطة بالتقدير الكمي المباشر، سواء في مجال النشر العلمي داخل المؤتمرات، أو النشر العلمي بالمجلات العلمية المتخصصة، أو أعداد الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي أو الاستثمار الخاص والكوادر البشرية، لكن الفارق يتسع وتصبح الهوة واسعة لصالح الولايات المتحدة، عند توزيع هذه الأرقام على العدد الإجمالي للسكان، وحساب نصيب الفرد الواحد من كل عنصر من عناصر الإنتاج الكمي، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلي أن عدد سكان الصين يكاد يقترب من ثلاثة اضعاف عدد سكان الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير آخر أعده محللو موقع تيك ريبابليك techrepublic.com المتخصص في التقنية فإن نقاط القوة والضعف التي يملكها الطرفان تتضمن أيضا إنتاج الشرائح الالكترونية الدقيقة الخاصة بتشغيل معالجات الذكاء الاصطناعي، وفي هذا السياق تبدو الشركات الصينية سريعة في تطبيق التقنيات الجديدة واختبار صلاحيتها التجارية، لكن بمكونات بناء مختلفة ليست كلها محلية، وهو ما يصنع أكبر عقبة أمام هيمنة الصين على الذكاء الاصطناعي، حيث إن التكاليف الأولية المرتفعة ودورة الإنشاء الطويلة تجعل تطوير المعالج والرقاقة أمرا صعبا، وعمليا لا تزال الصين تعتمد إلى حد كبير على أمريكا بالنسبة للرقائق التي تعمل على الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي، وحتى الآن ، ضخت الصين الكثير من الأموال في هذه الصناعة دون الكثير من النتائج.
وفي مجال رعاية المواهب، استطاعت الصين أن تمتلك حاليا خمس من أفضل عشر جامعات عالمية لرعاية وتطوير المواهب الابداعية، وذلك وفقا لتقرير مؤسسة «ديت بوت» لعام 2018، وأربع من هذه الجامعات هي جامعة تسينغهوا وجامعة بكين وجامعة شنغهاي جياو تونغ وجامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، قاموا بتخريج ما مجموعه 12521 خريجا في السنوات الأخيرة، معظمهم من ذوي المهارات المؤهلين للعمل والإبداع في الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك يؤكد تقرير تيك ريبابليك أن %31 فقط منهم بالصين ، في حين غادر %62 للعمل والعيش بالولايات المتحدة.
ووصف التقرير هذا الأمر بأنه سباق تسلح في الذكاء الاصطناعي، قائم على الموهبة، والحرب من أجل المواهب تحدث بين شركات التكنولوجيا الكبرى وبين عدد من مبادرات الحكومة الصينية التي تحاول تجنيد الطلاب والباحثين، والتوزيع العالمي للمواهب المدربة في تقنية التعلم الآلي ـ إحدى أهم تقنيات الذكاء الاصطناعي ـ يشير إلي أن هذه المواهب تتركز بشكل كبير في الولايات المتحدة، حيث يوجد حوالي 720000 شخص ماهر في التعلم الآلي في جميع أنحاء العالم، يعيش منهم في الولايات المتحدة ما يقرب من 221600 يمثلون %31 من إجمالي المواهب عالميا، وفي حين أن الصين تتوسع بسرعة في مبادرات التعليم الذكاء الاصطناعي لبناء قوة عاملة أكثر قوة من المهندسين والباحثين، فإنه لا يزال من المبكر جدا معرفة ما اذا كان ذلك سوف يكون ناجحا في حسم المنافسة لصالحها.
في النهاية، يمكن القول أن الأرقام والتحليلات المختلفة الصادرة بشأن التنافس الصيني الأمريكية على ريادة مجال الذكاء الاصطناعي، تدل على أن الصين قدمت دفعة قوية لوضع نفسها كقوة عظمي عالمية للذكاء الاصطناعي منذ عام 2017 على وجه التحديد، مع خطة حكومية تستثمر مليارات الدولارات في هذا المجال. ولكن عند الحفر بشكل أعمق، ليس من الصعب أن تجد أن الولايات المتحدة لا تزال في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي، مع وجود المزيد من مصادر الاستثمار، والقوى العاملة الأكبر، والأوراق البحثية الأكثر شمولا، وشرائح المعالجات الأكثر تقدماً، لكن الأمر بات اشبه بساحة صراع متشابكة، تشكل واحدة من أهم أوجه الصراع الصيني الأمريكي المتصاعد حاليا والمرشح للمزيد من السخونة والاتساع مستقبلا.