62 % من الدول تتنازع مع بعضها البعض أمام العدل الدولية بواقع 1.6 قضية لكل منها

من بين 193 دولة أعضاء بالأمم المتحدة حاليا، ذهبت 120 دولة إلى محكمة العدل الدولية لتتنازع مع بعضها البعض في طيف عريض من القضايا بلغ 192 قضية خلال الفترة من 1947 وحتي 2024، ويعني هذا الرقم أن نحو 62% من دول العالم انخرطت في نزاعات بين بعضها البعض أمام المحكمة، حول قضايا تخص السيادة على الحدود الإقليمية والأنهار والتمييز العنصري وجريمة الإبادة الجماعية والعمليات المسلحة وغيرها، وتتصدر كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا قائمة الدول الأكثر تنازعا أمام المحكمة بنصيب يبلغ 58 قضية، تمثل 14.4% من القضايا أمام المحكمة، وبعضها تدخلت فيها بصفة الشاكي، وبعضها بصفة المشكو في حقه.
التغير السنوي
للوقوف على مشهد المنازعات أمام محكمة العدل الدولية في احدث صوره، قام مركز جسور بإجراء تحليل لأحدث البيانات المنشورة علي الموقع الرسمي لمحكمة العدل الدولية، من حيث القائمة الكاملة للقضايا، وتوزيعها علي الدول، وعدد الإجراءات المتخذة، ثم أضاف المركز تصنيفات جديدة للبيانات المنشورة، تحديدا علي مستوي التقسيم النوعي للقضايا، وفرز موقف كل دولة بالقضية، من حيث كونها شاكي أو مشكو في حقه، والتطور التاريخي والتغير السنوي في أعداد ونوعيات القضايا.
بناء على هذا التحليل، أمكن ملاحظة أن عدد النزاعات السنوي الأكثر شيوعا طوال فترة انشاء المحكة البالغة نحو 77 عاما ( 1947 ـ 2024)، هو نزاعان في السنة، حيث يظهر الخط البياني الخاص بالتغير السنوي في أعداد النزاعات المرفوعة للمحكمة أن هذا العدد تكرر 20 مرة خلال الـ 77 سنة، أي كان هناك 20 سنة وقع في كل منها نزاعان ورفعا للمحكمة، ثم يأتي بعده عدد نزاع واحد في السنة، والذي ظهر 16 مرة في الخط البياني، ثم عدد ثلاثة نزاعات في السنة والذي حدث 13 مرة، ثم عدد صفر في السنة، والذي ظهر عشر مرات، ومن ثم يكون اجمالي عدد السنوات التي ظهرت فيها الأرقام السابقة مجتمعة 59 سنة.
في المقابل كانت هناك قفزات في أعداد النزاعات تشكل ذرى عالية في منحني التغير السنوي لكنها قليلة العدد، كان من بينها خمسة أعوام بلغ فيها عدد النزاعات أربعة، وست سنوات بلغ فيها عدد النزاعات خمسة، وعامان بلغ فيهما عدد النزاعات ستة، وعام واحد بلغ فيه عدد النزاعات 7، وعامان بلغ فيهما عدد النزاعات 9، وعام واحد بلغ فيه عدد النزاعات 10، ومن ثم يكون اجمالي عدد السنوات التي ظهرت فيها هذه الذرى مجتمعة 17 عاما فقط، وبالقراءة الزمنية لهذه الذرى، يتبين أن الذروة الأعلى علي الإطلاق وهي عشرة نزاعات في العام حدثت في العام 2004، والذروتان التاليتان لها وهما 9 نزاعات في العام حدثتا في العام 2018 والعام 2022، والذروة الثالثة وهي 7 نزاعات في العام وقعت في العام 2023،
وعند النظر الي الاعداد في مجملها العام، يتبين أن المتوسط السنوي العام لعدد النزاعات المرفوعة أمام المحكمة طوال تاريخها هو 2.6% نزاعا، وأن متوسط النزاعات الخاصة بكل دولة على حدة يبلغ 1.6 قضية من إجمالي القضايا أمام المحكمة.
وانطلاقا من مما سبق يمكن القول أن نطاق النزاعات أمام المحكمة تركز بالأساس بين صفر و 3 نزاعات في العام، وهو نطاق احتل 59 سنة من إجمالي 77 سنة، بينما شكلت سنوات الذرى الأخرى النطاق الجانبي أو الفرعي، ما يجعلنا نقول أن التغير السنوي في اعداد النزاعات المرفوعة للمحكمة اتسم بحالة من التذبذب الضعيف إلي المتوسط، وإن كان اتجاهه العام هو الميل للارتفاع.
الشاكي والمشكو في حقه
بتحليل بيانات المحكمة من منظور توزيع القضايا على دول العالم المختلفة وفقا لقاعدة الشاكي والمشكو في حقه، تبين أولا أنه من بين 193 دولة عضو حالي في الأمم المتحدة، هناك 73 دولة لم تنخرط في أية نزاعات فيما بينها وتعرضها علي المحكمة، و120 دولة وقعت نزاعات بين بعضها البعض وتم عرضها علي المحكمة، وداخل هذه النزاعات هناك 214 حالة لدول شاكية، و 155 حالة لدول مشكو في حقها، ما يعني أن الدول المنخرطة في النزاعات كانت شاكية ومشكو في حقها عدة مرات والمعنى الذي يمكن الخروج به من هذه الأرقام ان نحو 62% من دول العالم تتنازع مع بعضها البعض قضائيا امام المحكمة، و38% فقط خارج النزاعات المعروضة أمام المحكمة، أي أن ما يقرب من ثلثي العالم في حالة عراك مع بعضه البعض.
تم إنشاء قائمة جري فيها ترتيب الـ 120 دولة المنخرطة في النزعات من حيث عدد النزاعات التي تخصها داخل المحكمة، سواء كانت شاكية أو مشكو في حقها، ووجد أن المراكز الخمس الأولى بالقائمة جاءت كالتالي: المركز الأول أو رأس القائمة تحتله جاءت أمريكا بلا منازع، فهي متورطة في 26 قضية تمثل 6.5% من النزاعات المعروضة أمام المحكمة، تليها بريطانيا وفرنسا ونيكاراجوا في المرتبة الثانية، بعدد 16 قضية لكل منهم تمثل 39% من الإجمالي، ثم ألمانيا في المرتبة الثالثة بعدد 10 قضايا تمثل 2.48% من الإجمالي، ثم صربيا والجبل الأسود في المرتبة الرابعة بعدد 9 قضايا تمثل 2.23%، ثم إيران في المرتبة الخامسة بعدد 8 قضايا تمثل 1.99% من الإجمالي، وتتوزع الاعداد الباقية علي 115 دولة، نصيب كل منها من النزعات اقل من 9، كان من بينها 11 دولة تراوح عدد نزاعتها بين 8 و6 نزاعات، و30 دولة تراوح عدد نزاعاتها بين 5 و3 نزاعات، و25 دولة كان لها نزاعين، و48 دولة لها نزاع واحد.
بتعميق التحليل وجد أكثر دولة مشكو في حقها عالميا هي أمريكا أيضا، حيث رفعت ضدها 15 قضية تمثل 9.7% من القضايا الموجهة ضد دول مشكو في حقها، تلتها فرنسا 9 قضايا وبريطانيا 7 قضايا ونيكاراجوا 5 قضايا وهندوراس 5 قضايا، ما يجعل هذه الدول هي الخمس الأكثر إثارة للنزاعات والاعتداء علي الدول الأخرى، من وجهة نظر ملفات الدعاوى بالمحكمة الدولية، ويعرض الشكل المرفق الدول الـ 17 الأكثر تورطا في النزاعات وحالة الشاكي والمشكو في حقه بالنسبة لكل دولة.